استقبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الثلاثاء 5 يوليو (تموز) 2022، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال البلاد، وفدًا فلسطينيًّا ضم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعددًا من قيادات «فتح» ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، مرفقًا بمسؤول مكتب شمال أفريقيا بدائرة العلاقات العربية سامي أبو زهري.

ونشرت الرئاسة الجزائرية، مقطع فيديو وصورًا للقاء الذي جمع بين هنية وعباس؛ وعلقت على ذلك بالقول: «رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون يجمع في لقاء تاريخي على هامش احتفالات ستينية الاستقلال بالجزائر، بين الإخوة الفلسطينيين، رئيس دولة فلسطين محمود عباس والوفد المرافق له، ووفد حركة حماس بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وذلك بعد سنوات طويلة لم يجتمعا فيها حول طاولة واحدة».

اللقاء الذي جمع محمود عباس وهنية بحضور تبون – مصدر الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

وقال رئيس مكتب  العلاقات العربية والإسلامية في حماس خليل الحية،  حول اللقاء: «إن حرص الرئيس الجزائري على جمع القائد إسماعيل هنية مع رئيس السلطة محمود عباس يدلل على حرص الجزائر على الوحدة الفلسطينية ووحدة الأمة العربية بكل مكوناتها». وبالرغم من عدم التعليق رسميًّا من الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح على اللقاء الذي تم، فقد ورد في موقع الحركة خبر يفيد بـ«التحاق الوفد الفلسطيني الذي ضم قيادات من فتح وحماس بالجلسة التي جمعت الرئيس الجزائري مع الرئيس الفلسطيني» دون أي إشارة إلى المصالحة وإنهاء الانقسام!

فيما علَّق منير الجاغوب المسؤول في مفوضية حركة «فتح» على صفحته على منصة «فيسبوك» قصة هذه الصورة بأنه: «بعد انتهاء لقاء الرئيس محمود عباس مع الرئيس الجزائري دخل الوفد الفلسطيني المرافق للرئيس عباس ومعهم إسماعيل هنية وتم التقاط الصورة»!

جهود جزائرية متواصلة لتقريب وجهات النظر الفلسطينية

كان الرئيس الجزائري قد أعلن، خلال استقباله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021، اعتزام الجزائر تنظيم ندوة جامعة للفصائل الفلسطينية، وقدم دعمًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، قيمته 100 مليون دولار في إطار مساهمة سنوية توفرها الجزائر للمنظمة، ومنذ هذا الإعلان جمعت لقاءات ثنائية السلطات الجزائرية بممثلين عن مختلف التنظيمات في فلسطين.

عبد المجيد تبون

عبد المجيد تبون

وبالعودة إلى الوراء، فإن للجزائر تاريخًا في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الفلسطينيين، ففي أبريل (نيسان) 1987 انتظم مجلس وطني استثنائي لمنظمة التحرير الفلسطيني أطلق عليه «دورة الوحدة الوطنية»، ولم يكن على جدول أعمال المجلس سوى بند «إعادة توحيد صفوف المنظمة».

وفي 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات من العاصمة الجزائرية التي احتضنت الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني استقلال دولة فلسطين. وكانت الجزائر من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ويعود افتتاح مكتب المنظمة بالجزائر إلى سنة 1965 كما لعدد من الفصائل الفلسطينية مكاتب تنشط في الجزائر بما في ذلك حركة حماس التي افتتحت مكتبها التمثيلي بالجزائر سنة 2016.

الوساطة الجزائرية.. لماذا؟

وبالإضافة إلى موقف الدبلوماسية الجزائرية الثابت في دعم القضية الفلسطينية، والمجهودات التاريخية في دفع الفرقاء الفلسطينيين نحو المصالحة، تسعى الجزائر منذ وصول عبد المجيد تبون إلى الحكم سنة 2019 إلى تبوُّء موقع إقليمي متقدم. وظهر ذلك من خلال محاولة التأثير في مختلف الملفات في المنطقة انطلاقًا من أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، مرورًا بتبني حوار حول الأزمة الليبية، وصولًا الى التعبير عن نوايا دعم تونس من أجل تجاوز أزمتها والعودة إلى طريق الديمقراطية، ويمكن أن تبوَّب محاولات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في هذا الإطار.

أيضًا تسعى الجزائر إلى أن تكون ورقة المصالحة الفلسطينية، في حال تحققها، ضمن مخرجات قمة جامعة الدول العربية التي ستحتضنها خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، إذ صرح الرئيس الجزائري في وقت سابق بأن القضية الفلسطينية ستكون في مقدمة جدول أعمال القمة العربية في الجزائر.

وتريد الجزائر من خلال هذا الدور أيضًا، أن توجه رسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي، مفادها بأنها عبر دعم الفصائل الفلسطينية والدفع نحو تجاوز الخلافات بينها، قادرة على مواجهة مخاطر ما أعلنه من اتفاقيات عسكرية وأمنية مع المغرب في نوفمبر 2021، والتي قالت سابقًا على لسان رئيس مجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل: «إنها (الجزائر) المقصودة بها وأنها (الاتفاقية العسكرية والأمنية) تمس أمنها القومي».

الاحتلال الإسرائيلي

منذ سنة واحدة
اللعب على الحافة.. لماذا يُعمِّق المغرب علاقاته العسكرية مع إسرائيل؟

أيضًا في ما تقوم به الجزائر من مساعي نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني رسالة إلى الأطراف العربية المهرولة نحو التطبيع مع دولة الاحتلال مفادها بأن الحل يكمن في تقوية الصف الفلسطيني لا في التطبيع مع المحتل.

وفي هذا الصدد يقول الباحث في العلاقات الدولية في جامعة «تونس المنار» والمختص في الشأن الفلسطيني أيمن اليزيدي، لـ«ساسة بوست»: «الجزائر فهمت أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لا ترضى بأن يكون في المنطقة دول عربية قوية ومستقرة، ولذلك سعت في ضرب وحدة العرب من خلال اتفاقيات التطبيع (اتفاق أبراهام)» ويتابع اليزيدي بأن «الجزائر التي تريد العودة الى لعب أدوار متقدمة إقليميًّا وعربيًّا؛ وفي هذا الإطار تصر على تحقيق نتائج إيجابية في ملف الانقسام الفلسطيني مرتكزة في ذلك على علاقتها الجيدة بين الفرقاء الفلسطينيين وتاريخها في إنجاح مبادرات مماثلة».

ما التحديات التي تواجه الدور الجزائري؟

يواجه الدور الجزائري تحديات عديدة تحول دون تحقيق أهدافه بالسرعة المطلوبة، ولعل أهم هذه التحديات حجم الخلاف بين الفصائل الفلسطينية، ومدى استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية من أجل تحقيق المصالحة بالإضافة إلى ما قد يمثله هذا الدور من منافسة مع دول أخرى على غرار مصر وقطر.

وفي هذا الصدد يقول الباحث أيمن اليزيدي لـ«ساسة بوست»: «رغم ما تعلنه الفصائل الفلسطينية من استعدادات للتنازل فإن الواقع يثبت عكس ذلك»، ويشير إلى أن الجلسات الأولى التي جمعت السلطات الجزائرية بمختلف الفصائل الفلسطينية كشفت عن خلافات عميقة بين الفصائل وتشبث كل طرف بمواقفه، خاصة في علاقته بالحكومة وبرنامجها، والانتخابات وإعادة هيكلة منظمة التحرير، وإعمار القطاع ومسائل أخرى».

وأشار اليزيدي إلى تحد آخر يتمثل في ما قد يطرأ من تشويش على الجهد الجزائري من قبل دول ترى في نفسها المكلفة حصريًّا بإدارة الخلاف بين الفلسطينيين وخاصة مصر؛ قائلًا في هذا الصدد: «من المهم الانتباه أيضًا إلى ما يمكن أن يحصل من تحريض وتشويش على المبادرة الجزائرية من قبل دول عربية مؤثرة في الفصائل الفلسطينية وأساسًا مصر التي ترى في نفسها المسؤولة الأولى عن الحوار بين الفلسطينيين».

هل تتحقق المصالحة ويتوحد شمل الفرقاء الفلسطينيين؟

تراوحت المواقف الفلسطينية من اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري بنظيره الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية  بين الترحيب والتجاهل، وفي قراءة لدلالات صورة اللقاء – وإن يظهر الاتفاق على وجود نية جزائرية جدية في المساهمة في إنهاء الانقسام الفلسطيني- فلا يمكن غض الطرف عن وجود خلاف حول مدى قدرة الجزائر على تحقيق المصالحة المرجوة.

محمود عباس

في هذا الصدد صرح عضو مكتب العلاقات الخارجية بحركة «مجتمع السلم» الجزائرية محمد وعراب لـ«ساسة بوست» بأنه «يمكن للجزائر أن تلعب دورًا متقدمًا جدًّا في الملف الفلسطيني سواء عن طريق دعم صمود الشعب الفلسطيني وتأدية واجباتها الكلاسيكية تجاه القضية كما تفعل منذ عشرات السنوات، أو بشكل آخر من خلال محاولة التقريب بين مختلف الفصائل الفلسطينية. على رأسها فتح وحماس».

ويضيف وعراب: «الدولة الجزائرية على لسان رئيسها عبد المجيد تبون كانت قد أعلنت قبل فترة، استعدادها لتنظيم طاولة مستديرة ومحاولة للم شمل الفصائل، ويبدو أنها خطت خطوة كبيرة جدًّا من خلال استضافة وفد رفيع المستوى من حماس يقوده رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية لحضور احتفالية الذكرى الستين لاستقلال الجزائر ثم جمعه مع الرئيس عباس بحضور الرئيس تبون في صورة تاريخية».

ويقول محمد وعراب «أعتقد أن الجزائر مؤهلة جدًّا للعب أدوار متقدمة بداية من التقريب بين وجهات النظر ومنه إلى ما يمكن أن يدعم – فعليًّا – حل القضية الفلسطينية».

في المقابل يرى الباحث المختص في الشأن الفلسطيني من  جامعة تونس المنار، أيمن اليزيدي، أنه «رغم ما تتمناه مختلف الأطراف التي تريد إنهاء الانقسام الفلسطيني إلى تحقق ذلك قريبًا فإن ما حصل في الجزائر لا يتعدى الصورة التي استفاد منها الرئيس الجزائري دون أن يكون لها آثار واقعية في مواقف الفصائل الفلسطينية».

عربي

منذ سنة واحدة
«ثورة دبلوماسية».. هل ينجح تبون في وضع الجزائر بمواقع الريادة الخارجية؟

ويضيف اليزيدي «ليس أدل ذلك التجاهل الذي لحق نشر الصورة للعموم من قبل فتح وحماس وعدم الاحتفاء بها إعلاميًّا من الجانبين، لذا وإن بدت الصورة التي جمعت محمود عباس وإسماعيل هنية جميلة، تسر نظر التائقين إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني المتواصل منذ سنة 2007، فإن حجم الخلافات بين الفرقاء يستوجب نية صادقة من قبل القائمين بدور الوساطة، وهو ما يبدو أنه متوفر في الجانب الجزائري، ولكن يستوجب أساسًا استعدادًا من قبل الفرقاء لتقديم تنازلات كبيرة للوصول لهدف المصالحة ويبدو أن هذه الاستعدادات مفقودة في اللحظة الراهنة»، فهل تستطيع الجزائر توحيد الفرقاء الفلسطينيين؟ أم أن محاولتها ستنضم إلى سجل المحاولات العربية السابقة التي لم تُكلل بالنجاح؟

المصادر

تحميل المزيد