بكلماتها القوية وصوتها الشجي الذي خلد في قلب كل فلسطيني وكل عربي، كانت شيرين أبو عاقلة دومًا تنقل الحقيقة من قلب الحدث، حتى سطرت بتاريخها المهني حكاية القضية الفلسطينية عبر ثلاثة عقود بكل شفافية ونقلتها للعالم بكامل عدالتها، وهو أمر لم يتسامح معه الاحتلال الإسرائيلي أبدًا، فاستهدفته استهدافًا مباشرًا ومن مسافة قريبة للغاية خلال تغطيتها للاقتحام الإسرائيلي لمخيم جنين صباح اليوم، لترتقي شهيدةً، بعد استقرار رصاصة إسرائيلية الصنع والنهج في رأسها وأسفل خوذتها الواقية من الرصاص.
«شيرين قصة كبيرة».. بنت القدس فصلًا من حياة القضية
«أنا بنت القدس، وأحب أن أراها سعيدة»، عبارة جسدت ارتباط الشهيدة شيرين أبو عاقلة بمسقط رأسها في مدينة القدس عام 1971، حامله الجنسية الفلسطينية، لتمضي في مسيرتها التعليمية من القدس إلى الأردن للدراسة والحصول على شهادة البكالوريوس في الصحافة من جامعة اليرموك.
وعادت شيرين أبو عاقلة إلى فلسطين حاملةً أصول الصنعة وعزيمة كشف الحقيقية لتنطلق في العمل بالعديد من الوكالات الفلسطينية والأردنية، وصولًا للعمل في إذاعة «مونتو كارلو» وأخيرًا بقناة «الجزيرة» التي أمضت فيها سنوات شاقة ومشرفة في العمل الميداني التلفزيوني لتصبح صاحبة الصوت المدافع عن فلسطين.
«رغم الخطر نواصل العمل»، عبارة ارتبطت بالصحافية شيرين خلال مسيرتها الصحفية لكشف وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس المحتلة، فيما ينتظر الفلسطينيون والعرب عمومًا، ظهورها على شاشة الجزيرة لمتابعة حديثها، وللاطلاع على المشهد عن قرب ومعرفة حقيقة ما يجري، مما جعلها أيقونة فلسطينية مفعمة بالحقيقة والشجاعة على الرغم من تعبيرها المستمر عن قلقها من الخطر الذي يلاحقها في كل مكان، في وقت لا تفرق القوات الإسرائيلية بين صحافي و مدني، وهو ما جعلها تتوقع أن تتعرض للاستهداف الإسرائيلي أثناء ممارسة عملها منها على مدى سنوات طوال.
ورغم ذلك القلق المشروع، استطاعت شيرين أبو عاقلة أن تجسد عبارتها «لقد اخترت الصحافة لكي أكون قريبة من الإنسان»، في إطار عملها المهني لتصبح صوت الإنسان الفلسطيني المستباح والضحية التي لا يلتفت إليها العالم إلا ليتجاهلها سريعًا، لتصبح واحدة من أكثر مراسلي الجزيرة مُتابعةً من طرف الجماهير العربية، إذ يتابع 50 ألف عربي حسابها الشخصي على «فيسبوك».
فعلى الرغم من سنوات الخبرة الصحفية الطويلة التي وصلت إلى أكثر من 20 عامًا، بعد تخرجها في جامعة اليرموك عام 1997، عملت فيها الصحافية شيرين أبو عاقلة في: «صوت فلسطين»، وإذاعة «مونتو كارلو الدولية» وقناة «الجزيرة»، أصرت شيرين على الاستمرار في العمل الميداني من أجل نقل الحقيقة طازجةً إلى المشاهد العربي، رافضةً العمل المكتبي (على أهميته في العمل الصحفي) من أجل هدف واحد حددته لنفسها في البداية وهو «القرب من الإنسان».
حزن شعبي على فقدان أيقونة فلسطين
استقبل الفلسطينيون خبر استهداف الصحافية شيرين أبو عاقلة بدم بارد على يد قوات الاحتلال بحزن شديد، ودوَّن العديد من الصحافيين الفلسطينيين عبر حساباتهم الشخصية ينعنون زميلتهم التي وصفوها بـ«أيقونة فلسطين» و«فارسة الإعلام»، تمجيدًا لتاريخها المشرف في الإعلام الفلسطيني، فقد دوَّن الصحافي محمد البابا مدير تصوير الوكالة الفرنسية العالمية في غزة قائلًا: «نرفع لك القبعة ونقول بكل شجاعة نهاية مشرفة يا فارسة الإعلام مهما كانت الرصاصة محزنة وفي قلوبنا جميعًا».
بينما نشر رئيس قسم الإعلام في جامعة القدس المفتوحة حسين سعد، واصفًا الصحافية شيرين أبو عاقلة بـ«عين الحقيقة الفلسطينية»، معتبرًا اغتيالها «جريمة بشعة لإسكات الكلمة، وجريمة قتل بدم بارد للصحافة الفلسطينية والعربية والدولية».
فيما نشرت قناة «الجزيرة» عبر موقعها الإلكتروني بيانًا، قالت فيه «في جريمة قتل مفجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وبدم بارد على استشهاد مراسلتنا شيرين أبو عاقلة».
وكانت الشهيدة شيرين قالت في حديث سابق للجزيرة، «إن الاحتلال الإسرائيلي دائمًا ما يتهمها بتصوير مناطق أمنية، وأنها كانت دائمًا تشعر بأنها مستهدفة وأنها في مواجهة كل من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين».
وروت أبو عاقلة «أن من أكثر اللحظات التي أثرت فيها هي زيارة سجن عسقلان والاطلاع على أوضاع أسرى فلسطينيين بعضهم قضى أزيد من 20 عامًا خلف القضبان، حيث نقلت عبر الجزيرة معاناتهم لذويهم وللعالم».
وقد وقع اليوم ما توقعته الشهيدة، إذ استهدفتها قوات الاحتلال مباشرة برصاصة استقرت في أسفل أذنها، في وقت كانت ترتدي الدرع الواقي الذي يظهر هويتها الصحفية والخوذة، خلال تغطيتها أحداث اقتحام مخيم جنين صباح اليوم 11 مايو (أيار) 2022، لتسقط شهيدة فور نقلها إلى مستشفى ابن سيناء بمدينة جنين.
ونقل مدير مكتب الجزيرة في فلسطين عن شهود عيان قولهم إن إطلاق النيران من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي على شيرين أبو عاقلة كان متعمدًا والرصاصة أصابتها أسفل الأذن في منطقة لا تغطيها الخوذة الواقية من الرصاص التي كانت ترتديها.
علامات
الاحتلال الإسرائيلي, الجزيرة, القدس, القضية الفلسطينية, المقاومة, جينين, شرين أبو عاقلة, فلسطين