بعد ثلاثة أعوام من الاضطرابات السياسية، تخلّلتها أربعة انتخابات برلمانية، وحكومات ائتلافية غير مستقرة، واقتصاد يُدار دون إقرار موازنة رسمية؛ تدخل إسرائيل عام 2022 بحكومة مستقرة نسبيًا، وموازنة مالية جديدة، واقتصاد يتعافى من تبعات كورونا.

لكنها أيضًا تدخل عام 2022، وهي تشحذ منظومة التسليح لديها، ملوّحة بتوجيه ضربة عسكرية قاسمة لإيران، قد تُنهي بموجبها طموحاتها النووية. وبغض النظر عن مدى جدية هذه التهديدات، التي تتكرر منذ سنوات عديدة، فإن التصعيد الإسرائيلي – الإيراني، والذي وجد له منافذ أخرى خلال السنوات السابقة (عبر الساحتين السورية واللبنانية، ومن خلال الهجمات العسكرية على السفن في الخليج العربي، وكذلك الهجمات السيبرانية)، قد يخلق موجة من الاضطرابات على الساحة الإسرائيلية خلال عام 2022.

1- إيران وإسرائيل في 2022: هل تل أبيب مستعدة لضرب طهران؟

في الأسابيع الأخيرة تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس عن استعداد إسرائيل ضرب إيران عسكريًا لمنعها من التقدم لبرنامج نووي. وقال نصًا: «لا أستبعد إمكانية أن تتخذ إسرائيل إجراءات في المستقبل لمنع إيران نووية». وأعلن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي أن «التقدم في البرنامج النووي الإيراني دفع الجيش الإسرائيلي إلى تسريع خططه العملياتية لشن هجوم على طهران» مشيرًا إلى أن «ميزانية الدفاع التي تمت الموافقة عليها مؤخرًا تهدف إلى معالجة هذا الأمر». ومن جهته قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن بلاده مستعدة «للعمل بمفردها» ضد إيران إذا شعرت بالحاجة إلى القيام بذلك.

Embed from Getty Images

لا شك أن إسرائيل ترغب في محاصرة إيران سياسيًا، وتجريدها من قواها العسكرية والنووية، ولكن إلى أي مدى هي مستعدة أن تذهب في سبيل هذا الهدف؟ أو بتعبير أدق: هل إسرائيل مستعدة للتخلي عن تكتيك العمليات المحدودة التي تقوم بها ضد طهران، في مقابل تنفيذ عمل عسكري شامل في قلب إيران؟

يشير المحللون أن القيود السياسية والعسكرية على صانعي القرار الإسرائيليين تجعل الخيار العسكري الشامل غير مرجّح خلال عام 2022، أو في المستقبل القريب من الأصل. فالحديث عن ضربة عسكرية إسرائيلية علنية في عمق الأراضي الإيرانية، يعني التغاضي عن قاعدة راسخة منذ عقود تحكم العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تقتضي ألا يمكن لإسرائيل ببساطة تجاهل رغبات ومخاوف واشنطن، والأخيرة لطالما عارضت أي عمل عسكري إسرائيلي من هذا النوع، حتى في أكثر العهود تشددًا في البيت الأبيض.

ففي أثناء رئاسة جورج دبليو بوش، لم يكن لدى إسرائيل «شيك على بياض» لتفعل ما يحلو لها تجاه إيران. وعندما قامت تل أبيب بشراء ذخائر ثقيلة من الولايات المتحدة، حذّر بوش القيادة الإسرائيلية قائلًا: «نحن نعارض تمامًا أي إجراء تتخذه إسرائيل لشن هجوم على المحطات النووية الإيرانية». الحال نفسه استمر في عهد باراك أوباما، والذي أثنى إسرائيل عن توجيه ضربة مفترضة لمنشآت إيران النووية في صيف 2012، واستمر في ضغوطه على تل أبيب حتى جرى توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

هذه الحقائق السياسية تجعل من غير المرجح أن تقوم إسرائيل بشن هجوم علني على إيران، لكن القيود العسكرية التي تواجهها إسرائيل لا تقل أهمية أيضًا. ففي الوقت الذي تذهب فيه التقييمات العسكرية أنه حتى بدون الرؤوس الحربية النووية الجاهزة للإطلاق، فإن إسرائيل قادرة على توجيه ضربات سريعة ومدمرة للقوات المسلحة الإيرانية؛ إذ يمكن للطائرات المقاتلة وقاذفاتها الصاروخية أن تهزم الدفاعات الجوية الإيرانية وقواتها الجوية، وأن أنظمة الصواريخ والدرونز الإيرانية – التي تتمتع بقوة متزايدة ودقة ومدى بعيد – قد لا تغير بشكل جذري ميزان القوى في السماء، إلا أن هذا التفوق الذي يفترضه الخبراء في معارك الجو، سيصبح أقل أهمية بكثير في حالة اندلاع حرب شاملة تجذب القوات البرية الإسرائيلية إلى ساحة المعركة.

فمنذ الأداء الهزيل للجيش الإسرائيلي في حرب لبنان عام 2006، أصبح كبار الضباط العسكريين في إسرائيل مدركين تمامًا أن القوات البرية الإسرائيلية ليست مستعدة لخوض حرب شاملة جديدة، حتى في مواجهة خصوم متوسطة القوة. ورغم خضوع القوات البرية الإسرائيلية للكثير من الإصلاحات منذ ذلك الحين، فلا يبدو أنها كانت إصلاحات جذرية حسّنت من أدائها العسكري، لدرجة أن الجنرال غادي إيزنكوت، في فترة ولايته رئيسًا للأركان العامة للجيش الإسرائيلي، صرّح بعد بضعة أشهر من حرب غزة عام 2014، أنه «وجد القوات البرية في حالة سيئة نوعًا ما… وأن الجيش أصبح سمينًا في العقد الذي تلا حرب لبنان 2006». تصريح مشابه خرج من الجنرال يتسحاق بريك في عام 2018، حين ذكر أن القوات البرية الإسرائيلية غير مستعدة لأي حرب مستقبلية.

إذًا.. كيف تُخطط إسرائيل لمستقبل مواجهتها مع إيران في 2022؟

عطفًا على ما سبق، واستبعاد توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لطهران، فربما لن تتخلى تل أبيب عن عمليات التخريب الإلكترونية أو عمليات اغتيال علماء الذرة الإيرانيين، لكن هذه الأدوات أثبتت أنها قادرة فقط على تعطيل البرنامج النووي الإيراني، لا تدميره. وإدراكًا لهذا يطرح البعض خيار أن تتجه إسرائيل في 2022 إلى رفع الغطاء عن ترسانتها النووية، لتكون رسالة تحذير لقادة إيران.

ستكون البداية من خلال تسريب معلومات حول حجم ترسانة إسرائيل النووية، ثم التدرج بإطلاق المزيد من التسريبات والقصص الإخبارية حول التدريبات النووية والاستعدادات لضرب طهران، وإذا جرى التشكيك في نوايا إسرائيل النووية، فيمكنها أن تتبع النموذج الذي طبّقته الصين في أزمتها مع الاتحاد السوفيتي عام 1969، والتي سُميت «أزمة نهر أوسوري»، حين أجرت بكين آنذاك تجارب نووية علنية وكأنها رسالة تحذيرية لموسكو.

لدى بعض الخبراء قناعة أن هذا التصعيد النووي المُتدرِج ربما ينجح عنه لجم الطموحات الإيرانية، أو تكثيف الضغوط الإقليمية والدولية عليها، لكن في الوقت نفسه، إذا بدأت إسرائيل مشوار الخيار النووي، واكتفت بخطواته الأولى فقط، ربما يفقد هذا التكتيك فعاليته إلى الأبد، وتكون المواجهة العسكرية هي الخيار الحتمي إذا ما أرادت إسرائيل إيقاف إيران.

2- «حكومة مستقرة» في مواجهة نتنياهو المُتحدي

أنتجت الانتخابات الإسرائيلية في مارس (آذار) 2021 ما فشلت فيه ثلاثة انتخابات أخرى (في عامي 2019 و2020) في تحقيقه: حكومة جديدة برئاسة شخص آخر غير بنيامين نتنياهو. لكنها حكومة ائتلافية شكّلها نفتالي بينيت، زعيم حزب «يمينا» اليميني، وتكوّنت من خليط أيديولوجي غير متجانس، يتمتع بأغلبية متواضعة داخل الكنيست. وهذا يفسر سبب امتناعها عن تقديم مبادرات حقيقية في القضايا المثيرة للرأي العام (بما في ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، أو تنظيم مسألة الدين والدولة في إسرائيل).

ومع ذلك أثبت هذا التحالف أنه أكثر مرونة مما توقعه الكثيرون، وسجّل بالفعل بعض النجاحات الجديرة بالملاحظة، والتي كان أهمها إقرار ميزانية جديدة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، تُنهِي ثلاث سنوات من عدم الاستقرار المالي في إسرائيل.

كذلك تمكّنت الحكومة الجديدة من تغيير مضمون الخطاب العام التي تبناه نتنياهو لسنوات، والذي دأب على مهاجمة ممثلي المعارضة بقليل من ضبط النفس، وشيطنة خصومه السياسيين؛ ما جعل الحكومة الجديدة تعبر عن توجهاتها وتفضيلاتها في السياسة الداخلية بمزيد من الهدوء وضبط النفس، رغم أن سياساتها لا تختلف جذريًا عن سياسات نتنياهو.

وعليه يرى الخبراء أن استمرار سياسات حكومة بينيت على هذا النحو في 2022 من شأنها أن تبث الهدوء مرة أخرى إلى الساحة السياسية الداخلية الإسرائيلية، وتقديم تطمينات لشركاء إسرائيل الإقليميين والدوليين، من الإمارات العربية المتحدة مرورًا بمصر والمغرب، ووصولًا إلى الولايات المتحدة؛ مما يُسهِّل البحث عن المزيد من الأساليب التعاونية.

- نتنياهو - الدبلوماسي الإسرائيلي

لكن هناك عوامل قد تُسبِّب لحكومة إسرائيل في 2022 بعض المتاعب، أولها: المخططات الاستيطانية في القدس، وذلك بعدما وافقت لجنة تخطيط محلية في القدس على مصادرة الأراضي العامة لحي «جفعات هاماتوس»، وهو ما من شأنه أن يفصل إلى حد كبير الأجزاء الفلسطينية من القدس الشرقية عن جنوب الضفة الغربية، فيما قدمت اللجنة نفسها خططًا لبناء 470 منزلًا في حي «بسغات زئيف» الحالي في القدس الشرقية.

في غضون ذلك يجري التخطيط لإقامة مستوطنة تضم 3400 منزل على تلة قاحلة خارج القدس تُعرَف باسم (E1)، والتي ستُقسِّم الضفة الغربية إلى قسمين؛ مما يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، أي تدمير حل الدولتين عمليًا.

جدير بالذكر أت هذه التوسعات الاستيطانية يعارضها بشدة حزبي «العمل» و«ميرتس»، في مقابل موقف مؤيد ومُرحِّب من أحزاب «يمينا» و«الأمل الجديد» و«إسرائيل بيتنا»، بل أن بينيت نفسه يُعارض من الأساس أي حديث حالي عن حل الدولتين، وربما تتفاقم هذه الخلافات بما يُهدد مستقبل الائتلاف.

العامل الثاني الذي يُهدد حكومة بينيت، هو استمرار وجود نتنياهو على رأس المعارضة في الكنيست، وهو الذي تعهّد – سابقًا وبشكل علني – بإسقاط حكومة بينيت، من أجل استعادة منصبه مرة أخرى، لكن قدرة نتنياهو على عرقلة عمل حكومة بينيت، ومن ثَمَّ إسقاطها، يرتبط باستمرار تواجده عضوًا في الكنيست.

يرى الخبراء أن نتنياهو قد يلجأ بنفسه إلى التخلي عن عضوية الكنيست، هربًا من التدقيق المالي المفروض عليه في هذا الشأن، وهو الذي تعوّد على حياة الرفاهية طوال سنوات حكمه السابقة، فنجد أنه بعدما ترك رئاسة الوزراء، طلبت منه الحكومة الجديدة إعادة عشرات الهدايا التي تلقاها من زعماء العالم، والتي نفى الاحتفاظ بها من الأساس، لكن لو ترك نتنياهو الكنيست، فلن يواجه مثل هذا التدقيق، بل يمكنه استغلال علاقته الواسعة لاستعادة حياة الرفاهية مرة أخرى، دون رقيب. وفي ضوء نفوذه القوي داخل حزب الليكود، قد يستطيع التخلي عن عضوية الكنيست دون التخلي عن رئاسة الحزب؛ مما يسمح له في أي وقت مستقبلي من العودة إلى ساحات السياسة، وربما رئاسة الوزراء.

3- اقتصاد متعافي تقوده قطاعات التكنولوجيا

وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والذي نُشر في ديسمبر (كانون الأول) 2021، من المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل إلى 6.3% في عام 2021، ارتفاعًا من 5%في آخر توقعاتها، بينما تشير وزارة المالية الإسرائيلية إلى نسبة أكثر تفاؤلًا، وهي 7%.

وتوقعت كذلك منظمة (OECD) نموًا يبلغ 4.9% بإسرائيل في 2022، ونموًا بنسبة 4% في عام 2023. وتشير المنظمة إلى أن ارتفاع توقعاتها بشأن الاقتصاد الإسرائيلي يعود إلى نجاح حملات التطعيم بلقاحات كورونا، وتعافي سوق العمل تدريجيًا، وتلاشي حالة عدم اليقين بشأن الطلب المحلي. وكذلك من المتوقع أن ينخفض ​​التضخم بإسرائيل في 2022 إلى 1.4%، بعد أن وصل إلى حوالي 2.5% خلال عام 2021، كذلك يبدو أن الشيكل سيصل إلى مستويات عالية عالميًا.

وتشير التقارير إلى أن صناعة التكنولوجيا قد لعبت دورًا أساسيًا في هذا التعافي الاقتصادي لإسرائيل، إذ أنه كان القطاع الأكثر ازدهارًا خلال الوباء، مع اتجاه سوق العمل إلى الاعتماد على نمط «العمل من المنزل»، واستخدام تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة. وقد بلغت إيرادات شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى نوفمبر 2021، نحو 25.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 136% عن عام 2020.

وخلال عام 2021 صارت إسرائيل موطنًا لـ79 «شركة أحادية القرن»، أو «شركة يوني كورن»، وهو مصطلح اقتصادي يُطلق على الشركات الصاعدة التي يتخطى رأسمالها مليار دولار، وكذلك عقدت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية عددًا قياسيًا من الاكتتابات الأولية في أسواق الأسهم الأمريكية وفي تل أبيب.

كل ذلك يشير إلى مستقبل مميز لشركات التكنولوجيا في إسرائيل في 2022، الذي ربما يشهد العديد من صفقات الاستحواذ لتك الشركات، ذات التقييم المالي الكبير، والتي تعمل في مجالات: البنية التحتية للبيانات، والأمن السيبراني، والتكنولوجيا المالية.

المصادر

تحميل المزيد