تمر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، الذكرى العشرون لبدء عرض أول جزء من سلسلة أفلام «هاري بوتر» والمعروف باسم «هاري بوتر وحجر الفيلسوف»، لمؤلفته جي كي رولينج، والتي أتتها فكرة العالم الخيالي وشخصيات السحرة أثناء انتظارها للقطار المتأخر عن موعده في إحدى الليالي.

واحتفالًا بهذه المناسبة ستقدِّم الممثلة البريطانية هيلين ميرين مسابقة فريدة من نوعها، في ديكور مستوحى من عالم السحر الخاص بهاري بوتر ومدرسة «هوجوورتس» لتعليم فنون السحر؛ إذ ستتسابق أربع فرق تمثل المنازل الأربعة  الخاصة بالمدرسة، على مدار أربع ليال، يُسألون فيها عن كل ما يخص «هاري بوتر» وعالمه السحري.

سلسلة روايات «هاري بوتر» ليست الوحيدة التي نجحت في جذب اهتمام الجمهور وصنَّاع السينما، لتتحول إلى سلسلة أفلام أو مسلسل، فهناك على سبيل المثال «سيد الخواتم» لمؤلفها جي آر آر تولكين، و«أغنية الثلج والنار» لجورج مارتن التي تحولت إلى مسلسل «لعبة العروش»، لكن هناك بعض العناصر أو الأسباب التي تميز السلسلة وصاحبتها جي كي رولينج، جعلتها تحجز مكانًا شديد التميُّز وسط كل سلاسل الروايات والأعمال الفنية في فئة الفانتازيا، نخبرك عنها في السطور التالية.

1- شخصية رولينج الملهمة.. حان وقت دفع الضرائب ودعم الآخرين

كثيرًا ما يفصل الجمهور حياة المؤلف عن إنتاجه الأدبي، خاصة وإن كان يرى العمل الأدبي جيدًا وممتعًا بينما شخصية المؤلف مزعجة، ولكن في حالة رولينج وهاري بوتر، أحب الجمهور حياتها الشخصية وكيف تغلبت على الصعاب في حياتها، وتحولت من أم عزباء مكتئبة بسبب طلاقها وفقرها واعتمادها على الإعالة الحكومية للإنفاق على ابنتها، إلى واحدة من أغنى الأدباء في العالم.

فبعد أن أتتها فكرة الصبي اليتيم المقهور الذي يأتي السحر فجأة لينقذه من عالمه العادي الممل، ويأخذه لعالم آخر ساحر يكتشف فيه أنه شخصية مشهورة ومحبوبة، ويقع في مغامرات مذهلة ويقود في النهاية حربًا ضد الشر، ظلَّت رولينج ترسم الخطوط العريضة للقصة وللشخصيات لمدة خمس سنوات كاملة، وأخيرًا عندما كتبت أول ثلاثة فصول في الجزء الأول من السلسلة وعرضتها على دور النشر المختلفة، كان الرفض هو الإجابة المعتادة، حتى تحمست لها في النهاية دار نشر «بلومزبري».

Embed from Getty Images

هذه الرحلة الطويلة من الاكتئاب والفقر والرفض ثم النجاح، شاركتها رولينج مع الجميع لتصبح إلهامًا للعديد من الأشخاص حول العالم، ورغم ثراءها الكبير الآن، أو ربما بسببه، تعلن رولينج، رفضها تحويل أموالها لخارج بلدها كما يفعل الكثير من الأغنياء، قائلة إنه يجب عليها أن تدفع الضرائب، فكما دعمها قديمًا النظام الحكومي لإعالة الأمهات العازبات، ترى أنه حان دورها كي تدعمه.

2- أسلوب السهل الممتنع.. هاري بوتر يفتح الباب لروايات الأطفال والمراهقين

تبدو قصة هاري بوتر للوهلة الأولى قصة شديدة البساطة، تحكي عن صراع تقليدي بين الخير والشر، وهي في الأصل موجهة لليافعين، لذا كانت اللغة المستخدمة في الحكي سهلة وبسيطة ولكنها أخَّاذة في الوقت نفسه، حتى إن الكبار تعلقوا بشخصية الصبي هاري بوتر، كتعلَق الأطفال بها، في الحقيقة تعد هذه السلسلة خطوة في تغيير خريطة النشر الأدبي للأطفال والكبار.

فقبل نجاح سلسلة «هاري بوتر»، لم يكن يُنظر إلى أدب الأطفال على أنه أدب مُربح ومن الممكن تحويله لسلسلة كتب ناجحة ومُدِّرة للعائد المادي، بل كان نشر هذا النوع من الأدب يعد مجرد إكمال لصورة الإنتاج الأدبي. هذا هو المناخ الأدبي الذي دخله أول جزء من سلسلة هاري بوتر، ليتغيَّر الوضع تمامًا مع إصدار آخر جزء في السلسلة، والذي تكوَّن من أكثر من 700 صفحة، وهو أمر لم يحدث من قبل في روايات اليافعين.

بنجاح مغامرات هاري بوتر تشجَّع الناشرون للاستثمار في روايات اليافعين والأطفال، وفُتِح الباب لكتَّاب آخرين للكتابة بحرية وجرأة أكبر؛ مما سمح بظهور روايات مثل «توايلات» لستيفاني ماير و«مباريات الجوع» لسوزان كولينز.

Embed from Getty Images

3- رحابة عالم السحر.. عالم موازٍ لا نراه

يضطر أدباء الفانتازيا غالبًا إلى بناء عوالم بعيدة عن عالمنا الذي نعيش به، وذلك حتى يستطيعوا خلق أحداث مثيرة بدون تقيد سواء بالمكان أو الزمان، فسلسلة «سيد الخواتم» مصنوعة من عوالم شديدة التعقيد، ولكنها كلها تدور بعيدًا على أرض أسماها الكاتب بالأرض الوسطى، أما سلسلة «لعبة العروش» فهي لم تحدد زمنًا معينًا للأحداث، ولكنه بالتأكيد قديم جدًّا، كما أنه يدور جغرافيًّا في عالم مختلف عن عالمنا يتكون من قارتَي إيسوس وويستروس.

لكن رولينج تحدت هذا الأمر مع «هاري بوتر»، واستعملت إنجلترا المعاصرة خالقة عالمًا موازيًا لا يراه العامة (غير السحرة) ولا يصله إلا السحرة، وبالرغم من ذلك فإن السحرة طوال الوقت يحسبون حسابًا للعامة. 

لم تصرِّح «رولينج» عن السبب وراء اختيارها لهذا العصر رغم القيود التي يفرضها عليها، ربما ليستشعر الأطفال القرب من القصة ويتفاعلوا معها بسهولة، ولكن رغم ضيق الحيز الذي حصرت رولينج نفسها فيه، فإنها استطاعت التحرك بسلاسة وسهولة في هذا العالم دون أن تعطي الإحساس للقارئ بأنها مقيَّدة بالمكان.

4- الالتزام بالخط الأدبي.. لن نترك البقية لمخيلة القراء

رغم أن رولينج استطاعت الخروج من عباءة شخصية «هاري بوتر» وكتابة قصص أخرى مثل «منصب شاغر» وسلسلة المحقق الخاص «كورموران سترايك»، والتي نشرتها تحت اسم مستعار  هو روبرت جالبريث، لم تصبح بشهرة «هاري بوتر»؛ فإنها لم تحاول الهرب من عالمها السحري الذي خلقته، فقد كان هناك الكثير لترويه ولم ترد أن تترك الأمر بالكامل لمحبي السلسلة كي يكملوه بأنفسهم، بل أرادت أن تقوم بالأمر بنفسها بالطريقة الصحيحة، لذا كتبت سلسلة روايات «الوحوش الرائعة وأين تجدها»، والتي تقع أحداثها قبل أحداث سلسلة روايات «هاري بوتر».

Embed from Getty Images

5- عالم متكامل من السحر.. صُنع على يد كي جي رولينج بنفسها

استغلت رولينج وجود الإنترنت كما لم يستغله كاتب من قبل، فعلى سبيل المثال لم تقع رولينج في الورطة التي لاحقت الكاتب «جورج مارتن» مؤلف سلسلة «أغنية الثلج والنار»، والذي لم يكمل كتابة السلسلة حتى الآن رغم صناعة مسلسل مبني على أحداثها «لعبة العروش»، وهو ما اضطر صنَّاع المسلسل في الأجزاء الأخيرة لاختلاق الأحداث بشكل كامل كون أن المسلسل التليفزيوني قد سبق الرواية المسلسلة، وهو أيضًا ما أثار غضب محبي العمل الذين لم يرضوا أبدًا بمستوى الأحداث في نهاية العمل الفني.

ليس هذا فحسب فقد قام محبو السلسلة بكل العمل الإضافي والمكمل بدلًا من صاحب العمل الأصلي، فرسموا هم الخرائط ونشروا شجرة العائلات ووضَّحوا العلاقات بين الشخصيات بناءً على وجهة نظرهم هم.

ترك «جورج مارتن» محبي السلسلة يفعلون كل ذلك تحت نظره دون محاولة جادَّة منه لإنهاء السلسلة أخيرًا، وهذا بالتأكيد عكس ما فعلته رولينج مع عالم «هاري بوتر»، والذي يعد محدودًا وصغيرًا إذا ما قورن بالصراعات الأسطورية في «لعبة العروش»، إلا أنها استطاعت أن تتغلب على هذا الأمر، بالطريقة نفسها التي اعتمدتها منذ البداية، وهي اللجوء دائمًا للبساطة.

Embed from Getty Images

فالكتب والروايات التي كتبتها ومرتبطة بعالم بهاري بوتر، جعلتها تبدو وكأنها من تأليف سحرة آخرين، بل إن بعض هذه الكتب كانت مقررة في المنهج الدراسي للطلبة في مدرسة «هوجوورتس» للسحر التي كان يدرس بها «هاري»، ومن ثم تضمنت الكتب العديد من الهوامش المكتوبة بخط «هاري» نفسه، كما تحمل بعضها جملًا مازحة ومشاكسة بخط يد صديقه المقرب «رون ويزلي».

لم تكتف «رولينج» بكل ذلك، بل أنشأت موقعًا حمل في البداية اسم «بوترمور»، ثم تحوَّل إلى «عالم السحر»، وهناك كتبت رولينج العديد من المقالات التي استفاضت بها في شرح الكثير من الأمور والأغراض المتعلقة بالعالم السحري الخاص بها.

6- الاهتمام بالأعمال الفنية المقتبسة

كثيرًا ما يخلي المؤلفون مسئوليتهم عن العمل الفني المأخوذ عن قصصهم، تاركين الحرية للمخرج لفرض رؤيته الفنية على العمل، لكن لأن «هاري بوتر» يعد مشروع العمر لرولينج، فقد أصرت على أن تشرف على الأعمال الفنية المقتبسة عن السلسلة، وكان أول شروطها هو وجوب أن يكون جميع الممثلين بالفيلم بريطانيين يتحدثون بلهجة بريطانية، فرفضت اقتراحات المخرج لبعض الممثلين الذين لا يتوافقون مع هذا الشرط.

أيضًا لأن السلسلة لم تكن مكتملة النشر أثناء صناعة الأجزاء الأولى من الأفلام ولكنها مكتملة في رأس رولينج، فقد كانت حاضرة للتوجيه في بعض الحالات، ووضع بعض التفاصيل متناهية الصغر، والتي ستساعد فيما بعد في الربط بين الأحداث عند اكتمال السلسلة، وقد لفتت تلك التفاصيل نظر الجمهور المخلص للسلسلة كما راهنت هي بالضبط.

Embed from Getty Images

ورغم مرور أكثر من 20 عامًا على إصدار أول طبعة من الجزء الأول في سلسلة روايات هاري بوتر، ومرور 20 عامًا على عرض الفيلم المقتبس من هذا الجزء، فإن «هاري بوتر» لا يزال يأسر المزيد من الأطفال والكبار من حول العالم كل يوم، ليزداد عدد محبي عالم هاري بوتر أو آل«بوترهيد» مكونين مجموعاتهم الخاصة التي يتناولون فيها تفاصيل كل ما حدث مرة بعد مرة بعد مرة، وهو ما أدى في النهاية إلى وجود متسابقين مستعدين للتنافس في مسابقة كبيرة تستمر أربع ليالٍ، فهل تعتقدون أنه لو كانت أتيحت لكم فرصة الاشتراك في مسابقة مثيلة، كنتم ستكونون مؤهلين للتنافس؟ أم أنكم لستم «بوترهيد» بالقدر الكافي؟ وأي منزل من المنازل الأربعة تتوقعون له الفوز في هذه المسابقة؟

فنون

منذ 5 سنوات
هاري بوتر و9 أفلام أخرى كان أبطالها تحت تأثير المخدر طوال فترة التصوير

المصادر

تحميل المزيد