زار نجم الروك الأمريكي بيلي أيدول «قلعة المرجان» في ولاية فلوريدا عام 1986، أعجب بالحديقة ومكوناتها وتلك الكتل الصخرية العملاقة المتناسقة التي تشكل منحوتات ضخمة، كما أحب كثيرًا سيرة العبقري إدوارد ليدسكالنين الذي شيد تلك القلعة وقصته مع بناء هذه التحفة المعمارية والأساطير التي أثيرت حوله ووضعت القلعة في مقارنة مع الأهرامات وبناء ستونهنج، ومتأثرًا بقصة إدوارد قام بيلي أيدول بتسجيل أغنية «Sweet Sixteen» والتي استلهم كلماتها من قصة حب إدوارد، وقام بتصوير الفيديو الموسيقي داخل القلعة أيضًا، وظهر فيه روعة قلعة المرجان والتي سنتعرف عليها أكثر في السطور القادمة.
قلعة الصخور البركانية.. حب ضائع وبناء معماري عبقري
تستقبل الزوار لوحة كبيرة على الباب كتب عليها «سترى أشياء غير عادية في الداخل»، وفي الحقيقة هذا ما ستراه بالفعل عند دخولك قلعة المرجان أو حديقة الصخور في ولاية فلوريدا بأمريكا، قلعة أنشأها العبقري إدوارد ليدسكالنين.
ولد إدوارد ليدسكالنين لعائلة ثرية في لاتفيا عام 1887، مارس مهنة البناء مع عائلته المتخصصة في بناء المنازل والقلاع والحصون الصغيرة، وعلم نفسه هندسة البناء. في عمر السادسة والعشرين قرر إدوارد ليدسكالنين الزواج من حبيبته أغنيس جرجر، والتي كانت تصغره بعشرة أعوام وأطلق عليها لقب «حلوة السادسة عشر»، وفي اليوم السابق لإتمام الزواج، تخلت عنه أغنيس ورفضت الزواج به! فأصيب إدوارد بحزن عميق سيقلب حياته رأسًا على عقب إلى الأبد.
قرر إدوارد الهروب من ألم الحب، فسافر إلى أمريكا عام 1912، واستقر في مدينة نيويورك وبدأ في البحث عن عمل. في عام 1918 أصيب إدوارد ليدسكالنين بمرض السل، وعلى إثره انتقل للعيش في مدينة فلوريدا لدفء الجو هناك ليساعد على شفائه، هناك قرر إدوراد بناء قلعة كبيرة تخليدًا لذكرى حبيبته وليثبت لها وللجميع بأنه يستطيع فعل أشياء رائعة.
باستخدام الصخور المرجانية الضخمة المنتشرة في فلوريدا، شرع إدوارد في بناء قلعته، وافتتح إدوارد القلعة أمام السياح عقب الانتهاء من بنائها للمرة الأولى عام 1923، ثم أعاد فكها وتركيبها في مكانها الحالي في هومستيد فلوريدا، عام 1936.
فارق إد الحياة عام 1951، وعلى مساحة 10 أفدنة ترك لنا إدوارد ليدسكالنين صرحًا عظيمًا يقارن بدقة ومهارة بناء الأهرامات في الجيزة، وبناء ستونهنج فى بريطانيا، وأضيفت القلعة عام 1984 ضمن السجل الوطني للأماكن التاريخية في أمريكا.
قلعة المرجان.. ألف طن من المكونات العجيبة
تتكون قلعة المرجان من 1100 طن من الصخور المرجانية الضخمة، عمل إدوارد على تقطيعها وقصها ونقلها ورفعها وتثبيتها بمفرده، ورفض أي مساعدة في البناء من قبل أي شخص. حرص إدوارد على العمل ليلًا دون ضجيج، ورغم صعوبة نقل وتقطيع وتثبيت صخور تزن أطنانًا، لم يلاحظ أغلب الجيران أي شيء غريب أو حدوث أي نشاط طوال فترة عملية البناء، وتفاجأوا بالقلعة حين فتحها أمام الزائرين، ودهش الجميع من المكونات الفريدة التي تنتشر في كل أرجاء الحديقة.
فقد ضمت القلعة مجموعة متنوعة من الأشكال والمنحوتات التي أثارت التعجب والفضول؛ منها طاولة الحب، وهي طاولة صخرية كبيرة نحتت على شكل قلب وضع حولها بعض الكراسي الصخرية المنحوتة أيضًا.
كذلك عشرات الكراسي الصخرية الهزازة، التي تتأرجح بالزوار في هدوء دون الحاجة لأي محرك، كما صمم إدوارد ليدسكالنين منصة هلال القمر وهي واحدة من أكثر الأشياء شهرة في قلعة المرجان، وتزن المنصة 23 طنًّا نحتت على شكل قمر كوكب زحل وهو بالحجم نفسه تقريبًا، وهناك أيضًا نافورة المياه التي تعكس القمر في مراحله المختلفة، كذلك شيد أيضًا مزولة أو تلسكوبًا يبلغ ارتفاعه 25 قدمًا ويزن أكثر من 20 طنًّا، ويشير إلى نجم الشمال ويرصد من خلاله النجوم والكواكب، وسمي «تلسكوب بولاريس».
وتميزت الحديقة الصخرية في قلعة المرجان بأعجوبة فريدة، وهي بوابة حجرية ضخمة يبلغ وزنها 9 أطنان، ويمكن تحريكها بسهولة من دفعة إصبع أو رياح قوية بعض الشيء، وظلت طريقة عمل تلك البوابة غامضة ومثيرة للتساؤل، حتى عام 1986 عندما توقفت عن الحركة، وجرى استدعاء فريق متخصص لإصلاحها، وحينها أزيلت البوابة وتبين أنها تدور على عمود معدني وتستقر على حامل شاحنة قديم.
إدوارد ليدسكالنين.. مهندس وعالم وفليسوف
عقب افتتاح القلعة للزوار، أصبحت مصدر رزق لإدوارد من خلال عمل جولات داخل القلعة مقابل بضع سنتات، وتغير سلوكه من العزلة والانطواء إلى الاختلاط والحديث مع السائحين وتقديم أعماله الفنية اليدوية، كان إدوارد ليدسكالنين شخصية مركبة جدًّا يعرف في مجالات الهندسة والفيزياء والفلسفة.
عرف عن إدوارد أنه عامل نشيط ومهاري، ورجل صارم انطوائي، أجاد الهندسة والبناء من عمله مع أسرته، وبذلك نجح في عمل اللقطات والرافعات والحبال والبكرات والحوامل الثلاثية والأدوات اللازمة لإنجاز المهمة، وقال إدوارد ليدسكالنين إنه فعل ذلك – ويقصد قلعته – مستخدمًا العمل الجاد ومبادئ النفوذ.
ما زالت الأدوات التي استخدمها في محاجر الصخور وبناء قلعته، معروضة في متحف القلعة حتى اليوم، كما اهتم أيضًا بعلم الفيزياء وخاصة مجال المغناطيسات والجاذبية، واشتهر عنه قوله لأحد الزوار ردًّا على السؤال المعتاد كيف بنيت تلك القلعة؟، «لقد عرفت سر بناء الأهرامات، عرفت كيف تتحدى الجاذبية».
على الجانب الآخر اهتم إدوارد بالفلسفة والمجتمع والسياسة، وكان له الكثير من الآراء التي تعد محافظة وغريبة في الوقت نفسه، فمثلًا كان يرى أن الكنائس والمدارس مؤسسات فاسدة وتشجع على انحلال المجتمع بسبب السماح باختلاط البنات والأولاد، وكان يرى أن على الفتاة أن تكون صالحة ولا تمارس الجنس قبل الزواج ولا تسمح بالعلاقات مع الشباب.
من الناحية السياسية والاجتماعية، أراد إدوارد منع كبار السن وأصحاب الأمراض والعجز من حق التصويت في الانتخابات، وكان مبرره أنهم لا يملكون قوت يومهم وغير قادرين على العيش ويجب التخلص منهم ومنعهم من المشاركة في تحديد مصير الدولة وهم عالة عليها!
ترك لنا إدوارد ليدسكالنين أفكاره الفلسفية والعلمية حول الجاذبية والمغناطيس في مجموعة كتب تباع في متحف القلعة في فلوريدا وهم: «التيار المغناطيسي والسر وراء قلعة المرجان»، و«كتاب في كل بيت» و«التيار المغناطيسي» وأخيرًا «الحياة المعدنية والنباتية والحيوانية».
قلعة المرجان.. حديقة صخور حيّرت العلماء
أثارت قلعة المرجان تساؤلات عديدة بسبب ما تحتويه من منحوتات وطريقة بنائها، وخرجت العديد من القصص والأساطير والنظريات التي تحاول تفسير طريقة بناء تلك القلعة الغريبة، ووفقًا لموقع الجذب السياحي للقلعة على الإنترنت؛ تعد قلعة المرجان لغزًا حير العلماء والمهندسين منذ افتتاحه في عام 1923.
من أشهر الأساطير التي تروى عن لغز بناء القلعة، أن إدوارد ليدسكالنين حصل على مساعدة من كائنات فضائية في عملية البناء ونقل الصخور، ويعتقد آخرون أنه يمتلك قوة خارقة مكنته من اكتشاف الأسرار الكامنة وراء الجاذبية وقوانينها ما ساعده في رفع الكتل بقوة نفسية.
وهناك من يقترح أن إيد كان لديه معرفة غامضة بالمغناطيسية وما يسمى بطاقات الأرض والتيارات المغناطيسية، وتعتقد تلك النظرية أنه وضع الموقع بحيث يتماشى تمامًا مع أقطاب الأرض للقضاء على قوى الجاذبية، مما يسمح له بتحريك الأحجار التي تزن عدة أطنان دون معاناة، وهذا هو السبب وراء نقله لمكان القلعة عام 1936.
بينما يرى بعض العلماء أن قلعة المرجان قد تكون تحفة هندسية، ومن المثير جدًّا أن شخصًا واحدًا قام ببنائها بمفرده، ولكن بناءها ليس سرًّا أو قوة غامضة وإنما هو في الحقيقة قائم على مبادئ الفيزياء، وبالتحديد استخدم إدوارد مبدأ هندسيًّا أساسيًّا وهو «قانون الكتلة والمعالجة»، والذي يستخدم نظام رفع بكرة لرفع الأشياء الثقيلة في مكانها، وعن طريقه يمكنك تحريك صخرة يبلغ وزنها 20 طنًّا إذا كان لديك ما يكفي من نظام الكتل والمعالجة المتطور، وهو ما توضحه صور رافعات إد الثلاثية.
كثيرة هي النظريات حول طريقة بناء القلعة ومحتوياتها، لكنها ما زالت لغزًا يحير العلماء، ولم يستطع أحد تقديم تفسير منطقي لسر بناء القلعة الغامضة يقبله جميع الأطراف!