لحظات فاصلة تتزايد معها ضربات القلب بشكل مفاجئ، ويرتفع معدل الأدرينالين في الدم، مع تغير ملامح الوجه التي تتحول إلى اللون الأحمر الناري، قبل أن تخرج الأم عن سيطرتها النفسية، وتتحول إلى نيران عصبية مشتعلة أمام طفلها، لتعود وتندم على تصرفاتها التي أقدمت عليها في تلك الحالة؛ لكن كيف نوقف ذلك المشهد قبل الغرق في تلك البؤرة من الغضب والعصبية؟
قبل أي شيء على الأم أن تدرك أن الغضب شعور طبيعي تمر به مثل الفرح والحزن وغيرها من المشاعر، ولا يجب أن تندم عليه؛ لكن ما يتسبب في الندم هو ما قد يقود إليه ذلك الغضب من ضرر، في حال عدم التحكم به، ليس على طفلك فقط؛ وإنما عليكِ أيضًا؛ فالإفراز المطول لهرمونات التوتر المصاحبة للغضب يمكن أن يدمر الخلايا العصبية في مناطق الدماغ المرتبطة بالتحكم والذاكرة قصيرة المدى، ويضعف كذلك جهاز المناعة.
في السطور القادمة نبحث عن طرق تربوية بعيدًا عن الغضب والضرب، مستعينين بمشورة عدد من المتخصصين في التربية.
أولًا.. ما هي أسباب عصبية الأم؟
للوقوف على أسباب عصبية الأم تشاركنا المدربة التربوية هاجر مصطفى، مختصة تعديل السلوك والصحة النفسية، أن العصبية مثل غيرها من السلوكيات لها عدد من الأسباب وفي حالة الأم نجد أن غالبية الأمهات تقوم بثلاثة أدوار بشكل يومي:
- الرعاية: ويندرج ضمنها تقديم المأكل والمشرب وتنظيف الأولاد والمنزل.
- التربية: إذ تعلم الأطفال القيم والأخلاق.
- العمل: فغالبية الأمهات لديها عمل وظيفي تقوم به.
ومع اجتماع المهام الثلاث والاستيقاظ في وقتٍ مبكر بشكل يومي لمحاولة تأدية تلك المهام يصاب الجسد بإرهاق وتنفد الطاقة، فكيف يمكن للأم الخروج من ذلك الخندق قبل الدخول إليه؟
أسوأ مما قد تتخيلين: هذا ما تفعله العصبية في الطفل والأم
العصبية تضعف جهازك المناعي وتصيبك بفقدان ذاكرة!
تتسبب العصبية الزائدة للأم ونوبات الغضب اليومية إلى حدوث ما يسمى الإفراز المطول لهرمونات التوتر المصاحبة للغضب، وتلحق تلك الزيادة في الإفرازات بالجسم والدماغ بشكلٍ خاص عددًا من الأضرار من بينها:
- تدمير الخلايا العصبية في مناطق الدماغ.
- تأثر الخلايا العصبية المرتبطة بالتحكم والذاكرة قصيرة المدى.
- ضعف الجهاز المناعي.
- التأثير السلبي في الصحة النفسية.
انخفاض معدل ذكاء ابنك واهتزاز ثقته بنفسه أقل أضرار نوبات غضبك!
تخيلي أن زوجك خرج عن شعوره وبدأ الصراخ في وجهك كيف يكون إحساسك؟ ضاعفي ذلك الشعور ألف مرة مع تخيل شخص طوله ثلاثة أضعاف حجمك وقوتك يصرخ في وجهك، وحالة الرعب التي يكون بها صغيرك، مضافٌ إليها أن الشخص الذي يرعبه، هو من يعتمد عليه في طعامه ومأواه وسلامته وكذلك حمايته، وأنه من المفترض أن يكون المصدر الأساسي للحب والثقة بالنفس ومصدر معلوماته عن العالم الخارجي، بالإضافة إلى أنه ليس لديه مكان آخر يلجأ إليه لحمايته.
لا يوجد إنسان لا يغضب لكن التحدي الحقيقي هو قدرة الفرد على التحكم في مشاعره للتقليل من تأثيرها السلبي؛ خاصةً أنه قد ثبت أن الأطفال الذين يعانون من العنف الجسدي واللفظي يظهرون آثارًا سلبية دائمة طوال حياتهم وهذه بعض الآثار السلبية التي تترك بصمتها على الطفل:
- انخفاض معدل الذكاء.
- احتمال أعلى لتعاطي المخدرات في المستقبل.
- اعتياد الطفل على عصبية الأم ما يجعلها تزيد من الصراخ وتتبع أساليب أكثر حدة حتى تجعل الطفل يمتثل للأوامر، وفي النهاية يخرج الطفل عن السيطرة، ولا يجدي معه أي نوع من العقاب.
- زرع الخوف عند الطفل؛ ما يتسبب في تعرض الطفل لمشاكل جسدية ونفسية طوال حياته.
- يصبح الأطفال عصبيين كونهم بطبيعتهم شديدي الملاحظة والتقليد، فهم بمثابة مرآة للسلوك المتكرر الذي يقدم عليه الوالدان.
- تنعدم ثقة الطفل بنفسه ويصبح غير قادرٍ على التعامل مع أقرانه، كون أقرب الناس إليه غير راضية عن تصرفاته وتنفعل بشكلٍ مستمرٍ تجاهه.
- تراجع مستوى التعلم وسرعته لدى الطفل ما يتسبب في تأثر نمو دماغ الطفل وتطور مهاراته وسلوكياته بشكلٍ خطيرٍ.
وهذه 8 طرق للتخلص من العصبية قبل اشتعال جذوتها
تقدم المدربة التربوية هاجر مصطفى عدد من الاقتراحات البسيطة، وغير المكلفة من بينها:
- أن تقوم الأم بشكل دوري بشراء شيءٍ يسعدها، وأخذ فاصل زمني ولو لدقائق من مهامها مثل الذهاب للسوبر ماركت بمفردها لشراء قطعة شوكولاتة تحبها.
- ممارسة هواية تسعدها بوصفها فاصلًا زمنيًّا من الضغوطات النفسية.
- ممارسة رياضة تخفف من التوتر، ولا يشترط الذهاب لصالة الألعاب الرياضية؛ فتوجد العديد من القنوات على منصة «يوتيوب» ومواقع التواصل المختلفة التي تقدم تنوعًا في الممارسات الرياضية لإعادة شحن الطاقة حتى تستطيع الأم مواصلة تأدية مهامها.
- تخفيف بعض المهام عن عاتقها فيما يخص رعاية المنزل ونظافته عبر الاستعانة مرة في الأسبوع بمساعدة خارجية، ويمكنها توفير مال المساعدة من خلال الاستغناء عن بعض الرفاهيات؛ فتقوم بتخصيص صندوق تحت مسمى «حصالة المساعدة» تجمع فيه المال لإحضار من يساعدها في التنظيف دون الخلل بالميزانية العامة للمنزل.
- الخروج من دائرة التقصير الدائمة من خلال النظر حولها والوقوف على ما أنجزته في اليوم لبيتها وأطفالها فهي تستحق أن تنظر دائمًا لنفسها على أنها بطلة.
على صعيدٍ متصلٍ تشاركنا دكتورة رنا هاني ياسين المختصة النفسية والتربوية خطوات بسيطة لتجنب عصبية الأم وجعلها في صحة نفسية أفضل بعيدًا عن العصبية:
- التركيز على مسببات العصبية التي تثيرها خلال اليوم، ومتى تبلغ ذروة العصبية، فتراقب الأم تصرفاتها وتدونها بغرض محاولة حلها وتجنب تكرار حدوثها، وبذلك تتمكن الأم من السيطرة على غضبها قبل الوصول لمراحل لا تحبها.
- ممارسة التأمل بشكل يومي لمدة 10 دقائق مع تمارين التنفس؛ إذ يعمل ذلك التمرين على استرخاء عضلات الجسم المشدودة، ويساعد على تنشيط الدورة الدموية بهدف التخلص من التوتر.
- طلب المساعدة من المقربين وعلى رأسهم الزوج، فتصارحه بما يضايقها بشكلٍ واضحٍ، وتطلب منه المشاركة والمساعدة في عملية التربية.
وقع الانفجار بالفعل؟ طرق للسيطرة على العصبية وعدم التمادي فيها
تقدم دكتورة رنا ياسين عددًا من الحيل لخروج الأم من مأزق العصبية وقت حدوثها:
- العد العكسي من 10 لواحد أو من 100 فيما أقل، أو محاولة نطق حروف اسمها الثنائي من الاتجاه المعاكس بغرض تشتيت العقل بعيدًا عن ثورة الغضب من خلال التركيز في زاوية أخرى.
- تغيير وضعية الجلوس أو الوقوف ما يعمل على تحريك الدورة الدموية بشكلٍ أسرع، مما يساهم في عملية التهدئة.
- تهدئة النفس من خلال تمارين التنفس.
- في وقت المشكلة، يفضل عدم التصرف بشكلٍ مباشرٍ، واختيار البعد عن مسببات العصبية أو مكان المشاحنة، فمن الممكن أن تطلب من طفلها فاصلًا زمنيًّا؛ لأنها غاضبة حاليًا ولا تستطيع مواصلة الحديث في تلك الحالة، وبعد فترة هدنة صغيرة يمكن العودة لحل المشكلة، فستجد أن نظرتها للمشكلة قد تغيرت وباتت أكثر وضوحًا، وبتلك الطريقة توصل لأولادها رسالة مهمة وهي: إن مشاعرنا كلها مقبولة، لكن طريقة تصرفنا تجاه المشاعر، ترتبط بقوانين وحكمة في التصرف.
- على الأم تذكير نفسها أن الأولاد لن يكبروا دون الوقوع في الخطأ والتعلم منه، كونها طبيعة بشرية.