مع إقرار الكونجرس الأمريكي قانون (جاستا) «العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) بمقاضاة مسؤولين سعوديين، أفردنا تقريرًا عن المخاوف الأمريكية والسعودية من إقرار ذلك القانون، ولكن يبدو أن تبعات القانون وتداعياته وردود الأفعال عنه لا تزال مستمرة .

مع إقرار الكونجرس الأمريكي قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» (جاستا)، الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، بمقاضاة مسؤولين سعوديين، أفردنا تقريرًا عن المخاوف الأمريكية والسعودية من إقرار ذلك القانون، لكن يبدو أن تبعات القانون وتداعياته وردود الأفعال عنه لا تزال مستمرة.

ولم تصدر المملكة العربية السعودية، رد فعل رسميًا فوريًا، عقب إقرار الكونجرس الأمريكي، في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، قانون جاستا، الذي «يُقلص نطاق حصانة الدول أو الأشخاص الأجانب بالإذن للمحاكم الأمريكية، بنظر قضايا ضد دولة أجنبية في أحداث إرهابية»؛ مما يسمح بـ«رفع قضايا مدنية ضد دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي، لطلب تعويضات عن إصابات أو موت أو أضرار ناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي».

وبعد تحذيرات سعودية متكررة من القانون قبل إقراره، جاء رد الفعل السعودي الرسمي، يوم الاثنين الماضي الموافق الثالث من أكتوبر (تشرين الاول) الجاري، عقد مجلس الوزراء السعودي جلسة ترأسها ملك السعودية، «سلمان بن عبد العزيز»، أعقبه بيان رسمي للملكة أعربت فيه السعودية عن أملها في أن «تسود الحكمة، وأن يتخذ الكونجرس الأمريكي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سن قانون جاستا».

وأفاد البيان بأن اعتماد قانون جاستا، «يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الذي تقوم فيه العلاقات الدولية على مبدأ المساواة والسيادة»، لافتًا إلى أن اعتماد القانون من شأنه «إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبًا على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة».

ويبدو أن الرد الفعل السعوي الظاهر حتى الآن لم يتوقف عند هذا الحد؛ إذ أفاد تقرير لوكالة «بلومبرج» الاقتصادية الأمريكية في اليوم التالي للبيان السعودي، بأن السعودية بدأت سلسلة مفاوضات مع مؤسسات مالية دولية لغرض بيع سنداتها لدى عدد من دول العالم «قبل أقل من أسبوع من إقرار قانون جاستا » بحسب الوكالة التي لفتت إلى ذهاب كبار المسؤولين السعوديين والمديرين التنفيذيين، إلى نيويورك لجذب السيولة النقدية من الخارج.

وقالت الوكالة: إن مسؤولين في بنك «جي بي مورجان تشايس»، الذي يُعد أكبر بنك في الولايات المتحدة الأمريكية للخدمات المالية المصرفية، دخلوا في اجتماعات تستمر ليومين، مع عدد من كبار المسؤولين بوزارة الاقتصاد السعودية، والبنك المركزي، بالإضافة إلى مسؤولين لشركات سعودية كشركة الاتصالات السعودية، و«سابك»، ومجموعة «سامبا» المالية «بي» (P) لمناقشة تبعات قانون جاستا، وأثره على نوايا المستثمرين تجاه المملكة، والرغبة السعودية في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لبلادها؛ وذلك من أجل سد عجز الميزانية الحالي، والذي بلغ 100 مليار دولار، وتمويل خطة التحول الاقتصادي التي تتضمن تقليص اعتماد الاقتصاد السعودي على عائدات النفط، بحسب الوكالة التي أفادت بأن الرياض تدرس بيع سندات بنحو 10 مليارات دولار على الأقل لآجال 5 و10 و30 عامًا.

مصر «تتابع» والسودان وباكستان تدينان.. وتركيا أكبر الداعمين للمملكة

لم يتوقف التعاطي مع إقرار قانون جاستا على السعودية فقط، فعقب إقرار القانون أعلنت الخارجية المصرية أنها «تتابع عن كسب» إقرار القانون، «وتأثيراته المحتملة على مسار العلاقات الدولية خلال الفترة القادمة»، فيما شجبت السودان بوضوح إقرار القانون، باعتباره «ينتهك بوضوح سيادة وحصانة الدول، وقد يدفع بالعالم إلى فوضى تشريعية»، وفق بيان للرئاسة السودانية صدر الثلاثاء الماضي.

ولفت البيان إلى أن «دولًا أخرى قد تلجأ لرفع الحصانة السيادية عن الدول التي لديها قوانين لا تحترم الحصانة السيادية كمعاملة بالمثل، وستلجأ بعض الدول لإقرار تشريعات مضادة».

وفي بيان مشابه، لبيان الخرطوم، اعتبر مجلس الوزراء البحريني، الاثنين الماضي، قانون جاستا مصدر قلق لـ«الحصانة السيادية» للدول، ومخالفته لمبادئ القانون الدولي، فيما أدانت الخارجية الباكستانية ، الأربعاء الماضي، إقرار القانون، وأعربت عن قلقها من إقرار قانون جاستا، مُعتبره إياه «تهديديًا خطيرًا يستهدف سيادة الدولة.

وفي مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، جاء أول رد فعل لتركيا على إقرار قانون جاستا، وهو رد فعل يبدو الأقوى لدعم المملكة ورفض القانون، إذ انتقد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» القانون مُعتبرًا ذلك «أمرًا مؤسفًا» و«خطوة خاطئة»، وقال أردوغان خلال كلمته في البرلمان التركي «ننتظر من أمريكا العدول بأسرع وقت ممكن عن هذه الخطوة الخاطئة، التي من شأنها إثارة جدل خطير حول الحقوق السيادية للدول»، لافتًا إلى أن إقرار جاستا «يخالف بشكل علني مبدأ شخصية العقوبة في القانون الذي يلقى اعتمادًا عالميًا»

ولم يتوقف الموقف التركي عند هذا الحد، إذ أكد «إبراهيم كالين»، المتحدث باسم الرئيس التركي، الثلاثاء الماضي، دعم بلاده للسعودية في معارضة قانون جاستا، ويبدو أن الموقف التركي اتخذ أبعادًا أخرى أكثر جدية، بعدما كشف وزير التنمية التركي «لطفي علوان» عن أن تركيا والسعودية تدرسان خطوات «عملية» لمكافحة قانون جاستا.

وأوضح علوان في حوار صحافي له، أمس الجمعة، أن تركيا تدرس خطوات للرد على قانو ن جاستا، «عبر منظمة التعاون الإسلامي، والدول الأوروبية الحليفة»، لافتًا إلى أن وزارتي العدل والخارجية التركية تُعدان دراسة شاملة حول قانون جاستا، وستعلنان عنها فور الانتهاء منها، وأكد علوان رفض بلاده للقرار باعتباره منافيًا للأعراف والقوانين الدولية، مُضيفًا «لا يجوز اتهام دولة بأكملها جراء محاولة نفضها بضعة إرهابيين خلال أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001»

ولم تُظهر نتائج التحقيقات الأمريكية الرسمية أي تورط لمسؤولين سعوديين فيها، ولكن 15 شخصًا من أصل 19 نفذوا العملية كانوا سعوديين، وهو ما يُثير المخاوف السعودية بشأن مقاضاة أهالي الضحايا لهم، بعد إقرار القانون الجديد، مخاوف تزداد جديتها بعد أشهر قليلة من الإفراج عن تقرير أصدره الكونجرس في 2002، وظل سِريًا حتى يوليو (تموز) الماضي، يتكون من 28 صفحة ويكشف علاقات محتملة بين مسؤولين سعوديين ومنفذي هجمات 11 سبتمبر(أيلول) 2001.

دعوات قضائية متبادلة بعد إقرار القانون

وبعيدًا عن ردود الأفعال الرسمية لإقرار القانون التي جاءت في معظمها منتقدة له حتى من البيت الأبيض نفسه، كان للقانون آثار فعلية على الأرض، من خلال دعوات قضائية متبادلة بدأت مطلع الشهر الجاري، عندما رفعت السيدة الأمريكية «ستيفاني روس»، أرملة الضابط البحري «باتريك دون»، الذي قُتل في هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، أول دعوى قضائية في واشنطن، تتهم فيها السعودية بتقديم الدعم المالي لمنفذي هجمات 11 سبتمبر، بالاستعانة بإقرار قانون جاستا.

وفي المقابل، طالب سياسيون عراقيون من برلمان بلادهم تشريع قانون مماثل، يسمح لأهالي ضحايا الغزو الأمريكي للعراق بمقاضاة مسؤولين أمريكيين تورطوا في جرائم ضد حقوق الإنسان، وأخذ تعويضات منهم، وقال «ناضر الشمري»، رئيس هيئة رعاية ذوي الإعاقة ، إنّ العمليات العسكرية الأمريكية في العراق، منذ عام 2003 أوقعت 359 ألفا و549 قتيلًا.

وفي سياق متصل، قال «ناجح الميزان»، القيادي بالمشروع العربي في العراق، «إن المشروع يُطال مجلس النواب العراقي بتشريع قانون بتشكيل هيئة مستقلة بموجب المادة 108 من الدستور تعني بهذه المسألة باسم الهيئة الوطنية لدعاوى التعويضات وتخصيص ميزانية لها تمكنها من القيام بمهمة استلام الدعاوى المتعلقة بالتعويضات، وتشكيل فريق دفاع دولي أو أمريكي يتولى رفع مثل هذه القضايا الخاصة بالتعويضات أمام القضاء الأمريكي».

عرض التعليقات
تحميل المزيد