ولدي هذا عجوز عليل، وعباس متراخٍ كسول، من عساه يحكم مصر الآن سوى الأولاد، وكيف لهؤلاء أن يحفظوها؟! *محمد علي

تخبرنا كتب التاريخ أن عدد الزوجات والمستولدات (ملكات اليمين) لمحمد علي باشا، والي مصر، وأحد أشهر من حكموها عبر تاريخها الممتد لآلاف السنين، قد بلغ 13 زوجة ومستولدة، معروفات بأسمائهن، أنجب منهن العديد من الأولاد والبنات، لكن ولده إبراهيم من زوجته الأولى أمينة هانم، كان أقرب أبنائه إليه، وأحبهم إلى قلبه، وأكثرهم ثقة لديه على الإطلاق، وكيف لا، وإليه يُنسب فضلُ تأسيس جيش مصر برفقة سليمان باشا الفرنساوي، وهو الذي قاد جيش مصر شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، من الدرعية في السعودية إلى دمشق والأستانة حيث مقر الخلافة العثمانية، محققًا انتصارات كبيرة في غالبية المعارك التي دخل فيها، وقد أثار هذا قلق الأوربيين فقاموا بتحجيمه باتفاقية لندن عام 1841، والتي أنهت أحلام محمد علي التوسعية، ووهبت مصر له ولأبنائه من بعده.

إبراهيم بن محمد علي

مع مرور الزمان وتقلب الأحوال أصيب إبراهيم بن محمد علي الأكبر بداء السُل، كان يلفظ الدم من فيه، ويسعل طيلة الليل، لم يكن الباشا الكبير بأحسن منه حالًا، فأصيب هو الآخر بأمراض الشيخوخة، ضعف ووهن، وخرف وارتياب، لم يعد هناك بُد من عزل الباشا الكبير، فقام إبراهيم عام 1848 بعزل والده محمد علي باشا عن حكم مصر، وتولى مكانه، لكن داء السل سرعان ما اشتد عليه، فتوفيّ بعد ستة أشهر فقط من توليه الحكم.

وصلت الأنباء إلى الباشا محمد علي الذي كان في أسوأ أحواله، صعقته وفاة ولده الأكبر والأقرب إلى قلبه، حزن الباشا على إبراهيم حزنًا كبيرًا، اعتزل كل شيء، ولم يكن يدرك ما يقول، كان صامتًا طيلة الوقت جالسًا على مقعده في قصره بشبرا، لا يبالي كثيرًا بمن حوله، حدث ما خشيه الباشا، وتولى حفيده عباس حلمي الأول – الذي وصفه بالمتراخي الكسول – حكم مصر.

لم يكن  الباشا يملك من أمره شيئًا، خاصة بعد وفاة إبراهيم ذراعه الأيمن، وشريك حكمه لمصر، ساءت أحواله أكثر، لا تُسعفه الذاكرة بتذكر ولده إبراهيم، كما لم تُسعفه بتذكر «خليل» أو أبيه، نسي الباشا كل شيء، ورحل عن الحياة عام 1849، لكن كتب التاريخ لم تنس أبدًا ما حدث قبل هذا العام بـ27 عامًا لخليل بن عبد الرحمن الجبرتي.

عبد الرحمن الجبرتي.. من شابه أباه فما ظلم

في عام 1754 عمّت الفرحة أرجاء حارة الصناديقية المطلة على الجامع الأزهر؛ فقد وُلد للشيخ حسن برهان الدين الجبرتي ابن جديد سمّاه عبد الرحمن، كان الشيخ حسن من كبار علماء الأزهر الشريف، قدمت عائلته من «جبرت» إحدى مدن الحبشة (إريتريا)، وأقامت في مصر.

لم يكن الشيخ حسن برهان الدين الجبرتي عالمًا فقط، بل كان تاجرًا بالغ الثراء، فأخذ يبيع ويشتري حتى تكونت له ثروة كبيرة، بنى بها ثلاثة بيوت، منها ذلك الذي وُلد به ابنه عبد الرحمن بحارة الصناديقية، وكان له العديد من الزوجات والرقيق، رُزق منهنّ بـ40 ولدًا وبنتًا كما يقول المؤرخ الأستاذ أبو العلا خليل، عضو جمعية الدراسات التاريخية المصرية، لم يعش منهنّ سوى ولده عبد الرحمن، وعندما بلغ 14 عامًا قام الشيخ حسن بتزويج ابنه عبد الرحمن خوفًا من انقراض نسله بعد موته، وكأن الشيخ حسن يعلم ما سيكون عليه ولده؛ فقد أصبح فيما بعد واحدًا من أشهر المؤرخين في تاريخ مصر كلها.

كان والدي إذا أتاه طالب علم أكرمه ودعاه للإقامة عنده، وصار من جملة عياله، ومنهم من أقام 20 عامًا قيامًا ونيامًا، لا يتكلف من أمر معاشه، حتى غسيل ثيابه، من غير تعب أو ضجر. *عبد الرحمن الجبرتي متحدثًا عن ذكريات طفولته.

بينما كان الطفل الصغير عبد الرحمن يلهو في بيت أبيه، كان يحيط به كل يوم عشرات من طلبة العلم القادمين إلى والده كي ينهلوا من علمه، أصبح منزل الشيخ حسن حلقة علم كبيرة يقصدها الدارسون من شتى أنحاء مصر والعالم الإسلاميّ، وكانت هذه البيئة الخصبة التي خرج منها مؤرخ مصر عبد الرحمن الجبرتي.

لم تكن نشأة عبد الرحمن تقليدية؛ فهو الولد الوحيد الذي بقي لوالده، لذا علّمه بنفسه، وحفظ القرآن على يديه، وأتم حفظه وعمره 11 عامًا، لاحظ أبوه حدة ذكائه وقدرته على تذكر الكثير من الكلمات المُلقاة على ذاكرته، كان يأخذ من رجال العلم الذين يأتون لأبيه، وكان يذهب إلى الجامع الأزهر ليلتحق بكتاتيبه وحلقات دراسته، نضج عقل عبد الرحمن قبل عمره، وبدا أنه في طريقه ليصبح ذا شأن كبير بين أقرانه.

تزوج شيخ المؤرخين وعمره 14 عامًا، وأنجب ولدًا سمّاه خليل، تعلق به تعلقًا شديدًا، كما تعلق به أبوه، رحل الشيخ الكبير حسن عن الدنيا عام 1774 تاركًا لولده عبد الرحمن ثروة كبيرة، وأراض زراعية منتشرة في ربوع مصر، كذلك كان له الكثير من المعارف والصداقات، اقترب منهم الجبرتي، وأخذ ينهل من علمهم، وكان من بينهم الشيخ مرتضى الزبيدي، الذي قدم من اليمن، وكان صديقًا لوالد عبد الرحمن، ولابنه من بعده، وكان له الفضل في شغف عبد الرحمن بالتاريخ، فطلب منه أن يساعده في كتابة تراجم للرجال المشهورين في القرن الثامن عشر من الميلاد، لكن القدر كان سابق الحكم، فأصيب الشيخ مرتضى بالطاعون، ومات في غضوت عامين تاركًا عبد الرحمن الجبرتي ليكمل الطريق من بعده، ويصبح أشهر مؤرخ في تاريخ مصر الحديث.

الجبرتي مؤرخًا.. التاريخ بعيون من لا تاريخ لهم

لا أكتب حادثة حتى أتحقق من صحتها، فأكتبها في طيارة – ورقة صغيرة – حتى أقيدها في محلها إن شاء الله تعالى عند تهذيب هذه الكتابة، وكل ذلك من تشويش البال، وتكدر الحال، وهم العيال، وكثرة الاشتغال، وضعف البدن. *الجبرتي عن تحريه الدقة في كتابته.

دائمًا ما يركز مؤرخو أية حقبة زمنية معينة على ذكر الحوادث العظام وسِير الملوك والأمراء وكبار رجال الحكم وما فعلوه وأمروا به، لكن ما تميز به الشيخ المؤرخ هو تناول التاريخ من زاوية أخرى، أولئك الذين لا تذكرهم كتب التاريخ دائمًا، الفقراء والمهمشين وغير ذوي السلطة والمنفعة.

سافر مؤرخ مصر إلى ربوعها كافًة، وتنقل من مكان لآخر، وأخذ يكتب كل ما يمر به، لم يكتف بشؤون الملوك والأمراء، بل زار القبور وتناول ما كُتب على شواهدها، حكى عن النعّالين والفقراء في كل مكان ذهب إليه، حتى المجذوبين ومن لا أهل لهم كان لهم ذكر في كتب الجبرتي، لذا خرجت كتبه تعبر عن صورة حيّة للمجتمع المصري في تلك الأيام، ونال هذه الشهرة الكبيرة بين كل المؤرخين السابقين له واللاحقين عليه، وأطلق عليه «مؤرخ الشعب».

بعد وفاة شيخه مرتضى الزبيدي اشترى الجبرتي مخطوطاته وأخذ يكمل ما بدآه سويًا، فلمعت في ذهنه فكرة كتابة تاريخ مصر في الفترة التي عاش فيها، والفترات التي سبقتها، ساعدته ثروته الكبيرة في التنقل والترحال، كان من أصحاب الأراضي الزراعية الشاسعة، فكان يسافر ليشرف على أملاكه، وفي نفس الوقت يدون ما يراه في سفره، دوّن الجبرتي كل شيء بخط يده، كتب عن الدواوين والعملات في كل بلد ذهب إليها، وكان يتحرى الدقة في كل ما يكتب، فلم يكن يكتب شيئًا إلا شهده بعينه، بدا أن كل شيء مستقر، ويسير على ما يرام، حتى شهدت مصر في عهد الجبرتي حدثًا غيّر تاريخها الحديث إلى الأبد.

الحملة الفرنسية على مصر بعيون شيخ مؤرخي مصر

«أول سنين الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة، وتضاعف الشرور، وترادف الأمور، وتوالي المحن، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع، وتتابع الأهوال، واختلاف الأحوال وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب، وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون»، هكذا تحدث  الجبرتي عن العام الذي دخلت فيه الحملة الفرنسية مصر.

في الأول من يوليو (تموز) عام 1798 حطّت القوات الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت رحالها على مدينة الإسكندرية معلنة عن بدء الحملة الفرنسية على مصر التي ستستمر ثلاث سنوات فقط، لكنها ستترك آثارًا كبيرة في نواحي الحياة كافة. استقبل الشيخ الجبرتي صاحب الأربعة والأربعين عامًا آنذاك قدوم الحملة بمزيج من الحذر والترقب، لم يكن مرحبًا بها في بادئ الأمر، ثم نظر إليها كمؤرخ، فبدأ في تدوين كل ما تمر به مصر أثناء الحملة الفرنسية، تناول الحملة من منظور السياسة ومنظور الاجتماع، فتحدث في منظور السياسة عن نظام الحكم، ورجال الحملة، والأنظمة الإدارية التي أضافها الفرنسيون للبلاد.

لم يخف الجبرتي إعجابه بتنظيم الإدارة الذي سلكته الحملة الفرنسية، والذي كان جديدًا على مصر آنذاك، لكنه من الجانب الاجتماعي انتقد الحملة بشدة، وخاصة فيما يتعلق بتحرر نسائها وخروجهن ومشاركتهن للرجال، وهو ما لم يكن شائعًا لدى المصريين.
لا يمكن تحديد موقف الشيخ النهائي من الحملة، فتارة يمدح في كتبه الآثار العلمية والثقافية التي قدمتها الحملة إلى مصر، وتارة أخرى يذم الانفتاح والتحرر الزائد عند الفرنسيين. بشكل عام يمكن القول: إن الجبرتي لم يناصب الحملة العداء، وإنما نظر إليها من منطق محايد، هذا الموقف جعله عرضة للنقد من بعض المؤرخين المصريين، ومن الفرنسيين أيضًا.

كتب الجبرتي كل ما يتعلق بالحملة في كتابه «مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس»، يحكي الكتاب عن الحملة الفرنسية وما حدث لمصر منذ قدومها، كأنك تشاهد فيلمًا سينمائيًا عنها، فيذكر الأحداث والنوازل، وحتى الدور المهجورة التي تركها أهلها، وكذلك ثورتي القاهرة الأولى والثانية، مصورًا فرس نابليون الداخلة إلى الجامع الأزهر كأنك تراها أمامك. فيما بعد سيصبح هذا الكتاب جزءً من كتابه الأشهر «عجائب الآثار في التراجم والأخبار».

ولم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير، أو طاعة وزير، أو أمير، ولم أداهن فيه بنفاق، أو مدح لميل نفساني، أو غرض جسماني، ولم أخترع شيئًا من تلقاء نفسي، والله مطلع على أمري وحدسي. *الجبرتي متحدثًا عن عجائب الآثار.

يُعد كتاب «عجائب الآثار في الملوك والأخبار» أحد أشهر الكتب التاريخية التي تناولت مصر في القرن السابع عشر والثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر من الميلاد. دوّن فيه الجبرتي أحوال مصر السياسية والاجتماعية في تلك الفترة التي كانت تخضع فيها البلاد لحكم العثمانيين، بينما تشهد سيطرة شبه تامة للماليك على أمور البلاد، وحتى تولي محمد علي حكم مصر.

الجبرتي والباشا: حياد في زمان لا نجاة فيه إلا لمن يؤيد

بعد تولي محمد علي باشا حكم مصر عام 1805 قام بالتخلص من حلفائه وأعدائه على حد سواء، فبدأ بالمماليك الذين نفذّ ضدهم واحدة من أشهر المذابح في تاريخ مصر، مذبحة القلعة، والتي لا تزال جدرانها شاهدة حتى اليوم على ما فعله محمد علي بهم، كذلك لم يسلم منه حلفاؤه الذين ساعدوه على تولي الحكم، ومن أبرزهم الشيخ عمر مكرم، الذي قام محمد علي بنفيه إلى دمياط، بدا واضحًا للجميع أن الباشا لا يريد معارضة تهتف ضده، ولا حلفاء لا يدينون بالولاء التام والسمع له، لم يعجب هذا الوضع شيخ المؤرخين؛ فانتقد من أوصل محمد علي للحكم، وقال عن عمر مكرم عقب نفيه: «فإن الذي وقع له بعض ما يستحقه، ومن أعان ظالمًا سُلط عليه، ولا يظلم ربك أحدًا».

الجبرتي_ مصدر الصورة: تراثيات

بالرغم من كراهية الجبرتي الواضحة لمحمد علي نظرًا لما قام به من مظالم على حد وصف الجبرتي، وكذلك ما فعله بإلغاء نظام الالتزام، وهو أن يقوم أصحاب الأرض (الملتزمون) بدفع ضريبة للخلافة العثمانية على أن يجمعوها من الفلاحين الذين يزرعون أرضهم فيما بعد، فأتى محمد علي وقام بتوزيع بعض أراضي الملتزمين على الفلاحين، وجعل الضريبة مباشرة منهم إليه، دون الرجوع للملتزمين، وهو ما أغضبهم ورأوه إهدارًا لحقوقهم، وكان الجبرتي واحدًا من الملتزمين.

وبالرغم من ذلك، إلا أنه سلك الحياد عند تدوينه ما قام به محمد علي، فتارة يمتدحه في مقام، وتارة يذمه في مقام آخر. فقال عن محمد علي في عجائب الآثار: «له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان، فلو وفقه الله لشيء من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة، لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه».

لكن فرض محمد علي الكثير من الضرائب على الشعب وإثقال كواهله بأخذ رجاله في الجيش، وكذلك أخذ مواشي الفلاحين وطعامهم، رأى فيه الجبرتي ظلمًا بينًا وانتقاصًا واضحًا من حقوق الناس. فيقول متحدثًا عن محمد علي باشا «إن في طبعه داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدى الناس وأرزاقهم، فمن تجاسر عليه من الوجهاء بنصح، حقد عليه وعاداه معاداة من لايصفو أبدًا».

لم يتم نشر كتاب الجبرتي عجائب الآثار، سوى بعد موت محمد علي الذي كان حانقًا على الجبرتي؛ لرفضه مدحه في كتاباته، ولمِا وصل إليه من انتقاد الجبرتي لبعض أفعاله، كان الجبرتي يعلم جيدًا أن رفضه مدح محمد علي ومداهنته سيكلفه الكثير، ومع ذلك لم يتوان في كتابه عن إبراز محاسنه ومساوئه، لكن حدسه صدق بعد ذلك، وكلّفه عداؤه للباشا أغلى من يملك في حياته، بل حياته نفسها.

شيخ المؤرخين في لحظاته الأخيرة.. عانى من الوحدة وابيّضت عيناه من الحزن

يجلس شيخ المؤرخين على مقعده ليكمل ما كتبه عن الثورة اليونانية، في الصباح يدخل عليه ولده خليل مودعًا وهو ذاهب إلى عمله بالتوقيت في قصر محمد علي بشبرا، بدا أن هذا اليوم سيمضي كما مضى سابقه، انتهى خليل من عمله عند المغرب، في الطريق إلى بيته عائدًا يخرج عليه جماعة من المجهولين، قيل بتحريض من محمد بك الدفتردار صهر محمد علي، الذي أراد إسكات الجبرتي ومعاقبته على جرأته، أمسكوا بخليل وأخذوا يضربونه ضربًا شديدًا، فقد خليل الوعيّ، ربطوه برجل حمار، وأخذو يطوفون به في الشوارع، لم يدر خليل سبب ذلك، ولم تتُح له الفرصة ليعرف، وجده جماعة من الناس غارقًا في دمائه، عرفوا من إسطرلابه وأدواته أنه ابن الشيخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي، حملوه إلى أبيه، كان لتوه منتهًيا من الصلاة، نظر إليهم وما يحملونه بين أيديهم، كان ولده خليل ينزف بالدم، فاقدًا للوعيّ، هرع الشيخ إلى ولده واحتضنه وحمله بين يديه، نظر إليه للمرة الأخيرة؛ فقد فارق خليل الحياة بين يديه.

انهار الشيخ بعد تلك الحادثة حزنًا على فقد ولده، كما سينهار محمد علي بعد 27 عامًا حزنًا على فقد ولده، كسر الشيخ الكبير أقلامه، ورمى كراريسه، لم يعد يهتم بالتاريخ ولا بحوادثه؛ فحاضره كان أفجع مما دوّن في كتبه، تمادى به الحزن، فانعزل عن كل الناس، وبكى على ولده خليل بكاءً كثيرًا؛ حتى فقد بصره، ومات في فراشه حزنًا على ولده بعد تلك الحادثة بثلاث سنوات عام 1825، ودفن في قرافة المجاورين بالمنزل رقم ثلاثة في الحارة التي تحمل اسم شيخ مؤرخي مصر عبد الرحمن الجبرتي، غير بعيد عن قلعة صلاح الدين التي يرقد بداخلها جثمان محمد علي باشا؛ ليسدل التاريخ الستار على أشهر مؤرخ في تاريخ مصر، وأحد أشهر حكام مصر عبر التاريخ.

المصادر

تحميل المزيد