بعد عقود من الانتظار، قررت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) ووكالة الفضاء الكندية (CSA) إطلاق تلسكوب الفضاء جيمس ويب، في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2021، إذ يخضع حاليًا للاختبارات النهائية قبل عملية الإطلاق، ويعد هذا التلسكوب أقوى مرصد فضائي بناه البشر على الإطلاق، فما قصته؟ وما الهدف منه؟
تلسكوب جيمس ويب.. الحقبة التالية في عالم الفلك
جرى تطوير تلسكوب جيمس ويب (JWST) الفضائي بشكل مشترك بين وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية «إيسا» ووكالة الفضاء الكندية «CSA» كي يخلف تلسكوب «هابل» الفضائي الشهير، وسيجري إطلاق التلسكوب (Ariane VA256)، بعد سنوات من التأخير وبعد أن تجاوز التكلفة المخصصة له بتسعة مليار و200 مليون دولار.
وأطلق البعض على تلسكوب جيمس ويب الفضائي لقب «التلسكوب الذي أكل علم الفلك»، وذلك في إشارة إلى كونه أقوى تلسكوب فضائي بُني على الإطلاق، والذي يمثل قطعة هندسية فريدة تمثل الحدود القصوى لمعرفة الإنسان الهندسية، ويعد بدخول البشر إلى الحقبة التالية في عالم الفلك.
Move over Spider-man! Your friendly neighborhood space agency teamed up with @Google to add a "Webb" to your world.
Search for "James Webb Space Telescope" on a mobile device to see the 3D model. In the Google app, you can place & screencap @NASAWebb. https://t.co/CvHpfQ1jMH pic.twitter.com/51TF30o0eR
— NASA (@NASA) December 10, 2021
وقد بدأ علماء الفلك في مناقشة فكرة وجوب وجود تلسكوب فضائي جديد يخلف تلسكوب «هابل» في تسعينيات القرن العشرين، بعدها، وتحديدًا في عام 2004، بدأ بناء تلسكوب جيمس ويب وكان يفترض أن يحدث أول إطلاق عام 2007، لكن جرى تأجيل الإطلاق ثم وضعت عدة تواريخ للإطلاق لكن لم تنفذ في أعوام: 2009 و2010 و2014 و2018، بسبب التعقيدات المرتبطة بتطويره.
وجاء التلسكوب الذي سُمي على اسم جيمس ويب، مدير وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» من عام 1961 إلى عام 1968، ولعب دورًا أساسيًا في برنامج «أبولو» الفضائي الذي أوصل رواد الولايات المتحدة إلى القمر، نتيجة تعاون دولي كبير ودمج الأدوات والتكنولوجيا الكندية والأوروبية مع التكنولوجيا الأمريكية لوكالة «ناسا».
وعمل على هذا مشروع تلسكوب جيمس ويب أكثر من 10 آلاف شخص، مع رفع الميزانية الخاصة به في نهاية المطاف بمقدار حوالي 10 مليارات دولار، ومن المقرر أن تستمر مهمة هذا التلسكوب لمدة خمس سنوات على الأقل، لكن العلماء يأملون أن تطول إلى 10 سنوات أو أكثر.
NASA's James Webb Space Telescope secured atop rocket ahead of Dec. 24 launch (photos) https://t.co/khoE8ls1XT pic.twitter.com/v5rGCMgCHQ
— SPACE.com (@SPACEdotcom) December 15, 2021
الجانب الليلي من كوكبنا.. إلى مكان لن يصل إليه أحد
من المقرر أن يوضع تلسكوب جيمس ويب في مدار على بعد حوالي مليون ميل (1.6 مليون كيلومتر) من الأرض، أي ما يقرب من أربعة أضعاف المسافة بين كوكبنا والقمر، وعلى عكس تلسكوب «هابل» الرئيسي الحالي الذي يدور حول كوكب الأرض، فإن التلسكوب الجديد سوف يدور حول الشمس وليس الأرض، ضمن مدار يسمح له بالبقاء على الجانب الليلي من الكوكب.
وسيستغرق الوصول إلى هذه المنطقة في الفضاء حوالي شهر، وهي منطقة تعرف باسم نقطة «لاغرانج الثانية» أو «L2» وهي منطقة لم يذهب إليها أي إنسان من قبل، فبينما ترسل «ناسا» رواد فضاء لإصلاح «هابل»، لن يتمكن أحد من الذهاب إلى التلسكوب الجديد لإصلاحه.
«المرآة الذهبية».. لهذا هو الأقوى على الإطلاق
حتى نعرف لماذا هذا التلسكوب هو الأقوى على الإطلاق نحتاج إلى الدخول في بعض التفاصيل المرتبطة بمكوناته وتركيبه، فالمحور الأساسي لهذا التلسكوب يتمثل في مرآته الضخمة، وهي هيكل مقعر يبلغ عرضه 6.5 مترًا، ويتكون من 18 مرآة سداسية أصغر حجمًا، مما يتيح إمكانية التكيف وتغيير شكل المرآة حسب عملية الرصد المطلوبة.
هذه المرآة مصنوعة من مادة «البريليوم» المطلية بالذهب، وهي مُحسَّنة لعكس ضوء الأشعة تحت الحمراء من الأماكن البعيدة للكون، ويحتوي التلسكوب أيضًا على أربع أدوات علمية، والتي تحقق معًا غرضين رئيسيين: تصوير الأجسام الكونية والتحليل الطيفي، لدراسة الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمادة الكونية.
ويحمي غطاء من خمس طبقات كل من المرآة والأدوات العلمية، ويبلغ مساحته حجم ملعب تنس، إحدى الطبقات تتكون من مادة الكابتون، وهي مادة معروفة بمقاومتها العالية للحرارة والبرودة الشديدتين، لأن الجانب المواجه للشمس سيصبح ساخنًا (110 درجة مئوية)، بينما سيصل الجانب الآخر إلى 237 درجة تحت الصفر.
نشر التلسكوب.. أكثر من مهمة شاقة
نظرًا لأن حجم التلسكوب كبير جدًا بحيث لا يتناسب مع المكان الذي يفترض أن يوضع فيه في مقدمة الصاروخ، لذلك سيكون على العلماء وضعه مطويًا بنفس أسلوب الأوريغامي، أو فن طي الأوراق المرتبط بالثقافة اليابانية، وتعد عملية إعادة فتح ونشر التلسكوب معقدة وصعبة، لدرجة تجعلها أكثر عملية نشر شاقة حاولت وكالة «ناسا» القيام بها على الإطلاق.
فبعد حوالي 30 دقيقة من الإقلاع، سينشر هوائي الاتصالات والألواح الشمسية التي تزود التلسكوب بالطاقة، ثم تأتي عملية فتح الغطاء الواقي، بدءًا من اليوم السادس للإطلاق، وفي النهاية سيقوم العلماء بتوجيه أغشية التلسكوب الرقيقة عبر آلية معقدة تتضمن 400 بكرة و1312 قدمًا من الكابلات.
وخلال الأسبوع الثاني، سيأتي دور المرآة لتنفتح أيضًا، وبمجرد فتحها بشكل كامل، ستحتاج الأدوات إلى التبريد والمعايرة، وتعديل المرايا بدقة شديدة، سيستمر هذا طوال أشهر حتى يكون التلسكوب جاهزًا للعمل بعد ستة أشهر كاملة.
النظر في ماضي الكون.. واستكشاف المراحل المبكرة من تاريخه
سيكون لدى تلسكوب جيمس ويب مهمتان علميتان أساسيتان، ستمثلان معًا أكثر من 50% من وقت المراقبة للتلسكوب، المهمة الأولى ستكون استكشاف المراحل المبكرة من التاريخ الكوني، عبر النظر إلى ماضي الكون، وتحديدًا النظر إلى فترة بضع مئات الملايين من السنين فقط بعد وقوع الانفجار العظيم منذ 13 مليار سنة، إذ يريد علماء الفلك أن يروا كيف تكونت النجوم والمجرات الأولى، وكيف تتطور بمرور الوقت، والمهمة الرئيسية الثانية تتمثل في اكتشاف الكواكب الخارجية، أي الكواكب خارج النظام الشمسي، إذ سوف يبحث التلسكوب في إمكانات وجود الحياة في تلك العوالم من خلال دراسة غلافها الجوي.
كل هذه التوقعات تأتي من القدرات الكبيرة للتلسكوب فيما يتعلق بقياساته عبر الأشعة تحت الحمراء، على عكس تلسكوب «هابل» الذي يرصد الكون عبر الأطياف القريبة من الأشعة فوق البنفسجية والمرئية والقريبة من الأشعة تحت الحمراء، سيتمكن التلسكوب الجديد من القياس والرصد عبر نطاق الضوء المرئي طويل الموجة حتى منتصف نطاق الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء.
وتتميز الأشعة تحت الحمراء بقدرتها على اختراق الغبار الكوني بسهولة أكبر، مما يسمح للتلسكوب الجديد بإظهار الكون المبكر المحاط بالغيوم والغبار بشكل أكثر وضوحًا، كما تسمح الأشعة تحت الحمراء للعلماء بالعودة إلى الماضي بسبب ظاهرة تسمى «الانزياح الأحمر» إذ يتمدد الضوء القادم من الأجسام البعيدة مع توسع الكون باتجاه نهاية نطاق الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء من الطيف، كما أن من بين المهام الفرعية الأخرى للتلسكوب، إجراء عمليات رصد عن كثب، في نظامنا الشمسي، للمريخ وقمر «يوروبا» (رابع أكبر أقمار كوكب المشتري).