إذا كنت مديرًا أو صاحب عمل، وسألك أحدهم: هل تختار المرشح الذي يتمتع بقدرة ومهارة أعلى أم المرشح الذي تتشابه قيمه مع قيمك، وتتلاقى طرق تفكيركم معًا من أجل وظيفة متاحة؟ غالبًا ستكون إجابتك هي: المرشح ذو القدرة الأعلى. لكن هناك من له رأي آخر في هذا الأمر؛ إذ قد تجد البعض يضع وزنًا نسبيًا كبيرًا لتشابه قيم الموظف مع صاحب العمل حتى لو كانت القدرات أقل بعض الشيء.
بل إن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويقوم بتوظيف أفراد العائلة أو الأصدقاء في شركته، ورغم أن هذا يتعارض مع قوانين مكافحة التمييز، وتكافؤ الفرص في العديد من الدول؛ فإن هذا النمط من التوظيف تروج له بالفعل العديد من الشركات من خلال خطط تشجيع موظفي الشركة أنفسهم على توظيف أفراد مقربين منهم، لهم القيم والدوافع نفسها، والغرض المعلن لهذا النمط هو تقليل تكاليف التوظيف، وزيادة معدلات الاحتفاظ بالموظفين، وتحسين مشاركة الموظفين.
أحد كبار رجال الأعمال الذين يفكرون بهذا الأسلوب هو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة «ميتا (فيسبوك سابقًا)» مارك زوكربيرج، الذي قال في مقابلة له إنه عندما يتعلق الأمر بتعيين موظفين جدد، فإن تفضيله هو الأشخاص الذين «تتماشى قيمهم مع الأشياء التي تهتم بها».
زوكربيرج ذكر بوضوح أن هذا الأمر يشبه – من وجهة نظره – اختيار صديق أو شريك حياة، مشيرًا إلى أن العديد من الشباب يركزون بشكل كبير على الموضوعية، ولا يركزون بدرجة كافية على العلاقات والأشخاص.
المفاجأة أن دراسة حديثة أشارت إلى تلك الفكرة نفسها، التي يتحدث عنها زوكربيرج، موضحة أن التركيز على القدرة وحدها يتجاهل المساهمة في ناتج العوامل السلوكية، مثل المشاركة، والثقة، والتحفيز، والجهد. وطالما أن الاختلافات في القدرات ليست كبيرة جدًا، فإن التوظيف من داخل شبكات الموظفين يبدو أنه إستراتيجية مربحة.
في السطور التالية، نتناول مميزات وعيوب الاستعانة بالمقربين وأفراد العائلة والأصدقاء في العمل.
«التمييز السلبي» vs «التمييز الإيجابي»
عند التحدث عن اختيار مجموعة بعينها من الناس للتوظيف، فنحن نتحدث هنا عن عملية «تمييز» في الاختيار. بشكل عام ترفض قوانين مكافحة التمييز أي شكل من أشكال التمييز بهدف زيادة التنوع، وهذا يتعاكس بوضوح مع فكرة إعطاء الأولوية لتوظيف الأصدقاء، أو العائلة، أو أولئك الذين لديهم قيم مشتركة.
حسنًا هنا علينا توضيح شيء ما بشأن «التمييز» في التوظيف، فقد أشار بعض علماء النفس إلى وجود نوعين من أنواع التمييز، أو لنقل «التحيز»: تحيز إيجابي. وآخر سلبي. فبالنسبة للتحيز السلبي، فهو ذلك التمييز في التوظيف بناءً على التحيزات السلبية، بمعنى أنك تفضل شخصًا قدراته أقل على آخر بقدرات أعلى بشكل واضح، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم «تمييز» بكل ما في الكلمة من معنى سلبي متعارف.
في المقابل هناك التحيز الإيجابي، وهو ذلك التمييز في التوظيف بناء على التحيزات الإيجابية، أي عامل من عوامل الاختيار التي لا تتماس مع القدرة والكفاءة كأن يتقدم لك شخصان، متساويان في الكفاءة والخبرة، لكن أحدهما سبق وأن عمل معك سابقًا، ويعرف طريقتك ومنهاجك في العمل وحققتما معا نجاحًا. إذ لا شك أن التوظيف على أساس التحيزات السلبية يخلق مشاكل اجتماعية، ويسبب عدم الكفاءة الاقتصادية، بينما التوظيف القائم على التحيزات الإيجابية لا يخلق تلك المشاكل طالما ابتعدنا فيها عن تجاهل الكفاءات الأعلى لصالح الكفاءات الأقل، لكن وجبت الإشارة إلى أن بعض العلماء يرى أنه حتى التمييز الإيجابي يسبب نفس المشاكل.
والبشر يميلون لأصحاب القيم المشتركة
وإذا كان الرأي القائل إن التمييز الإيجابي يسبب المشاكل للأعمال والشركات بالفعل، فلماذا تركز العديد من الشركات صراحةً على توظيف الأصدقاء وأفراد العائلة؟ وهل بالفعل يمكن أن تؤدي قرارات التوظيف التي لا تعطي الأولوية لقدرات المرشح إلى إنتاجية أقل؟ وهل وجود موظفين لديهم قيم مشتركة لا يزال أفضل بالنسبة للمؤسسة بشكل عام على حساب الإنتاجية؟
هنا نعود إلى الدراسة الحديثة التي ذكرناها في بداية التقرير، والتي سعت للإجابة عن هذه الأسئلة. في هذه الدراسة أجرى الباحثون تجربة على عينة من طلاب الجامعات ذوي الروابط الاجتماعية القوية في إحدى الجامعات الأمريكية. صنف الطلاب المشاركون إلى مجموعات طبقًا للكلية، فطوال فترة دراستهم يعيش طلاب نفس الكلية معًا، ويأكلون معًا ويتنافسون ضد الكليات الأخرى في مجموعة متنوعة من الأنشطة، وتُغرس فيهم الهوية القوية القائمة على الكلية، والقيم المشتركة بينهم.
في الدراسة لعب الطلاب لعبة شهيرة يستخدمها الاقتصاديون لقياس الثقة، هذه اللعبة تحاكي العلاقة بين المدير والموظف من خلال منح الفرد الذي يلعب دور المدير مبلغًا صغيرًا من المال (10 دولارات أمريكية)، ثم يسأل الباحثون هذا الشخص عن حجم المال (من هذه الدولارات العشرة) الذي يرغب في نقله إلى فرد آخر يلعب دور الموظف. وكل رقم يذكره المشاركون يضرب في ثلاثة، ويعطى للشخص في دور الموظف. هذا الرقم الذي يضرب فيه المبلغ يعد بمثابة دلالة على القدرة، بمعنى أنه كلما زادت قدرات الشخص يجري الضرب في رقم أقل.
هنا يجب أن يقرر الموظف مقدار رد الجميل للمدير، مع ملاحظة أن كليهما يحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المال، ومن ثم فإن المدير يستثمر في الموظف، ويثق فيه لإعادة بعض الاستثمار، ويختار الموظف المبلغ الذي تجب إعادته إلى صاحب العمل، وهو مقياس للمعاملة بالمثل.
في تلك التجربة كان على المديرين الاختيار بين الاستثمار في موظف من الكلية نفسها (لديهم قيم مشتركة)، وموظف آخر من كلية أخرى، كما جرى إعلامهم أن الموظفين المختلفين لديهم «قدرات» مختلفة، بمعنى أن الرقم الذي سيختاره المدير كي يعطى لهؤلاء الموظفين سيضرب في 2.5 بدلًا عن ثلاثة. في بعض الحالات كان الموظف ذو القيم المشتركة صاحب قدرة أقل، وهذا يعني أن المدير سيحتاج إلى الوثوق بهم ليعيد لهم نسبة أعلى من أموالهم مقارنةً بالاختيار البديل.
ماذا كانت النتيجة؟ عند مواجهة موظفين ذوي قدرات متساوية اختار 80% من المديرين موظفًا من كليتهم، بينما عندما كان زملاؤهم في الكلية أقل قدرة اختار 40% من المديرين زملاءهم. بعبارة أخرى بينما كان بعض المديرين على الأقل يختارون الشركاء بناءً على الكفاءة، ضمّنت نسبة كبيرة من المديرين الانتماء للكلية نفسها في قرار الاختيار.
في المقابل بذل الموظفون من الكلية نفسها جهدًا أكبر لمديريهم (بمعنى أنهم أعادوا حصة أكبر من المال) عندما كانوا أقل قدرة وكفاءة من المرشح الآخر، وهذا يشير إلى أن أعضاء المجموعة ذوي الكفاءة المنخفضة يعوضون عن ذلك من خلال زيادة جهودهم. في المتوسط المديرون الذين يختارون المرشحين من الكفاءة المتساوية مع زميلهم في الكلية يجنون أموالًا أكثر بنسبة 10%، وأولئك الذين خُيروا بين زميل بقدرة أقل وغريب متفوق حققوا زيادة بنسبة 7% عندما اختاروا زميل الكلية، رغم قدراته الأقل.
والكفاءة ليست كل شيء
تشير النتائج السابقة إلى أن التركيز على القدرة والكفاءة وحدها يتجاهل المساهمة في ناتج العوامل السلوكية، مثل المشاركة، والثقة، والتحفيز، والجهد. وطالما أن الاختلافات في القدرات ليست كبيرة جدًا، فإن التوظيف من داخل شبكات الموظفين يبدو أنه إستراتيجية مربحة للمدير وصاحب الشركة.
لذلك فبينما كان يُعتقد سابقًا أن التوظيف على أساس العلاقات الأسرية، وشبكات المعارف، والمقربين ليس بالأمر الجيد، فإن الأبحاث والواقع العملي يشير إلى العكس. فهذه الطريقة في التوظيف قد تثير بعض التحديات الإدارية، مثل الاضطرار إلى إخبار هؤلاء الموظفين بما يجب عليهم فعله، أو الاستغناء عنهم عندما لا يلبون التوقعات، لكن أرباب العمل يثقون في الموظفين أكثر عندما يشاركون قيمهم، وقد يعوض الموظفون عن انخفاض قدراتهم من خلال العمل بجدية أكبر؛ مما يعود بالفائدة على الشركة والمنظومة نتيجة لذلك.
وإليك فوائد توظيف العائلة والأصدقاء
بشكل مختصر يمكن الإشارة إلى فوائد ومميزات أخرى حال توظيفك أفراد العائلة، والأصدقاء، وأصحاب الرؤية المتشابهة، كالتالي:
1- تعرف بالفعل ما يمكن توقعه دون مفاجآت في الأداء أو مشاكل كبيرة.
2- تفهم نقاط قوتهم وضعفهم.
3- سوف يعملون بجد من أجلك.
4- عملية توظيفهم تستهلك وقتًا، ومالًا، وجهدًا أقل دون الحاجة لإعلانات في الصحف على سبيل المثال.
5- في بعض الدول هناك إعفاءات ضريبية محتملة إذا قمت بتعيين أفراد عائلتك.
6- أسهل في تنسيق جداول الدوام.
7- هم أكثر استعدادًا للعمل لساعات أطول.
8- يوفرون الاستقرار والاستمرارية للعملاء والأعمال.
9- عادة ما يكونون جديرين بالثقة ومخلصين.