لم يعد من الصعب الآن إيجاد ورشة تمثيل والانضمام إليها، وببحث صغير على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنك أن تجد أكثر من ورشة تعرض فرصة التقديم لصفوفها، ولكن ليست كل تلك الورش مفيدة بالفعل.

في الماضي كانت ورش التمثيل محدودة ومقتصرة على مدربين محترفين، أسمائهم معروفة في هذا المجال وفي مجال التمثيل بشكل عام، ولكن الآن، وفي السنوات الأخيرة، ظهر الكثير من المدربين والورش التي تستغل أحلام الشباب وتسحب الكثير من أموالهم دون أن تقدم لهم استفادة حقيقية. في هذا التقرير ندخل إلى كواليس ورش التمثيل في مصر، بين المحترف منها، وبين ما يندرج تحت بند «السبوبة» لا أكثر.

«أنت بتدفع تمن دورك الأول في السينما»

في عام 2009  قبل أن تنتشر تمرينات التأمل واليوجا في مصر، وتظهر الأماكن التي تقدم دروسًا وحصصًا دورية في هذا المجال، كان أحمد – اسم مستعار- ممثلًا هاويًا يمارس تلك التمارين في ورشة إعداد الممثل، والتي يملكها اثنان من الممثلين المخضرمين، والتي كانت تعد حتى عام 2013 من أكثر ورش التمثيل شهرة في ذاك الوقت، وكان للممثلين والمتدربين فيها مكانة وثِقل حتى لو كانوا وجوهًا  جديدة لمجرد أنهم تدربوا في تلك الورشة.

يخبرنا أحمد أنه بعد انضمامه لتلك الورشة، لم تعد بالنسبة له مجرد ورشة للتمثيل غرضها التسويق للوجوه الجديدة بين شركات الإنتاج، بل أصبحت تلك التدريبات جزءًا مهمًّا في بناء شخصيته بشكل عام بحسبه، فعلى سبيل المثال كان التواصل بالعين من أحد أصعب الأمور عليه عند الحديث مع الآخرين قبل أن ينضم لتلك الورشة، حتى جاء اليوم الذي طلب منهم هذا الممثل المخضرم الذي يدربهم – وهم تقريبًا 20 متدربًا- أن يلفوا في دائرة وينظرون في أعين بعضهما حتى يختار كل واحد طرفًا آخر ويظل ينظر في عينه في ثبات حتى يتوقف التمرين.

قد يبدو التمرين بسيطًا ولكن – يخبرنا أحمد-  أن النظر في أعين شخص غريب لمدة خمسة دقائق يبدو غريبًا ومحرجًا وخارقًا للروح – على حد وصفه- وكان أحمد دائمًا ما يفشل في هذا التمرين، حتى جاء اليوم الذي استطاع فيه أن يحدق في أعين زميله المدة كاملة، وقتها شعر بأنه تحرر من خلل في شخصيته وليس فقط تعلم مهارة في فن أداء الممثل.

وبعد أن أُغلقت هذه  الورشة نظرًا إلى اعتزال هذا الممثل التدريب، بدأ أحمد رحلة البحث عن ورش تمثيل أخرى، وهنا بدأت «المأساة» – على حد وصفه- «أشخاص لا يعرفون شيئًا عن التمثيل ولا تدريباته، يطلبون مبالغ تصل إلى 10 أضعاف ما كنت أدفعه في الورشة السابقة».

ولكن هناك تجربة محددة رغم مرور تسع سنوات عليها لم ينسها، وهي تجربة الورشة التي انضم لها عندما أعلن عنها ممثل اسمه كان معروفًا في ذاك الوقت بصفته ممثلًا شابًّا صاعدًا، كما أنه درس التمثيل في واحدة من أهم الورش المسرحية الموجودة في مصر، فشعر أحمد بالثقة تجاه تلك الورشة، واشترك فيها بمقدم وصل لثلاثة آلاف جنيه، وفي ذاك الوقت كان هذا مبلغًا كبيرًا.

هذا الممثل الشاب الذي يدربه أخبره هو وزملاءه أن تلك الورشة هي فرع لورشة تمثيل مهمة وشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا كان يسوق الممثل الصاعد للورشة، وبغض النظر عن أن أحمد لم يستفد فعليًّا في الورشة بأي شيء – كما يحكي  فإن هذا الممثل الشاب كان يطلب الكثير من الأموال وبعضها بالدولار الأمريكي، على أساس أنه سوف يحضر مدربين محترفين في جميع التخصصات التي تخص التمثيل مثل التعبير الجسدي والإلقاء وغيرها من المهارات.

وانتهى الأمر بمجموعة من الهواة بدون خبرة، كما أنه في النهاية لم يحصل على الشهادة التي وعده بها المُدرب ولم ينفذ أيًّا من وعوده والتي أكدها في بداية الورشة عندما برر ثمن غلاء الورشة قائلًا: «أنت بتدفع تمن دورك الأول في السينما»؛ تعبيرًا عن ثقته أنه سيجد دورًا مهمًّا لكل من اشترك في الورشة، وهذا لم يحدث لأي مشترك في الورشة.

«اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش»

تحدثنا أيضًا مع سمر – 42 سنة وربة منزل وزوجة سيناريست درامي- والتي كانت في الورشة نفسها التي يديرها الممثلان المخضرمان السابق ذكرها، وبعد أن ترك الورشة الممثل الذي كان يشرف طوال الوقت على التدريب، تسلم الورشة ممثل شاب مغمور ولم يقدم العديد من الأدوار في السينما وغيَّر اسم الورشة، وزاد من أسعار الاشتراك، كما أنه غيَّر مكان الإستوديو، وهكذا تحولت الورشة إلى مكان آخر تمامًا، ولكن سمر قررت أن تستمر فيه لأن «اللي نعرفه احسن من اللي منعرفوش»، وظنت أن مدربها السابق لن يتنازل عن الإستوديو ومتدربيه لشخص غير موثوق فيه، ولكن التجربة كانت محبطة لها للغاية، وفقًا لما تخبرنا.

«كنت أستطيع التمثيل بسهولة في أي عمل درامي مما يكتبهم زوجي، ولكن وددت أن أحصل على التدريب الكافي قبل أن اقدم على هذه الخطوة»؛ هكذا تخبرنا سمر والتي تركت الورشة بعد شهور قليلة من تسلم هذا الشاب التدريب، خاصة بعد أن شعرت بأنها لا تتطور مثلما كان يحدث مع المدرب السابق، كما أن زوجها أخبرها أن شهرة هذا المُدرب بين معظم المؤلفين والمخرجين؛ أنه ليس لديه الخبرة الكافية لأن يكون ممثلًا.

«حين يستولي فنان على أموال منحة أوروبية»

«وسط البلد» في مصر عام 2006 كانت مكانًا تحلم نرمين بأن تكون جزءًا منه، حيث يوجد الأدباء والشعراء والمثقفون وممثلو المسرح؛ وهؤلاء ما كانوا يهمونها لأنها كانت تريد أن تتدرب على التمثيل المسرحي، وبعد أن أصبحت دائمة الوجود في وسط البلد وتعرفت إلى أكثر من مخرج مسرح، عُرض عليها في يوم عرضًا رأت أنه مغرٍ جدًّا، وهو ورشة مسرح مجانية مع  مخرج مسرح كان له شهرة مميزة في ذاك بالعروض المسرحية التي يقدمها في مسارح «الفن المستقل»، فوافقت على الفور وانضمت إليه.

كان التدريب يوميًّا وتذهب إليه نرمين بعد عملها، مباشرة وكان المخرج المسرحي يوفر مكان التدريب مجانًا، وما أسعدها أن نهاية الورشة كان عرضًا مسرحيًّا شاركت هي وزملاء الورشة فيه، ولذلك اشتركت معه في الورشة التالية، لتكتشف بعد ذلك أن كل الأوقات التي قضتها في الورشة وفي العروض المسرحية كان يجب أن تتقاضى أجرًا عليها، سواء أيام التدريبات المتتالية أو أيام العروض، وهذا لأن هذا المخرج قد حصل على تمويل من مؤسسة ثقافية أوروبية تدعم الفنون في الدول العربية، ولكن هذا المخرج اختص نفسه بمال المنحة، وأوهم المشتركين بأن الورشة مجانية وأنه يقدم لهم فرصة، أو يصنع لهم معروفًا.

في النهاية يجب أن نوضح أن تلك التجارب لا تجسد ولا تعبر عن جميع ورش التمثيل الموجودة بمصر، فهناك بعض الورش سواء سينمائية أو مسرحية يشرف عليها مدربون محترفون، سواء في التدريب أو في التسويق الجيد للممثلين المشتركين معهم في هذه الورشة.

ويقول المنتج الفني صبري السماك لـ«ساسة بوست»، إن انتشار ورش تدريب التمثيل يعد من الظواهر الصحية بغض النظر عن بعض الأمثلة التي قد تكون مسيئة لهذا العمل، ولكن يجب أن نوضح أيضًا – يقول السماك- أن تدريب الممثلين لا يمنحهم الموهبة، وورش التمثيل التي تستقبل المتقدمين فقط من أجل المال لن تقدم لهم شيئًا جديدًا، فإذا كان الشخص ليس لديه موهبة؛ لن تفيده آلاف الورش، ودور ورشة تدريب الممثل هي تطوير وإثقال موهبة الممثل الموجودة به بالفعل.

فنون

منذ 7 سنوات
قصة احتقار السينما المصرية للشكل المصري
تحميل المزيد