في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2019، وبينما كان العرب يحتفون بحلول اللاعب المصري محمد صلاح، خامسًا بين قائمة أفضل 30 لاعبًا في العالم؛ كان هناك إنجاز عربي آخر، ربما لم ينتبه إليه كثيرون، ولم يحظَ بالتغطية المناسبة في وسائل الإعلام العربية. يتمثل في وجود عربي في قائمة «فوربس» لأفضل 30 شابًا، تحت سن 30 عامًا في مجال العلوم لعام 2020، في حدث استثنائي، قلما يحدث أو يتكرر.

الشاب العربي هو المهندس المصري أحمد كرد (29 عامًا)، من محافظة دمياط، تدرج تدرجًا اعتياديًّا في التعليم المصري، دون الالتحاق بمدارس «دولية»، أو جامعات خاصة مصرية، وتخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة.  حيث عمل مُعيدًا ومُنح فيها درجة الماجستير، قبل أن يُسافر إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، ويلتحق بجامعة تكساس، التي حصل منها على الدكتوراه، بعدما جمع بين المجالين الأكاديمي والتطبيقي، حين عمل خلال فترة الدكتوراه مع عدد من أكبر شركات تكنولوجيا الاتصالات في العالم، من أبرزها: «إنتل»، و«كوالكوم».

أحمد كرد الذي يعمل حاليًا، باحثًا في جامعة كولومبيا الأمريكية، بساعات عمل تصل إلى 80 ساعة أسبوعيًّا، تحدث مع «ساسة بوست» عن رحلة نجاحه وأسباب دخوله لقائمة «فوربس»، ومثله الأعلى «الذي لم يكن عالمًا معاصرًا»، ومقارنة بين بيئة التعليم في مصر وأمريكا، وأهدافه المستقبلية، ونصائحه للشباب كي يتمكنوا من تحقيق إنجازات ذات طابع عالمي. وفيما يلي نص الحوار.

1- هل كنت تتوقع انضمامك للقائمة؟ بماذا تشعر كونك العربي الوحيد الذي انضم لقائمة «فوربس» لأفضل 30 شابًا تحت سن 30 في العلوم لعام 2020؟

منذ خمس سنين أو أكثر؟ لا لم أكن أتوقع ذلك إطلاقًا. منذ بضع شهور؟ نعم، رأيت ذلك ممكنًا. أما عن شعوري، فأنا عادة أشعر بمزيج غريب من السعادة والفخر والقلق والشجن في لحظات كتلك.

2- فسّر لنا أكثر لماذا انضممت لهذه القائمة؟

سبب انضمامي هو نتائج أبحاثي خلال فترة الدكتوراه، عندما طوّرت جهازًا يسمح بإرسال الموجات الكهرومغناطيسية واستقبالها في اللحظة ذاتها وعلى التردد نفسه، دون الحاجة إلى مجال مغناطيسي. تطبيقات هذا الجهاز عديدة ومتنوعة، مثل مضاعفة سرعة الأجيال الجديدة من الاتصالات اللاسلكية، وزيادة كفاءة أجهزة الرنين المغناطيسي، وأعمل حاليًا على تطبيق خاص بحواسيب ميكانيكا الكم.

3- حدثنا أكثر عن مسيرتك العلمية وبدايتها في مصر، وكيف ساهمت في الوصول لهذه القائمة؟

تخرجت في كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 2011، ثم عُينت معيدًا بقسم الإلكترونيات والاتصالات الكهربية. خلال سنتي عملي بالقسم أنهيت رسالة الماجستير، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة «تكساس». خلال فترة الدكتوراه عملت أيضًا لبضعة أشهر في شركة «كوالكوم»، ثم انتقلت للعمل في شركة «إنتل». وعملت أيضًا استشاريًّا لمدة عام في شركة «Eureka Aerospace»، وبعد ذلك عملت لفترة بشركة ناشئة، قائد فريق عمل لتطبيق نتائج أبحاثي. أعتقد أن الجمع بين خبرات العمل الأكاديمي والتطبيقي ساهمت كثيرًا في وصولي إلى تلك القائمة.

4-  كم ساعة تعمل أسبوعيًّا؟ 

معدل ساعات العمل الطبيعي في أمريكا هو 40 ساعة أسبوعيًّا، وفي أثناء عملي في الشركات سالفة الذكر كنت أعمل لنحو هذه المدة، ولكن في أثناء عملي بالبحث العلمي تضاعف المدة إلى نحو 80 ساعة أسبوعيًّا. 

5- هل تنوي المواصلة على هذا الكم الكبير من ساعات العمل؟

بالطبع لا أنوي الاستمرار على هذا القدر من ساعات العمل، ولا حتى أستطيع المواصلة عليه، سأبدأ تدريجيًّا في تقليصها إلى المعدل الطبيعي  البالغ 40 ساعة إسبوعيًّا، وسأصل لذلك المعدل في الثلاثينيات إن شاء الله.

6- لماذا سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف ساعدك ذلك على التطور المهني والعلمي؟

سافرت للحصول على درجة الدكتوراه، وكنت أعمل تحت إشراف بروفيسور أندريا ألو مع مجموعة من أفضل الباحثين، ليس فقط علميًّا، وإنما أيضًا إنسانيًّا. الحقيقة أن بيئة العمل كانت أكثر من رائعة، وأحببت مدينة أوستن كثيرًا. أعتقد أن كل ذلك كان له أثر عظيم في تطور شخصيتي كإنسان، ومن ثم كمهندس وباحث.

7- إلى أي مدى شعرت أن البيئة العلمية في مصر مُشجعة لتطوير نفسك؟

الحقيقة أن قسم الإلكترونيات والاتصالات الكهربية بجامعة القاهرة به مجموعة من أفضل العقول العلمية على مستوى العالم، وأنا لا أبالغ في ذلك إطلاقًا. وأعتقد أن تخرجي في هذا القسم ساعدني كثيرًا على أن أتفوق في دراستي بالولايات المتحدة الأمريكية.

8- ما أكثر مقولة تحفيزية تؤمن بها؟

المقولة الحاضرة في ذهني الآن هي لفيودور دوستويفسكي من رواية «الإخوة كارمازوف»، ومفادها: «من المُحزن أن هؤلاء الشباب لا يدركون أن التضحية بالحياة هي في كثير من الأحيان أمرٌ يسير، وأن التضحية مثلًا بخمس أو ست سنين من ذروة شبابهم في دراسة طويلة، شاقة ومرهقة، لمضاعفة قواهم من أجل خدمة الحق والقضية التي نذروا أنفسهم لها، أشد وطئًا وأعظم أثرًا».

9- بماذا تنصح الشباب العربي لتحقيق إنجازات علمية قد تصل لمستوى عالمي؟

أن يهتموا بجوانب مثل الدين، والفلسفة، والفن، والأدب قدر اهتمامهم بالأمور العلمية، وأن يهتموا أيضًا بممارسة الرياضة. هناك مقالة رائعة لجورج أورويل نُشرت عام 1945 بعنوان «ما هو العلم؟» أنصح بشدة بقراءتها.

10- هل تفكر في العودة إلى مصر والمساهمة في مبادرات مصرية أو عربية لتطوير البيئة التعليمية؟

لا أعتقد أني مؤهل لذلك الآن. ربما في المستقبل.

11- من هو مثلك الأعلى في المجال العلمي؟

ليوناردو دافينشي، وإسحاق نيوتن. أما عن المعاصرين فكل من أعرفهم متأثر تأثيرًا كبيرًا بالنظام الرأسمالي؛ لذلك لا أرى في أي منهم قدوة حقيقية. 

12- ما أهدافك المستقبلية التي تسعى لتحقيقها؟

في الحقيقة لا أجد الإجابة عن هذا السؤال ذات فائدة؛ لأن الحياة أعقد بكثير من أن نتصور أننا سنحقق كل أهدافنا. وأعتقد أيضًا أن الرضا الناتج عن إعلان الهدف، وإعجاب الآخرين به، له تأثير سلبي في السعي الحقيقي إليه.

13- كيف تقضي وقت فراغك؟ وما هواياتك المفضلة؟

هواياتي تتغير مع مرور الوقت. فمثلًا قبل الدكتوراه كنت أحب ألعاب الفيديو، ولعب كرة القدم، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الأجنبية و«الإنمي» (الرسوم المتحركة)، ولكن في أثناء فترة الدكتوراه صرت أحب القراءة في الفلسفة وعلم النفس، والاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، وممارسة رياضة الجري.

تحميل المزيد