خسر نيكولا ساركوزي، الأحد الماضي، في الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط، معلنًا انسحابه من الحياة السياسية، لتُثار التساؤلات حول الأسباب المحتملة لسقوط ساركوزي مبكرًا في انتخابات الرئاسة الفرنسية.
سقوط مبكر لساركوزي في سباق الانتخابات الرئاسية
انتهت، الأحد الماضي، الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط في سباق الرئاسة الفرنسية معلنة تقدم المرشح فرنسوا فيون (62 عاما) بأكثر من 40 %من أصوات الناخبين، يليه آلان جوبيه (71 عاما) الذي حلّ ثانيًا بحصوله على نسبة 32 % من أصوات الناخبين، وصعد فيون وجوبيه إلى الدورة الثانية، فيما سقط ساركوزي (61عام) من السباق الرئاسي بعد حلوله ثالثًا بنسبة 20%.
وأقر ساركوزي- الرئيس الفرنسي السابق (2007-2012) – بخسارته في الاقتراع معلنًا اعتزاله الحياة السياسية، وأعلن دعمه لفيون – رئيس وزرائه السابق- أمام جوبيه، وزير خارجيته السابق، في الانتخابات التي ستجرى يوم الأحد القادم، ودعى ساركوزي مناصريه للتصويت في الانتخابات القادمة وفق ما يمليه عليهم ضميرهم.
واعترف ساركوزي بعدم تمكنه من إقناع غالبية المصوتين، مؤكدًا احترامه لإرادة الناخبين، وأضاف «اليوم لا أشعر بالحزن، بل أتمنى كل الخير لوطني ولكم أيها الفرنسيون كما أتمنى حظًا سعيدًا للرجل الذي سيقود هذا البلد الذي أحبه كثيرا».
ومن المتوقع أن يلتقي الفائز من فيون وجوبيه، بمرشحة اليمين «المتطرف» مريان لوبان زعيمة الجبهة الوطنية، في المراحل النهائية للانتخابات الرئاسية، ذلك بالإضافة إلى إيمانويل ماكرون، المرشح المستقل، والمستقيل من الحزب الاشتراكي الحاكم، بجانب الفائز بترشيح اليسار سواء كان الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند، أو رئيس وزرائه مانويل فالس، أو المرشحة الثالثة عن الحزب الاشتراكي الحاكم سيجولين رويال، وتُعقد انتخابات اليسار في يومي 22، و29 يناير (كانون الثاني) المقبل لتحديد المرشح النهائي عن الحزب .
وتشهد شعبية اليسار تقلصًا بعد الهجمات الدموية المتتالية التي ضربت فرنسا خلال الأشهر الماضية وأودت بحياة العشرات بالأخص من خلال هجمات باريس ونيس، وفي المقابل، يستغل اليمين المتطرف برئاسة لوبان تلك الهجمات في تصعيد خطابه الشعبوي، وانتعشت آماله أكثر بعد فوز دونالد تارمب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وستجرى الانتخابات الرئاسية في الفترة من 23 أبريل( نيسان) القادم إلى السابع من مايو (أيار) القادم، تلك الفترة التي سيختار فيها الفرنسيون رئيسهم رقم 11، لفترة رئاسية تمتد لخمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، إذ لا يمكن لشخص واحد تولي فترة الرئاسة أكثر من فترتين.
1.الأموال الليبية في حملة 2007
في صباح يوم الخميس، وقبل أقل من ثلاثة أيام من انتخابات الأحد الماضي، تجدد الحديث عن تلقي ساركوزي أموالًا ليبية أثناء حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2007، مما تسبب في دعاية مضادة للرجل، تُرسخ للإساءة لسمعته.
وتجدد الحديث على لسان رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي، الذي أدلى بشهادته في مكتب الشرطة القضائية لمكافحة الفساد، باعتباره وسيطًا وقال فيها إن ساركوزي تلقى خمسة ملايين يورو من ليبيا، أثناء فترة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، لدعم حملة ساركوزي الانتخابية.
وقال تقي الدين إن نقل الأموال من ليبيا إلى فرنسا تم على ثلاث رحلات في الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، وحتى يناير (كانون الثاني) 2007، وأكد تقي الدين أنه «سلّم حقيبة مباشرةً لساركوزي الذي كان حينها وزيرا للداخلية. وحقيبتين إلى مدير ديوانه حينها كلود جويان». لافتًا إلى تلقي حقائب الأموال تلك من جهاز المخابرات في طرابلس، وجاءت تلك الشهادة الرسمية بعد حديث إعلامي لتقي الدين عن هذا الفساد والتمويل غير المشروع لساركوزي، ليضعف من حظوظ الأخير في الانتخابات الرئاسية.
2. تمويل غير مشروع في حملة 2012
ولم تتوقف اتهامات الفساد التي تحوم حول ساركوزي عند هذا الحد، فبعد اتهامه بتلقي أموال ليبية في حملته لانتخابات الرئاسة عام 2007 التي فاز بها، اتُهم ساركوزي بتمويل غير قانوني في حملته لانتخابات الرئاسة لعام 2012 التي خسر فيها.
ففي وقت مبكر من العام الجاري، وجه القضاء الفرنسي رسميًا لساركوزي تهمة «تمويل حملته الانتخابية عام 2012 بشكل غير شرعي»، وفي فبراير (شباط) الماضي، خضع ساركوزي للتحقيق بشأن تخطي حملته الانتخابية الحدود القانونية للإنفاق الانتخابي، واستخدام حملته فواتير وحسابات مزورة لإخفاء تجاوز السقف القانوني.
ويبلغ السقف القانوني لنفقات حملات الانتخابات الرئاسية في فرنسا 22.5 مليون يورو، وقد بلغت نفقات الفواتير المشكوك في صحتها حوالي 18.5 مليون يورو، وضعت في حساب حزب ساركوزي وكانت ستدخل في حملته، وأمرت السلطات القضائية باستمرار التحقيق مع ساركوزي في هذا الشأن، لتمثل تلك القضية عقبة أخرى ساعدت على خسارة ساركوزي.
3.«أي شيء عدا ساركوزي»
«أيًا كان باستثناء ساركوزي (…) لقد ضقت ذرعًا بهذا الشخص، «المبتذل» جدًا والسيء السمعة» هكذا يقول الناخب إريك الذي يؤكد فكرة دعم أي مرشح ضد ساركوزي، ولا يبدو الأمر مختلفًا بالنسبة لجيرار (65 عامًا) الذي اختار فيون «بعدما تردد في التصويت لجوبيه عقابًا لساركوزي».
ويرى الباحث الفرنسي برونو كوتريس، أن المناظرتين التلفزيونيتين للانتخابات التمهيدية، عكست شعار «تي إس إس» أي «تو سوف ساركوزي» بمعنى «أي شيء عدا ساركوزي»، تلك العبارة التي لاقت انتشارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أنها وجدت صداها في أصوات الناخبين.
ويقول كوتريس إن المناظرة الثالثة التي جرت قبل ثلاثة أيام من الانتخابات التمهيدية كانت «باهتة نسبيًا» لافتًا إلى أن بعض المرشحين سخروا من المشاكل القضائية التي يواجهها ساركوزي. لذلك يبدو أن تلك المشاكل ساعدت في الانتقاص من سمعة الرجل، واعتباره صاحب تاريخ سيء السمعة، ما شحذ الهمم لتصويت عقابي ضده تطبيقًا لعبارة «أي شيء عدا ساركوزي».
4.مشاركة اليسار واليمين المتطرف في الانتخابات التمهيدية
«إذا اقتصر التصويت على النواة الصلبة للحزب (..) فسيكون مؤيدًا لساركوزي» هكذا يقول فرنسوا دونان مراقب عمليات التصويت في نيس، فبالرغم من أن هذه الانتخابات التمهيدية مرتبطة باليمين والوسط إلا أن نظام الانتخابات الفرنسي يسمح بمشاركة من هم في اليسار واليمين المتطرف في تلك الانتخابات بعد دفعهم كغيرهم 2 يورو، والتوقيع على وثيقة تعلن التزامهم بالتوجهات اليمينية.
فإريك الذي كان متحمسًا للتصويت لأي أحد عدا ساركوزي، هو في الأصل ناخب اشتراكي، وتفيد استطلاعات بمشاركة قرابة 20% من المصوتين من اليسار واليمين المتطرف، بحسب الإعلامي التونسي عبد اللطيف الفوراتي الذي يرى أن أغلبية المصوتين من اليسار واليمين المتطرف انتخبوا فيون أو جوبي لتفادي صعود ساركوزي.
ويوضح الفوراتي ذلك، «فأقصى اليمين يخشى من أن يكون ساركوزي مرشحًا للرئاسة الفعلية عنصر ابتلاع لعدد من المصوتين لمارين لوبان في الربيع المقبل، لقرب برنامجه من برنامج أقصى اليمين،أما اليساريون الذين تطفلوا على انتخابات اليمين،فإنهم في عدائهم الشديد لساركوزي،أرادوا إغراقه بالتصويت ضده». وتجدر الإشارة إلى أن خطاب ساركوزي أقرب إلى اليمين المتطرف وأبعد من اليسار، الذي رأى محللون أن موقفهم المعادي لساركوزي، يشي أيضًا بضعف فرص اليسار الانتخابية وميلهم لتأييد الأقرب إليهم، من الوسط واليمين.
5.الابتعاد عن الكتلة الصلبة.. محاولة استرضاء اليمين المتطرف
استخدم ساركوزي خطابًا شعبويًا حاول فيه اجتذاب اليمين المتطرف، وتعهد بإجراءات أمنية مشددة ووقف الهجرة، من خلال الإعلان عن خطة لوقف حق المهاجرين في استقدام عائلاتهم إلى فرنسا، وحبس الأشخاص المدرجة أسماؤهم على قوائم المراقبة، الذين لم توجه إليهم تهم بارتكاب جريمة، وتعهد ساركوزي بأن حال فوزه في الانتخابات فسينظم استفتائين أحدهما حول الهجرة، والآخر حول إمكانية اعتقال الأشخاص «الأكثر خطرًا» المسجلين في أجهزة الاستخبارات.
وفي آخر اجتماع لساركوزي غداة التصويت، في مدينة نيم التي تذخر بأصوات اليمين المتطرف، هاجم ساركوزي الإسلام والمهاجرين، محاولًا اجتذاب أكبر عدد من أصوات اليمين المتطرف هناك، وتعهد بأن أول قراراته إذا فاز بالانتخابات ستكون «إعادة مراقبة الحدود، ومنع الحجاب داخل الجامعات». ودائمًا ما يركز ساركوزي في شعاراته أيضًا على حفاظه على الهوية الفرنسية، في شعارات تقترب أيضًا من اليمين المتطرف.
ولكن يبدو أن ساركوزي فشل في النهاية في اجتذاب أصوات اليمين المتطرف، الذين يرون في لوبان المرشحة الأمثل لهم والأقرب بالطبع إلى أفكارهم وأحلامهم، وكانت لوبان
المرشحة عن اليمين المتطرف، من أول المهنئين لترامب، وتشاركه في أفكاره المعادية للمسلمين، وتسعى لإجراء استفتاء حول بقاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، على غرار بريطانيا.
وفي المقابل، يبتعد ساركوزي أيضًا بخطابه عن الوسط واليمين الذي ينتمي إليه، باقترابه من اليمين المتطرف، وهؤلاء يجدون مثلًا خطاب جابيه أقرب إليهم، إذ يرى جابيه أن «فرنسا مريضة بتصاعد النزعة الشعبوية والتطرف»، ويضيف «أنا لا أقلل من أهمية غضب الفرنسيين ومعاناتهم، لكن الشعبوية هي الكذب على الشعب لاستغفاله قبل الانتخابات للقيام تاليًا بعكس ما يعلن».
لذلك فيبدو أن سياسة استرضاء الأصوات من مختلف الجهات أثبتت فشلها الانتخابي، وأبعدت ساركوزي عن الكتلة التي ينتمي إليها في اليمين والوسط لتميل إلى جابيه وفيون، كما فشلت تلك السياسة في اجتذاب أصوات اليمين المتطرف، التي تميل لمرشحتها لوبان.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الفرنسي مصطفى الطوسة، أن المقاربة التي اقترحها ساركوزي على الفرنسيين وتتمثل في هوياتهم جعلته يفشل في استقطابهم، ويعبئون لرفضها، ولفت الطوسة إلى أن ساركوزي حاول تقليد أيقون لوبان من جهة، وتشبيه نفسه بترامب، «وهو ما رفضه الفرنسيون قطعيًا وأرغموه على الانسحاب من الحياة السياسية».
6.لم يتعلم ساركوزي من التجارب السابقة
ويبدو أن فشل سياسة استرضاء الأصوات المختلفة تلك لا تقتصر على الانتخابات الفرنسية فقط، إذ شهدت أكثر من انتخابات رئاسية في العالم والمنطقة العربية صعودًا لمراحل متقدمة للمرشحين الأكثر تمسكًا بانتماءاتهم السياسية، والمثال الأقرب على ذلك هو فوز المرشح الجمهوري اليمني في انتخابات الرئاسة الأمريكية في الشهر الجاري.
لتوضيح الأمر أكثر، فعلى سبيل المثال، في أقوى انتخابات رئاسية شهدتها مصر عام 2012، ومع أول مناظرة رئاسية كان يُنظر لطرفيها بأنهما أقوى مرشحين: وهما عبد المنعم أبو الفتوح، الذي انفصل عن جماعة الإخوان المسلمين وحاول اجتذاب بعض أصوات أعضائها وغيرهم من فئات الشعب، وعمرو موسى المحسوب على النظام القديم، ويحاول أحيانًا التنصل منه.
وفي النهاية، فشل أبو الفتوح وموسى في تعدي المرحلة الأولى من الانتخابات، ووصل إلى المرحلة الثانية كل من الدكتور محمد مرسي العضو بجماعة الإخوان المسلمين إلى الجولة الثانية بدعم من كتلة الإخوان المسلمين الصلبة، والفريق أحمد شفيق، الأقرب إلى النظام القديم، بدعم من كتلة المحسوبين على كتلة النظام القديم الصلبة، وبذلك مال كل ناخب لدعم المرشح الأقرب إليه، وهو ربما ما يؤكد على أن الأمر يتكرر كثيرا وفي حالات مختلفة.