تأثر اليابانيون بعد طرح «آمي تشان»، الدمية الحفيدة، على المتاجر الإلكترونية، في سبتمبر (أيلول) 2021، وتباهي مبتكرها، تاكارا تومي، بقدرتها على التعرف إلى الوجه، وحفظ الأسماء، واستخدام 1600 كلمة، رافق ظهور الدمية في بيوت المسنين دموع تشتاق لأحفاد ينادون أجدادهم بتهتهات متعثرة، وصاحب الموقف الدرامي تعليقات أشد قتامة نشرها موقع «طوكيو توداي»، مثل: «تخيل أن تشتري واحدة من متجر الأجهزة المستعملة وتواصل ذكر اسم مالكها السابق الذي توفي»، أو «رأيت من قبل امرأة عجوزًا تدفع عربة أطفال بداخلها دمية، كنا نحتاج لمثل تلك الدمية».
يحتقرون الاتصال الجنسي! كم عامًا تبقى على انقراض اليابانيين؟
ينخفض عدد الأطفال المولودين كل عام في اليابان إلى النصف تقريبًا على مدار 40 عامًا حتى عام 2019، لكن تسببت جائحة كورونا في «أزمة وطنية»؛ فقد أدى انخفاض معدل المواليد وطول عمر كبار السن إلى تحول اليابان لأكثر المجتمعات شيخًا في العالم؛ إذ يبلغ عدد كبار السن فوق عمر 65 عامًا نحو 35.9 ملايين شخص، بنسبة 28% من السكان، بارتفاع 8% عن عام 2017، كما انخفض عدد الزيجات خلال عام 2020، بنسبة 12.7% عن عام 2019، وهي أكبر نسبة انخفاض شهدتها اليابان منذ الحرب العالمية الثانية.
تعرف تلك الأمة الآسيوية الصغيرة باقترابها من الهاوية، لكنها لم تتخيل أن تقترب بمثل تلك السرعة التي كشفها فيروس كورونا. وتشهد اليابان هروبًا من العلاقات الإنسانية الحميمية، وظهور ما تطلق عليه وسائل الإعلام «متلازمة العزوبية»؛ فالملايين تحت سن الأربعين لا يتزوجون، أو يتواعدون، ولا يرغبون في ممارسة الجنس، وبدأ القلق لأول مرة عندما بدأ عدد سكان اليابان في الانكماش عام 2006.
نشرت وكالة أنباء «رويترز» في عام 2008، نتيجة دراسة استقصائية، ذكرت أن أكثر من 37% من الأزواج اليابانيين لم يمارسوا الجنس منذ شهر على الأقل، مقارنة بـ32% في عام 2004؛ وكان السبب الشائع الذي قدمه الذكور هو الإجهاد الشديد من ضغط العمل، وكان اقتران الجنس بالألم عذرًا للنساء.
في السياق نفسه، وجدت دراسة استقصائية للمعهد الياباني الوطني لأبحاث السكان عام 2011، أن 61% من الرجال غير المتزوجين و49% من النساء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا لم يكونوا في أي نوع من العلاقات الرومانسية، بزيادة قدرها 10% تقريبًا عن خمس سنوات سابقة، ووجدت دراسة أخرى أن ثلث الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا لم يسبق لهم المواعدة مطلقًا.
وقد شهد عام 2012، ولادة عدد أقل من الأطفال اليابانيين لأول مرة، مقارنة بأي سنة مسجلة، وتفوقت مبيعات حفاضات سلس البول التي يستخدمها كبار السن على حفاضات الأطفال، وكانت الصدمة حين أظهرت الاستطلاعات عام 2015 أن 46% من النساء و25% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا «يحتقرون» الاتصال الجنسي، ولا يبدو أن الأجيال الجديدة تبشر بخير؛ إذ وجدت دراسة وطنية أجريت عام 2017 أن أكثر من 28% بقليل من الطلاب الذكور وأكثر من 30% من الإناث في المرحلة الجامعية، لم يسبق لهم التخطيط لموعد غرامي.
وداعًا أيها الحب
في حين أنه من غير المقبول أن تعلن النساء في اليابان كيفية إرضاء رغباتهن الجنسية؛ يسلك الرجال طريقين مختلفين؛ يسعى بعضهم في الطريق الأول للإشباع الجنسي الفوري والسهل، بممارسة الجنس الافتراضي عبر الإنترنت، أو الاعتماد على أفلام الرسوم المتحركة الجنسية للاستثارة.
أما الجانب الآخر فيفضلون الانسحاب الاجتماعي، ويستبدلون بالحب والجنس وسائل ترفيه «حضارية»، وظهرت معهم تصنيفات لدرجات الانعزال، وسن المنعزل؛ فـ«المنغلقون» هم من يخطون خطواتهم الأولى في الانفصال عن المجتمع، و«العزاب الطفيليون» هم من وصلوا لمنتصف الثلاثينيات من العمر، ويعيشون مع والديهم، دون الخروج لمقابلة فتاة، ويشكل هؤلاء نحو 3 ملايين شخص من بين 13 مليون أعزب.
التصنيف الأكثر شيوعًا في اليابان هو «آكلو العشب»، وهم رجال مغايرون جنسيًّا ولا يهتمون بالجنس، ويرجع ذلك التصنيف لمسلسل «الرجال المؤنثون-otomen» الياباني، وفيه يرتدي البطل الملابس الوردية البراقة، ويحيك الملابس لحيواناته، ويحب الطبخ، ويقيم الصداقات الأفلاطونية، ما مس وترًا حساسًا لفئة تجد المرأة كائنًا جذابًا، لكنهم تعلموا العيش بدون جنس، في خضم ثورتهم ضد هوية الرجل الذكورية «المفترسة للحوم»، لتؤثر ثورتهم في الاقتصاد مباشرة، خاصة أسواق السيارات والخمور.
تعلم من اليابان واحذر ثقافة «العمل الحر»
رفض باحثون في جامعة طوكيو إضفاء طابع الغرابة على السلوك الجنسي الياباني بوصفه سببًا لاحتمالية انقراضهم، وتصوير اليابانيين على أنهم رجال في منتصف العمر يفضلون تخيل الجنس مع بطلة لعبة فيديو على الخروج مع امرأة من لحم ودم، وأشار الباحثون إلى أن الركود الاقتصادي وثقافة العمل اليابانية، والعيوب المتأصلة في أعراف التزاوج، هي الأسباب الرئيسية لافتقاد الشباب الاهتمام بالجنس والعلاقات الحميمية.
شرح فرانك بالدوين في كتابه «اليابان: المستقبل المضطرب» أسباب تأثر اليابانيين بالأزمات العالمية أكثر من غيرهم من الشعوب؛ ففي 11 مارس (آذار) 2011، تسبب زلزال بقوة تسع درجات، قبالة الساحل الشمالي الشرقي لليابان في حدوث تسونامي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وتشريد 600 ألف، وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى الانهيار النووي لثلاثة مفاعلات في محطة فوكوشيما دايتشي النووية.
قبل ذلك، كانت اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، تكافح للتعافي من الركود الاقتصادي الذي شهدته في التسعينيات، والركود العالمي في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008؛ ما تسبب في سقوطها على منحدر زلق، وضياع آمال النهوض.
عرض تحليل لصحيفة «ذي أتلانتيك» سببًا مباشرًا لتراجع معدلات المواليد والرغبة في إقامة علاقات مستقرة في اليابان، وهو قلة فرص الوظائف المستقرة للرجال، في بلد لا يزال يتوقع من الرجل الإنفاق وحده على أسرته.
فإذا فاجأتك معاناة اليابانيين من انعدام الأمان الاقتصادي في بلد ناشط اقتصاديًّا، وتتراجع فيه معدلات البطالة حتى 3%، فلك أن تعرف أن السبب هو تحول اليابان من دولة تؤمن للرجال وظائف حكومية، ومرتبات ثابتة، ونظامًا للتقاعد، إلى دولة يعمل 40% من قوتها العاملة بوظائف مؤقتة، ودوام جزئي، وبدون مزايا الوظائف المستقرة، وبرواتب منخفضة بالطبع؛ إذ انخفض عدد العمال المنتظمين في اليابان من عام 1995 إلى عام 2008 بمقدار 3.8 ملايين فرد، بينما زاد عدد العمال غير النظاميين بمقدار 7.6 ملايين عامل.
نتج من ذلك أن الموظفين المؤقتين لا يُعدون شركاء زواج مرغوبًا فيهم، حتى إذا أراد الطرفان الزواج، وكلاهما يعمل في وظائف غير منتظمة، فمن المحتمل أن يعارض والداهما ذلك؛ حتى صار نحو 30% من العمال غير النظاميين في أوائل الثلاثينيات من العمر متزوجون، مقارنة بـ56% من موظفي الشركات بدوام كامل، وفي الوقت نفسه، لا يتقبل اليابانيون بعد، التقاليد الغربية لبناء أسرة بدون زواج.
الزواج «قبر المرأة» وإن كانت يابانية
إذا شعرت بالأسى لحال المرأة اليابانية، فلك أن تعلم أن قرارها بالامتناع عن الزواج أكثر منطقية؛ مع تراجع احتمالات الزواج برجل قادر ماديًّا، ارتفع عدد النساء العاملات والحاصلات على شهادات جامعية، مقابل الرجال، في الخمسة عشر عامًا الأخيرة، ومع ذلك، يستمر التمييز ضدهن في مكان العمل أو المنزل إذا قررن الزواج؛ فيفرض سوق العمل المؤقت عليهن ظروفًا تجعل من المستحيل عليهن الجمع بين الحياة المهنية والأسرة، بينما لا يمكن تحمل تكاليف الأطفال إلا إذا كان كلا الوالدين يعملان.
صار على النساء الاختيار بين وظائف مؤقتة تجبرهن على العمل حتى 300 ساعة شهريًّا، أو التخلي عن العمل لرعاية الطفل لأن الرجل الياباني لم يتفهم حتى اليوم ضرورة المشاركة في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال، بل يخشى 97% منهم من طلب «إجازة الأبوة» وهي أحد الحقوق القانونية للرجال، خوفًا من فقد وظائفهم، والنتيجة، نساء عاملات بلا أطفال، أو أمهات بلا عمل، وهو الفارق بين اليابان والبلدان المتقدمة الأخرى التي ينخفض فيها معدل الخصوبة، لكنها تدفع النساء للبقاء في أعمالهن بعد الإنجاب.
ليس من المستغرب إذن أن تسجل اليابان مركزًا ضعيفًا في المساواة بين الجنسين؛ فقد احتلت المرتبة 121 من بين 153 دولة في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020، وقد تكون اليابان الدولة الوحيدة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي يتجاوز عدد الحيوانات الأليفة فيها عدد الأطفال.
تكمن الغرابة في أمر آخر، وهو ما نشرته صحيفة «طوكيو توداي»، في عام 2018، من نتيجة استطلاع رأي مثير للجدل، أقرت فيه 75% من اليابانيات بممارستهن الجنس مع ذكر من زملاء العمل، وقالت 45% منهن إن العلاقة كانت جسدية فقط، ولم تقترن بأية مشاعر، فسر التقرير نتائج الدراسة بقصر الوقت المتاح لليابانيين للقاء حبيب أو زوج محتمل بسبب ضغط العمل، فيبني معظمهم دوائره الاجتماعية في العمل، كما تنعدم الموانع الأخلاقية لإقامة علاقة جسدية بين زملاء عمل.
علامات
أطفال, الجنس, اليابان, انقراض, جنس, دمية, علاقة جنسية, علاقة زوجية, كبار السن, كورونا, مسنين, ممارسة جنسية, يابان