مراسم زفاف كاملة، وضيوف ينتظرون في مكان الحفل بفضول لرؤية العريس والعروس؛ هم مجموعة من الأصدقاء والزملاء والأقارب، وهذا مشهد معتاد ليس به أي شيء غريب، ولكن الغريب في هذه المرة أنه ليس هناك عريس، عروس فقط والعكس بالعكس.

تلك العروس وقعت في غرام نفسها، وقررت أن تعيش حياتها بمفردها، تلك المرأة لا تقول إنها يائسة أو مكتئبة، بل تقول إنها تحب نفسها وكأنها طرف آخر، وتشعر بالانجذاب النفسي الذي يشعر به المرء تجاه الآخرين؛ تجاه نفسها، وهذا الإنسان يطلق على نفسه عادة «ذاتي الجنس»

تلك ليست قصة خيالية، هذا حدث بالفعل في أكثر من بلد غربية، وهذا التوجه الجديد بدأ في الانتشار في السنوات العشر الأخيرة حول العالم، وأُطلق عليه مصطلح الأوتوسيكشوال/«Autosexual» أو ذاتي الجنس، والذي ترتب عليه ظهور مصطلح جديد يطلق عليه «sologamy» يصف الرجال والنساء الذين يختارون الزواج من أنفسهم. فهل هذا تطور للاكتئاب أم توجه جنسي جديد؟ هذا ما سنحاول اكتشافه في تقرير اليوم.

عندما يقع المرء في غرام جسده

العثور على شريك حياة تشعر معه بالراحة والحب والأمان؛ ليس بالأمر السهل، وعلى الرغم من أن هناك البعض الذين قد لا يربطون ممارسة الجنس بالمشاعر العاطفية، إلا أن النسبة الأكبر من البشر يعتبرون الجنس هو أحد وسائل التعبير عن الحب، ولذلك إذا لم يكن الإنسان لديه القدرة على الانجذاب للآخرين سواء عاطفيًا أو جنسيًا، كيف سيكون شكل حياته، وكيف يشبع رغباته الجسدية والنفسية؟

في عام 1989 نُشرت دراسة أمريكية بعنوان «تأخر القذف: الأمر الذي يساء فهمه كثيرًا» في تلك الدراسة ذُكر للمرة الأولى مصطلح ذاتي الجنس، ولكنه كان يصف الأشخاص الذي يجدون صعوبة في الشعور بالإثارة تجاه الآخرين من أي جنس، ولذلك يصعب عليهم الوصول لهزة الجماع أو القذف أثناء ممارسة الجنس مع طرف آخر، بينما يسهل عليهم الوصول لتلك النشوة أثناء الاستمناء بمفردهم. ولكن مع الوقت أصبح هذا المصطلح – أوتوسيشكوال- يصف الأفراد الذين ينجذبون جنسيًا لأنفسهم، ويشعرهم جسدهم بالإثارة وكأنه جسد شخص آخر.

«كلما نظرت في المرآة ورأيت جسدي العاري؛ أشعر بإثارة جنسية تجتاحني وإذا لمست جسدي ومررت بيدي عليه تزيد تلك الإثارة التي عادة ما يشعر بها الفرد مع شخص آخر»؛ كان هذا تصريح واحدة من النساء اللاتي تصف نفسها على كونها ذاتية الجنس في شهادة نشرتها على موقع بي بي سي.

ولكن الشخص الذي يندرج تحت تصنيف ذاتي الجنس، لا تعتمد المتعة الجنسية لديه في الاستمناء على مشاهدة الأفلام الإباحية كالمعتاد، فهذا يتطلب منهم الشعور بالإثارة تجاه الآخرين، وهو الذي لا يتحقق معهم بسهولة، ولذلك طقوس الاستمناء لدى ذاتي الجنس تتطلب منه إما تخيل نفسه، أو الوقوف أمام المرآة عاريًا، أو تخزين صور ومقاطع مصورة لنفسه في وضعيات مثيرة حتى يستخدمها فيما بعد للاستمناء والشعور بالإثارة الجنسية.

في شهادة أخرى على موقع ميديام تقول جيا فيتالي عن علاقتها بنفسها والتي وصفتها بكونها «أوتورومانيتك» وليس أوتو سيشكوال فقط، بمعنى أنها تعيش علاقة عاطفية وجنسية كاملة مع نفسها: «أحب أن أذهب بنفسي لتناول القهوة كأي موعد غرامي، وعندما أعود إلى المنزل أشعل بعض الشموع وأرتدي الملابس المثيرة وأحتضن نفسي أو أجلس بمفردي في الظلام استمتع بحضوري».

ووضحت جيا في شهادتها أنها أحيانًا ترقص رقصات مثيرة لنفسها أمام المرأة، موضحة أن ممارسة الجنس مع نفسها ليست في كل مرة تكون مرتبة، بل أحيانًا تكون هناك لحظة عادية أثناء ارتداها للملابس، أو وضعها لبعض المرطبات؛ تتحول إلى لحظة حسية مثيرة من ملامستها لنفسها.

هل يمكن للاكتئاب أن يدفعك لحب ذاتك؟

قد يظن البعض أن الاكتئاب عندما يصيب أحدًا يجعله عابس الوجه دائمًا، ولا يستطيع أن يبتسم أو يضحك، هذا ليس حقيقيًّا؛ فالاكتئاب له أوجه كثيرة، والشعور باليأس من العثور على شريك حياة مناسب؛ من أهم الأسباب التي قد تدفع المرء للوقوع في فخ الاكتئاب.

 وما أثبته علم النفس على مدار عقود من النظريات المنشورة والدراسات أيضًا؛ أن العقل اللاواعي للإنسان لديه قدرات قوية على خلق ميكانيزمات دفاع في محاولة التغلب على هذا الاكتئاب ومنحه وجهًا آخر غير سلبي، فهل من الممكن أن تكون الذاتية الجنسية وجهًا من أوجه ميكانيزمات الدفاع النفسي، حتى يقنع المرء ذاته أنه ليس في حاجة للآخرين حتى يشعر بالمتعة والسعادة؟

في دراسة نشرت بالعام 2005 حاولت فهم العواقب النفسية وراء الاكتئاب لدى الجنسين، وضعف الانتصاب لدى الرجال؛ على حياتهم وتوجاهتهم الجنسية، هذه الدراسة افترضت أن الأشخاص الذي يختارون أن يكونوا ذاتيي الجنس، أو بمعنى أصح ينعزلون جنسيًا ولا يمارسون سوى الاستمناء دون الحاجة حتى لمشاهدة الأفلام الإباحية؛ أنهم يمرون بحالة من حالات ميكانيزم الدفاع النفسي للشعور بالاكتفاء الذاتي، نظرًا للشعور باليأس من العثور على شريك حياة أو علاقة ناجحة.

ولذلك تقول هذه الدراسة أن الذاتية الجنسية لا تعتبر توجهًا جنسيًّا بالمعنى المعروف للتوجهات الجنسية مثل المثلية الجنسية، بل هي محض تطور نفسي للشعور بالاكتئاب، أو الشعور بالعجز الجسدي بسبب ضعف الانتصاب، ولهذا يختار هؤلاء أن يكونوا شركاء لأنفسهم، ويستغنون عن العالم الخارجي.

تطور طبيعي للنرجسية؟

بعض النظريات التحليلية لهذا التوجه الجنسي في علم النفس، اقترحت أن الذاتية الجنسية ليست سوى تطور من تطورات اضطراب الشخصية النرجسية، وفي هذا الاضطراب بشعر المصاب بإحساس متضخم بأهميته الشخصية، وعدم شعوره بالتعاطف تجاه الآخرين، والشعور بالثقة المفرطة في الذات، والتي تكون مجرد قناع لهشاشة هذا الشخص النفسية وعدم احترامه لذاته، ولذلك يعد أكبر محفز لغضب الشخص النرجسي هو انتقاد أي شخص له أو توجيه اللوم إليه على أي من تصرفاته.

تقول تلك النظريات إن الذاتية الجنسية هي التطور الطبيعي لهذا الاضطراب، حين يرى المرء نفسه هو وحده الأحق بالانجذاب الجنسي، ويرى في نفسه أفضل اختيار يمكن أن يقدمه لذاته، ولكن كانت هناك الآراء المعارضة لهذا الرأي مؤكدين أنه من الصعب أن تكون الذاتية الجنسية تطورًا لاضطراب الشخصية النرجسية لعدة أسباب.

يعتبر أحد أهم هذه الأسباب لصعوبة أن تكون الذاتية الجنسية امتدادًا للنرجسية، أن الشخص المصاب بالنرجسية يتغذى نفسيًا على الآخرين، وشعوره بأهميته يستمده من نظرات الإعجاب والانبهار لدى الآخرين، كما أن الشخصية النرجسية تشعر بالسعادة من خلال الانتصار على الآخرين، خاصة وإن كان هذا الآخر شريكًا في العلاقة، ولذلك الشخص النرجسي قد تجده شخصًا ساحرًا واجتماعيًّا حتى يجذب الآخرين له ليكونوا فريسة لاضطرابه النفسي.

الشخص ذاتي الجنس يشعر بالراحة في اختلائه بنفسه، بينما الشخص النرجسي لا يرى متعة في وجوده مع نفسه، لأن هذا هو الوقت الوحيد الذي يدرك فيه قدره الحقيقي لأن ليس هناك جمهور يدعي أمامه غير حقيقته.

 ولذلك يرى التيار السائد بين الأطباء النفسيين أن الاكتئاب قد يكون التفسير الأقرب لهذا التوجه الجنسي، وظهوره بين النساء بنسبة كبيرة، يؤكد أنه قد يكون تطورًا للاكتئاب نظرًا لما تعانيه المرأة عادة من العثور على شريك حياة يسعى للاستقرار ويبحث عن الحب والعاطفة وليس الجنس فقط، خاصة في المجتمعات الغربية حيث ظهرت تلك الحالات من الذانية الجنسية بين النساء أكثر من الرجال.

تلك الظاهرة أو التوجه الجنسي الجديد أو حتى كما يصفه البعض بالاضطراب النفسي؛ لا يزال جديدًا على علم النفس، ولذلك ما يزال علم النفس يحاول دراسته وتفسيره، خاصة وأنه ينتشر بقوة في المجتمعات الغربية، حتى أن تلك الجماعات قد ابتكرت علمًا لهذا التوجه الجنسي مثل باقي التوجهات الجنسية، وهو العلم الموجود بالصورة الرئيسية لهذا التقرير.

ولكن هناك الكثير لا يعترفون بالذاتية الجنسية على أنها توجه جنسي، ويؤكدون أنها اضطراب نفسي يحتاج صاحبه لعلاج، وحتى الآن لم يجد الأطباء النفسيون نظريات مؤكدة عن هذا التوجه، بينما تنتشر في أنحاء العالم مثل أستراليا وأمريكا وإيطاليا حفلات الزفاف التي ليس بها بها سوى طرف واحد فقط قرر أن يعيش لنفسه فقط دون شريك حياة.

المصادر

تحميل المزيد