ربما رأيت بعض الحِكَم المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي منسوبة إلى بوذا، والتي تتحدث فى معظمها عن السلام والإيجابية، وربما سمعت أن هناك ديانة تسمى بـ«البوذية» تنتشر في آسيا، لكن على الرغم من تلك الحِكَم التي يحتفي بها رواد «السوشيال ميديا» العرب فإن البوذية ما زالت ديانة غير واضحة المعالم بالنسبة للثقافة العربية، لذا فإن رحلتنا اليوم، ستكون محاولة لمعرفة هذه الديانة الآسيوية، التي لم تنشأ بالأساس لكي تكون ديانة، ولم يكن لمؤسسها جوتاما بوذا يد أو رغبة في ذلك.
فلسفة بوذا الأخلاقية.. ميلاد المواطن الكوني
أقام بوذا فلسفته الأخلاقية على أربع حقائق أساسية هي: الأولى هي أن هذا العام مليء بالألم وأن الحياة معاناة، والثانية أن أسباب المعاناة متعددة مثل الشهوة والرغبة، والحقيقة الثالثة مرتبطة بإيمانه بقانون الشرطية، فالمعاناة يمكن التخلص منها بالتخلص من أسبابها أو شروط وجودها مثل إماتة الشهوات والرغبات.
أما الرابعة والأخيرة فتكمن في استخدام ما عرفه بوذا بالطريق الثماني؛ وهو طريق يحتوي على ثمانية موضوعات رئيسة تتمثل في الإيمان الصادق، وعمل الخير واجتناب الشر، وحفظ اللسان من الكذب والنميمة، والتفاني فى العمل، والإحسان إلى الناس، وتأمل الحكمة بصدق، وإنكار الذات، وأخيرًا حب الآخرين والشفقة عليهم.
كان بوذا يؤمن بالأخوة الشاملة وبوجود رباط مشترك بين كل أبناء الجنس البشري، لذلك كان يعد داعيًا للسلام والأخوة الإنسانية، وقد امتد هذا التأثير إلى المدرسة الرواقية –فلسفة يونانية قديمة – في دعوتها إلى المساواة والإخاء بين البشر، وكذلك أثرت دعوة بوذا الخاصة بالإخوة الإنسانية في فيلسوف حديث هو الفيلسوف الألماني كانط في مقالته «مشروع السلام الدائم».
لكن على الجانب الآخر، لم تحترم البوذية، التي كانت وليدة المجتمع الهندوسي، المرأة بل نظرت إليها نظرة دونية، تمامًا مثل نظرة الهندوسية إلى النساء، فتَعُدُّ المرأة سبب شقاء الإنسان، حتى إن بوذا قد وصفها بـ«التمساح الشرس».
وعليه يمكن حصر النقد الموجه للبوذية من جهة بعض الدارسين في كونها أخلاق متشائمة قائمة على المعاناة، كما أن الأخلاق الحسنة عند بوذا تقوم على النية فقط، وهي لا تكفى وحدها للفعل الأخلاقي، والأخلاق البوذية أخلاق لادينية أي تخلو من فكرة الثواب والعقاب فلا يوجد سوى «التناسخ الدائم».
وهي تنكر الحق الأول للإنسان وهو حق الحياة في دعوتها للخلاص بالموت، كما ترفض البوذية الزواج؛ لأن البوذي الحق يجب أن يتحول إلى راهب بوذي، وربما قد يفسر هذا تحول دول تنتشر فيها البوذية مثل اليابان إلى دولة عجوز تقل فيها معدلات الزواج، وبالتبعية معدلات الإنجاب أيضًا، وأخيرًا وللمفارقة فقد أقام البوذيون من بعد بوذا نظامًا طبقيًّا يقسم المجتمع إلى كهنة وكاهنات وبوذيين عوام وبوذيات، وبالطبع كان للمرأة المنزلة الأدنى في هذه التقسيمات سواءً كانت كاهنة أم بوذية عادية.
متحرر من شرور الأرض.. من هو بوذا؟
ولد جوتاما بوذا في عام 563 ق. م في بلدة لومبينى الواقعة حاليًا في جنوب جمهورية نيبال، وهو ابن لملك محلي من عشيرة هندية ذات أصل نبيل تسمى «سكياس»، وقد عرف بلقب «سيدهارت»، ويعني (كل أمانيك مجابة) باللغة السنسكريتية، كما عُرف بلقب «حكيم سكياس» (سكياموني) وكلمة بوذا ليست اسمًا لشخص، ولكنها في الأصل صفة تعني المستنير المتحرر من شرور الكون الأرضي وشرور الجهل وشرور تكرار المولد (تناسخ الأرواح)، أما كلمة «جوتاما» فتعني الراهب، ذلك لأنه تتلمذ على يد راهبين من البراهمة.
تمثال صغير لبوذا
عاش بوذا عيشة مرفهة في قصر والده، وعندما بلغ التاسعة من عمره سمح له والده بالخروج من القصر للمرة الأولى للاحتفال بعيد الزراعة السنوي، مما سمح له بمشاهدة معاناة الفلاحين في العمل، وكان لهذه الواقعة البسيطة دلالة محورية في تطور فكر بوذا، فقد دفعته للسؤال حول أسباب الألم والمعاناة في الحياة وكيفية التخلص منها.
وعلى عادة أهل البلاد تزوج في سن صغيرة من أميرة كانت ابنة ملك مجاور وسرعان ما أنجبت له ولدًا سماه (لاهورا)، لكنه في سن التاسعة والعشرين تخلى عن نمط حياته المرفه وتوجه نحو غابات الهملايا، وقد خلع عنه كل مجوهراته الثمينة وسلمها مع سيفه وحصانه إلى قائد عربته – حسب التقليد البوذي – ليحيا حياة تأمل وتقشف في أحد الكهوف، وبعد سبع سنوات من إهمال الطعام والملاذ والتقشف الشديد، اكتشف بوذا أن الطريق الموصل إلى الروح لا يمكن أن يكون عبر هلاك الروح بإهلاك الجسد؛ وعليه فقد هجر حياة التقشف.
وبعد فترة من التأمل قضاها بوذا تحت شجرة تين عملاقة، يفكر في جذور المعاناة البشرية إلى أن توصل أن مصدرها يعود إلى الولادة المتكررة (تناسخ الأرواح)، وفيما بعد سُمِّيت تلك الشجرة بـ«الشجرة المقدسة»، فحسب الاعتقاد البوذي فإن بوذا سمع تحتها صوتًا داخليًّا يحدثه بكل جلاء وقوة قائلًا: «ابحث عن الحق والحقيقة».
وبعد هذا التأمل تأكد بوذا أن أفضل الطرق لخلاص الروح هو الطريق الأوسط بين الانغماس في الملذات والتقشف البالغ، وفي تلك اللحظة الاستثنائية تحول من الأمير «جوتاما سد هارت» إلى «بوذا المستنير المتحرر من الشرور» ليعيش بعد ذلك 45 عامًا وهو ينشر أفكاره الخاصة بالطريق الأوسط بين أتباعه والمحيطين به حتى توفي عام 470 ق.م، في سن الثمانين بعد صراع قصير مع المرض.
بوذا.. لم يؤسس ديانة وأراد تخليص العالم من التراتبية
البوذية كما نعرفها اليوم بدأت برحيل بوذا، فبعد وفاته بسبعة أيام في مدينة «كازيا» جرى إحراق جثته وأقيم احتفال بهذه المناسبة، على عادة أهل البلاد حال وفاة الملك، وقسمت رفاته بالتساوي على ثماني ممالك هندية آنذاك لتقوم المملكة ببناء ضريح لتخليد ذكرى بوذا، وكذلك صنعوا له تماثيل من الذهب الخالص وشرعوا في عبادته، وفي تلك اللحظة تحديدًا تحول بوذا من فيلسوف إلى إله.
وللمفارقة فإن بوذا نفسه لم يتحدث في حياته أو في تعاليمه عن الآلهة أو حتى الإيمان بإله واحد، فقد اهتم بالنواحي الأخلاقية في حياة البشر وبالمبادئ السامية أكثر من اهتمامه بالنواحي الدينية أو بالطقوس، مما دفع الكثيرين للقول بأن بوذا كان «ملحدًا».
ولم تتعرض البوذية، بوصفها فلسفة أخلاقية في بدايتها لفكرة الألوهية بإثبات أو نفي وربما تحاشى بوذا الحديث عن الإلهيات، وما وراء الطبيعة لإيمانه بأن خلاص الإنسان متوقف على الإنسان نفسه وليس على الإله، مثلما آمن بأن الإنسان هو صانع مصيره.
فالسؤال عن أبدية العالم أو وجود الله لا قيمة له في نظر بوذا فقد شبَّههُ بمن يصنع السلَّم وهو لا يدرى ما الذي يصعد إليه، إلا أن أتباعه كان لهم رأي مختلف بعد وفاته، فبينما ترك بوذا الخوض في المسائل اللاهوتية وما وراء الطبيعة، اعتقد بعض أتباعه أن روح الإله قد حلت في بوذا، فأصبح فى جانبٍ منه إنسانًا من حيث تكوينه المادي وفي الجانب الآخر إلهًا، بينما اعتقد البعض الآخر في كونه إلهًا هبط إلى العالم الأرضي لكى ينقذه مما فيه من شرورٍ ومآسٍ، فهو لم يتحدث عن الله لأنه – بالنسبة إليهم – هو الله نفسه.
الثورة البوذية على الهندوسية
كان بوذا رافضًا لتقسيم المجتمع طبقيًّا كما نظمته تعاليم الهندوسية، مما دفعه لرفض الألوهية نفسها، فإذا كان البراهمة يقولون إن الإله خلق العالم على هذا الشكل التراتبي؛ فإن بوذا قال بعدم وجود خالق للعالم أصلًا، وأن هذا العالم سيبقى إلى الأبد ولن ينتهي أبدًا، فكل ما ليس له نهاية ليس له بداية.
كانت هذه التعاليم هي الصدمة للرهبان البراهمة، وخاصةً أولئك الذين تتلمذ بوذا على أيديهم في بداية حياته الروحية، ولم تعجب تعاليمه أيضًا حكام الممالك الهندية الذين كونوا تحالفاتٍ مع البراهمة، وقدموا الدعم والأموال والأوقاف (أراضٍ- حقول- قرى بأكملها) للمعابد الهندوسية، وربما يفسر هذا عدم انتشار البوذية في الهند بالقوة الهندوسية نفسها.
بينما انتشرت في بلاد مثل اليابان والصين اللتين أصبحتا مركزين كبيرين للبوذية، ففى اليابان تعددت أشكال البوذية من بوذية الزن وغيرها من المدارس، وفي الصين توجد هضبة التبت التي تحتوي على أكبر تجمع رهبان بوذيين في الصين، يرأسهم الدالاي لاما الرابع عشر المقيم في منفاه الهندي مطالبًا باستقلال التبت عن باقي الصين لإقامة دويلة رهبانية بوذية.
وكذلك انتشرت البوذية في تايلاند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وميانمار وكوريا الشمالية، ومملكة بوتان وأخيرًا فيتنام ومنغوليا، ليصل عدد أتباعها حاليًا إلى 535 مليون بوذي تقريبًا، وفي كل تلك البلاد تبدو الهند وكأنها بعيدة عن المشهد البوذي رغم كونها موطن بوذا الأصلي.
«سمسارا».. أو قانون الوجود الأكبر
مثل الهندوسية يؤمن البوذيون بتناسخ الأرواح، ولكن لأن بوذا يرفض العذاب الدائم والشقاء اللانهائي المتمثل في فكرة تناسخ الأرواح، فقد اعتقد بأن عودة الإنسان أكثر من مرة في أكثر من شكل لهذه الحياة – دورة الكارما – هو شقاء أبدي يجب على الإنسان أن يتخلص منه، ولذلك عليه أن يحقق غايته في الحياة ويصل إلى السمو الروحي حتى لا يكون في حاجة للتناسخ الروحي، والعودة مرة أخرى.
وتعني فكرة «تناسخ الأرواح» أو «الكارما» أنه كلما كنت إنسانًا صالحًا، فإنك حين تموت تتناسخ روحك في جسد شخص طيب حتى تتخلص من كافة الشرور العالقة بها، ثم تتخلص من التناسخ برمته وتتحد بالخالق، فبينما رفض بوذا الحديث في الألوهية معتقدًا أنها تسبب المشكلات والصراعات، رفع أتباعه فلسفته إلى مستوى الدين وجعلوا منه هو شخصيًّا إلهًا.
أما القضاء الحتمي أو الكارما فيعنى قانون العلية أو السببية، أى أن كل فعل لا بد له من رد فعل، وهذا القانون لا ينطبق على الطبيعة فقط، بل على أفعال الإنسان أيضًا، وهو بالنسبة لبوذا قانون يشمل الجميع ويعمل من تلقاء نفسه، وذلك نظرًا إلى عدم إيمان البوذية بإله خالق؛ فليس هناك ثواب وعقاب بقدر ما هو ارتباط العلة بالمعلول؛ فالبذرة سبب وجود الثمرة والثمرة نتيجة وجود البذرة.
وعملية الكارما أو القضاء الحتمي تلك يمكن مقارنتها بالحساب الجاري في البنك، فحين يكرم الإنسان غيره أو يضحي من أجل الآخرين وحين يساعدهم أو يتصف بالخلق الحسن، يكون مثل الذى يضيف رصيدًا إلى حسابه أو «قضائه الحتمي».
بوذا وقانون الشرطية
يرى بوذا أن العلة تتصل بالمعلول، بمعنى أن كل فعل مشروط بفعلٍ آخر، فظهور العقل مشروط بالوعي وظهور الأمراض والشيخوخة مشروط بالولادة الجديدة، وقد رأى أن شرط الخلاص يكمن في إزالة الأنا وذوبان الفردية، بمعنى إذا كنت تريد أن تصل لسموك الروحي حتى تتخلص من دورة الكارما ولا تعود روحك إلى الأرض مرةً أخرى في شكل حياة مختلف – شجرة أو حيوان – فعليك أن تتخلص من رغباتك الفردية وتنظر إلى العالم ككل، وتهتم بالآخرين واحتياجاتهم كما تهتم بنفسك، وتدرك أن الفرد ليس مركز الكون ولكن المجموع أو المجتمع كاملًا، فحتى يتخلص الإنسان من تناسخ روحه، عليه أن يتخلص من الأنا أي أنانيته وفرديته.
وعليه فقد قال إن قانون الشرطية هو الطريق الصحيح لمعرفة الكون، فكل شيء مشروط ونسبي، فليس هناك وجود لما يسمى بالوجود الثابت الذي لا يتغير أو ما نعده نفسًا وروحًا خالدة، فبالنسبة إلى بوذا ليس هناك سوى القضاء الحتمي (الكارما)، وحينما تنتهي المعاناة بجميع حلقاتها يصل الإنسان إلى الخلاص (النيرفانا).
لعلك قرأت مصطلح النيرفانا في قصائد الشعراء ليوحي لك بأنه وصول المرء إلى النشوة، أو الاندماج الكامل، بينما النيرفانا في أصلها مفهوم بوذي معني بالخلاص والإنقاذ من القضاء الحتمي وعدم الاضطرار للولادة المتكررة، والنيرفانا في اللغة السنسكريتية تعني «منطفئ» مثلما ينطفئ المصباح أو تنطفئ النار، أي انطفاء نار الشهوة والرغبة، وهي عند بوذا مشروطة بتلاشى الأنا.
فبوذا الذى كان يكره الكارما وتناسخ الأرواح، رأى في النيرفانا تحريرًا للفرد من عودته إلى الحياة، وقد توحي النيرفانا بأنها حالة إيجابية كاملة، أو الراحة والهدوء التامين، حين لا يكون البوذي مضطرًّا للتفكير في الولادة الثانية له، غير أن النيرفانا لها جانب سلبي أيضًا، ففي تلاشي الفردية وذوبانها بهذا الشكل حرمان للإنسان مما يجعله إنسانًا، فنحن وإن كنا نقاوم الرغبات والشهوة فإننا لا يمكننا إنكارها بالكلية، وإنما علينا تنظيم الحصول عليها بطرق مشروعة.
ما وضع البوذية في آسيا الآن؟
رغم أن وجود البوذية في آسيا يعود إلى أكثر من 2500 عام، فإن كل بلد في آسيا تعاملت تعاملًا مختلفًا مع تلك الديانة، وخاصةً فيما يتعلق بعلاقتها بالسياسة، فمثلًا في ميانمار تستطيع أن تجد للبوذيين مكانةً لا يمكن تجاهلها في الأحداث السياسية، إذ يوجد الراهب لآشين ويراثو الذي لقبه الإعلام بـ«بن لادن البوذي» نظرًا إلى مهاجمته للأقلية المسلمة في البلد، ويطلق على المساجد صفة «قواعد للعدو»، ويصف المسلمين بأنهم «كلاب مجنونة» ويتهمهم بخطف واغتصاب النساء البورميات و«التكاثر بسرعة فائقة».
وبسبب السطوة السياسية للبوذية في هذا البلد اضطرت السلطات أن تمنح الراهب «لآشين ويراثو» الحماية والرعاية، ولكن بعد العديد من التصريحات المثيرة للجدل اضطرت السلطات في ميانمار عام 2019 أن تجري تحقيقًا معه وتتهمه بنشر الفتنة.
فعلى الرغم من أن البوذية ليست دينًا رسميًّا في ميانمار، فإن المجتمع هناك متأثر بها تأثرًا شديدًا، وما يقرب من 90% من سكان البلد ملتزمون بتعاليمها، ولقرونٍ طويلة كانت الأديرة البوذية تحت رعاية الدولة، ولكن هذا تغير في القرن التاسع عشر أثناء الاحتلال البريطاني للبلد، إلا أنه ما زلت البوذية حتى الآن تحظى بمكانة مهمة في البلد ويتمتع رهبانها الذين يصل عددهم إلى نحو نصف مليون راهب بمكانة اجتماعية مرموقة قد تصل إلى التبجيل.
وعلى عكس ميانمار، لا تجد هذا الوجود البوذي على الساحة السياسية في بلدان مثل اليابان وسنغافورة، ومع ذلك تجد للبوذية فيهما مكانة اجتماعية، لكن خلال الشهر الماضي قام الشعب الياباني بوضع كمامة كبيرة الحجم على وجه تمثال بوذي عملاق؛ أملًا في انتهاء جائحة كورونا.
تماثيل بوذا في تايلاند
أما في شبه جزيرة الهند الصينية فقد استطاعت الأنظمة الاشتراكية السيطرة على الرهبان البوذيين سعيًا للقضاء على أي فرصة للحراك السياسي ضدها، بينما نجد البوذيين يتعرضون للاضطهاد في الصين، على الرغم من أن الصين رحبت بالبوذية وتبنتها في الماضي.
إذ تشير السجلات التاريخية إلى أن الإمبراطور هان مينج دي، من أسرة هان الشرقية (25-220م) أرسل مبعوثين في عام 64 ميلاديًّا إلى الهند؛ لاستكشاف العقيدة البوذية التي كانت منتشرةً هناك آنذاك، وبعد ثلاث سنوات قضاها مندوبو الإمبراطور في أرجاء الهند، عادوا إلى الصين حاملين تعاليم البوذية وتماثيل بوذا، ووقتها أصدر الإمبراطور هانج مينج أمرًا ببناء معبد بايما البوذي.
وفي تايلاند يعتنق ما يزيد على 90% من المواطنين الديانة البوذية، والتي تعد تماثيلها ومعابدها عامل جذب سياحي، وجدير بالذكر أنه أُثبتت على بعض من رهبان البوذية قضايا فساد، ففي عام 2017 وجهت شرطة «مكافحة الكسب غير المشروع» في تايلاند اتهامات لأربعة رهبان كبار، بسبب تورطهم في فضيحة اختلاس أموال حكومية لمصلحة معابد يديرونها وسط البلاد.
ويعاني اقتصاد تايلاند الذي يعتمد على السياحة الدينية من تبعات كارثية لجائحة كورونا التي أثرت سلبًا في حركة الطيران والسياحة؛ إذ يعمل 7 ملايين عامل في قطاع السياحة الدينية، وتعد الديانة البوذية ومعالمها السياحية من أهم مصادر الدخل لتايلاند، ففي عام 2019 وحده استقبلت تايلاند 40 مليون سائح، وهو ما ضخ ما يقرب من 60 مليار دولار في اقتصاد البلاد، ولكن تلك المبالغ قد حُرم منها الاقتصاد التايلاندي بسبب جائحة كورونا.
وذكر المركز الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في تايلاند، أن الأمر يمكن أن يستغرق خمس سنوات أخرى قبل انتعاش السياحة بالكامل في تايلاند، وهي علامة منذرة بالسوء لأكثر اقتصاد معتمد على السياحة في العالم.
في المحصلة، ربما لم يقصد بوذا أن ينشئ دينًا يحمل اسمه، ولا أن تكون له تماثيل ذهبية ضخمة ولا حتى المعابد التي تُبنى له في أماكن متعددة، وإنما قصد أن يكون فيلسوفًا أخلاقيًّا يهتم بالأخلاق الإنسانية وتقويمها، وهو بكل تأكيد شأنه شأن المؤسسين الكبار للمذاهب، لم يخطر في باله ما ستؤول إليه دعوته الأخلاقية، إلا أنه بلا شك يعد أول فيلسوف أخلاقي هندي – فيما نعرف – كما أنه يعد رمزًا من رموز الإنسانية وخطوة مهمة في مسيرة الإنجاز الحضاري البشري الطويل على هذه الأرض.