عاش سكّان مدينة أيوديا، حيث يوجد مسجد بابري، لحظات تحبس الأنفاس متسمّرين أمام شاشات التلفزيون؛ ليس لمتابعة مباراة ما، أو برنامج تلفزيوني، ولكن لمتابعة حُكم قضائي قد يغير حياتهم للأبد. إذا تجولت في شوارع المدينة السبت الماضي فسيخيّل إليك أنّ عاصفة أو كارثة طبيعيّة ما على وشك أن تضرب المنطقة، بالإضافة إلى الشوارع الفارغة تمامًا من المارّة. عمد سكّان المدينة إلى تخزين الأغذية تحسُبًا لتبعات هذا الحكم القضائي وما قد يُسفر عليه من أحداث عنف محتملة؛ ممّا أعاد إلى أذهانهم تفاصيل مُرعبة حدثت قبل 27 سنة.
الهندوس يحتفلون.. هل كان حُكم المحكمة ذا دوافع دينيّة؟
تعيش الهند على وقع جدل كبير بين الهندوس والمسلمين بعد حُكم المحكمة العليا في القضيّة الشائكة المتعلّقة بمستقبل مسجد بابري التاريخي، والمتنازع عليه بين المسلمين والهندوس في مدينة أيوديا، إذ إنّ الموقع محلّ النزاع كان يضمّ مسجدًا قد بُني منذ حوالي خمسة قرون، بينما يصرّ الجانب الهندوسي على أنّ الموقع كان مقرًا لمعبد هندوسيّ مقدّس، وهو مكان ميلاد الإله رام، وقد أدّى هذا النزاع إلى أحداث دمويّة بعد أن أقدم متطرّفون هندوس على هدم المسجد سنة 1992، لتشتعل بسبب ذلك موجة عنف بين الطائفتيْن راح ضحيّتها ألفي قتيل.
متطرّفون هندوس يهاجمون مسجد بابري
ومؤخّرًا، حكمت المحكمة العُليا بإعطاء الملكيّة للهندوس، فيما يُعوّض المسلمون بقطعة أرضيّة في مكان آخر من نفس المدينة من أجل إعادة بناء المسجد الذي هُدم، وهو القرار الذي أحدث ردود أفعال متباينة بين من يرى أن المحكمة العليا قد انحازت إلى الهندوس، خصوصًا مع وصول حزب رئيس الوزراء مودي «بهارتيا جاناتا» إلى السلطة، والذي يُعرف بخطابه العدائي اتجاه المسلمين.
ويرجع تاريخ بناء المسجد إلى عهد الإمبراطور المسلم ظهير الدين بابر قبل 490 سنة، ومنذ ذلك الحين يؤدّي المسلمون صلاتهم فيه إلى غاية سنة 1949 حين وضع نشطاء هندوس تماثيل للإله رام داخل المسجد، ليتعرّض لحادثة هدم من طرف متطرّفين هندوس سنة 1992 وتشتعل بذلك إحدى أكبر أحداث العنف الدينية دمويّةً بين المسلمين والهندوس خلال السنوات الأخيرة، وقد حيّا رئيس الوزراء الهندي مودي قرار المحكمة العليا واعتبره «حلاًّ وديًّا» لهذه الأزمة التي لطالما كانت مصدر توتّر كبير للعلاقات بين المسلمين والهندوس خلال العقود الماضية.
ليست قضية مسجد بابري فقط.. لماذا كل هذا الخوف عند المسلمين من مودي؟
لا تتعلّق المسألة فقط بقطعة أرضيّة أو مجرّد مسجد ومعبد متنازع عليه بين طرفيْن، بل تحوّل هذا الموقع المتنازع عليه إلى مثال حيّ حول حجم التوتّر الشديد الذي تشهده العلاقات بين الطوائف الهندوسية والمسلمة، خصوصًا منذ وصول رئيس الوزراء مودي وحزبه «بهارتيا جاناتا» إلى السلطة والمخاوف التي صاحبت ذلك من طرف مسلمي الهند بسبب أيديولوجيا الحزب الهندوسية القوميّة.
وحول ردود أفعال رموز المجتمع المسلم في الهند على قرار المحكمة العليا، صرّح أسد الدين عويسي، عضو «مجلس اتحاد المسلمين» الهندي منتقدًا قرار المحكمة العُليا بقوله: «إذا كان مسجد بابري غير قانونيّ، لماذا يُحاكم أدفاني (أحد المتورّطين في عمليّة الهدم) بتهمة هدمه؟»، وأضاف: «إذا هدم أحدهم منزلك، ثم تذهب إلى حَكَم ما وأخبرك بأنّه سيعطي قطعة الأرض إلى الشخص الذي هدم منزلك، بينما تحصل أنت على أرضٍ بديلة لتقيم فيها منزلك، كيف سيكون شعورك؟».
هذا التصريح واحد من عدّة ردود أفعال مختلطة بالنسبة للمجتمع المسلم في الهند، إذ عبّر البعض عن ارتياحهم لقرار المحكمة الذي سينهي حالة التوتّر التي يعيشها المسلمون والهندوس منذ أكثر من عقديْن، فيما عبّر آخرون عن امتعاضهم الشديد من القرار، ورأوا أنّ المحكمة قد أصدرت حُكمها من مُنطلق ديني هندوسيّ، وبالتالي فقد انحازت على أساس الدين إلى طرف من أطراف النزاع.
وقد عبّرت الكثير من الأصوات المسلمة عن تخوّفها من انعكاسات فوز حزب رئيس الوزراء مودي «بهارتيا جاناتا» في الانتخابات التي جرت مايو (أيار) الماضي، خصوصًا بسبب الخطاب العدائي للمسلمين الذي يتبنّاه الكثير من منتسبي الحزب الهندوسي؛ بالإضافة إلى العداء الشديد للاجئين الذين يشكّل المسلمون أغلبيتهم، بالإضافة إلى تركيز حملة الحزب الانتخابيّة على إغلاق المدارس الاسلاميّة؛ وهي كلّها قرارات من شأنها مغازلة الجناح المتطرّف المعادي للمسلمين من القاعدة الانتخابيّة الهندوسيّة، واللعب على وتر التخويف من الأقليّات والحساسيّات الدينيّة في البلد الأكثر تنوّعًا ثقافيًّا ودينيًا في العالم.
بالإضافة إلى هذه الخطابات العدائيّة لحواليْ رُبع مليون مسلم هندي، فقد رشّح حزب مودي إحدى الشخصيات المثيرة للجدل في الانتخابات الماضية، ويتعلّق الأمر بسادفي براجيا سينغ ثاكور المتورّطة في تفجير نفذه متطرّفون هندوس استهدفوا مدينة ذات غالبية مسلمة باستخدام درّاجة نارية سنة 2008؛ ممّا أدى إلى سقوط قتلى.
ليس هذا فحسب، بل إنّ الشخصية المذكورة قد أكّدت أنها «فخورة» لمشاركتها في محاولة هدم مسجد بابري التاريخي سنة 1992. النَفَس العدائي واضح لرئيس الوزراء مودي تجاه المسلمين، فبالإضافة إلى عدم زيارته لأيّ مسجد منذ وصوله للسلطة، ترفض الحكومة الهنديّة ترميم المساجد الأثرية القديمة، بالإضافة إلى سجلّه المتساهل مع شخصيّات متورّطة في أعمال العنف التي طالت المسلمين وعمله على استصدار أحكام مخفّفة في حقّهم.
ولم تقتصر تأثيرات قضيّة مسجد «بابري» على الداخل الهندي فقط، بل سرعان ما تحوّلت إلى قضيّة دولية بعد دخول الجارة باكستان على الخطّ، إذ لم تترك «الجارة العدوّة» باكستان هذه القضيّة تمرّ مرور الكرام فعلّق مكتب الخارجيّة الباكستاني على قرار المحكمة العليا بقوله: إنّ الأقليات الدينية في الهند قد أصبحت مهدّدة، لتردّ الهند على هذه التصريحات بقولها إنّها «غير لائقة»، وقد شهدت الأشهر الأخيرة توترات أمنية شديدة بين باكستان والهند حول منطقة كشمير المتنازع عليها، وهو ما أثار مخاوف قويّة من احتمالية اندلاع حرب نووية، خصوصًا وأن الطرفين يملكان السلاح النووي.