هل تنسى الأسماء والمواعيد؟ وتشعر بإرهاق دائم حين تحاول التفكير وتشعر بأنك لست على ما يرام؟ ربما يتعلق الأمر بتدهور اللياقة العقلية الخاصة بك. حسنا، أيهما أهم حين نتحدث عن تطوير العقل، معالجة نقاط الضعف والعجز أم تطوير مناطق القوة؟ تعتبر اللياقة العقلية أو الصحة المعرفية مكونًا رئيسيًا للصحة والعافية بشكل عام، تحتاج -تمامًا كاللياقة البدنية- إلى مجهود من أجل تحسينها بصورة خاصة، عبر مجموعة من الخطوات والتمارين، التي من شأنها تحسين الوظيفة المعرفية والحفاظ على اللياقة العقلية لوقت أطول.
ما الذي تعنيه اللياقة العقلية؟
«تعلمت أن أحب الكلمات، تعلمت ألا أرددها دون فهم أو إدراك، فهم الكلمات ومحبتها كان هو المفتاح السحري الذي يقودني إلى بهجة العقل ونعيم الفهم والتفكير» *علاء الديب- «وقفة قبل المنحدر: من أوراق مثقف مصري»
بحسب الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب حول صحة الدماغ، يبدو أن تلك «الصحة» ليست مجرد نتاج لتجارب الطفولة والجينات الوراثية وحسب، لكنها نتاج لاختيارات المرء وخبراته البالغة أيضًا، فقد شغلت مسألة «اللياقة العقلية» أستاذين في كليتي الطب وإدارة الأعمال في جامعة إيموري، قاما بدراسة حول كيفية تقوية تشريح الدماغ، والشبكات العصبية فيه، ومنع وظائف مثل الذاكرة من التدهور مع التقدم في العمل، ومن ثم تعزيز القدرات المعرفية أو ما يسمى بـ«اللياقة العقلية» والتي يُعرفانها بأنها «حالة من القدرة المثلى على التفكير والتذكر والتعلم والتخطيط والتكيف».
اللياقة العقلية ليست شيئًا جامدًا لا يمكن التحكم فيه، في الواقع يمكن لخيارات نمط الحياة والتمارين العقلية أن تعزز اللياقة المعرفية، مثلًا يظهر تصوير الدماغ أن اكتساب الخبرات الجديدة في مجالات متنوعة كالعزف على التشيللو مثلًا، أو تحدث لغة أجنبية جديدة، أو تعلم قيادة السيارة، من شأنه أن يوسع الأنظمة العصبية ويجعلها أكثر تواصلًا، باختصار يتغير التركيب المادي للعقل عبر تعلم المهارات الجديدة.
لا تكمن أهمية اللياقة العقلية في تجنب التدهور العقلي، لكنها تلعب دورًا هامًا في جعل المرء أكثر استعدادًا لاتخاذ القرارات وحل المشكلات والتعامل مع الضغوط والتغييرات، فيصير المرء أكثر انفتاحًا على الأفكار الجديدة ووجهات النظر البديلة، كذلك القدرة على تغيير السلوك وتحقيق الأهداف، والاستمتاع بالحياة مع تأخير الشيخوخة بالطبع لسنوات.
عوامل الخطر.. ماذا يحدث حين تتدهور اللياقة العقلية؟
«إن الذي لا يفارق بيئته التي نشأ فيها، ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة، فلا ننتظر منه أن يكون محايدًا في الحكم على الأمور». *علي الوردي، من كتاب «مهزلة العقل البشري»
لا تتعلق عملية تدهور اللياقة المعرفية بالعمر، ففي حين يظن البعض أنها مرتبطة أكثر بعمر الشيخوخة، يبدو أن المسألة تتعلق بالشباب بصورة متزايدة، وذلك بحسب دراسة علمية، أشارت إلى أن بعض جوانب المهارات المعرفية لدى الناس -مثل إجراء مقارنات سريعة، وتذكر المعلومات غير ذات الصلة واكتشاف العلاقات بين الأشياء وبعضها- تبلغ ذروتها في عمر 22 سنة تقريبًا، ثم تبدأ في التراجع البطيء بداية من عمر 27 تقريبًا.
الدراسة التي أجراها أستاذ علم النفس في جامعة فيرجينيا بالولايات المتحدة، والباحث الرئيسي في الدراسة تيموثي سالتهاوس، تقول: «جوانب التدهور المعرفي المرتبط بالعمر تبدأ لدى البالغين الأصحاء والمتعلمين عندما يكونون في العشرينات والثلاثينات من العمر، وذلك عبر دراسة شملت ألفي مشارك تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 60 عامًا، بينت أن متوسط تدهور الصحة العقلية يبدأ اكتشافه بحلول سن 37».
لا يشعر البعض بتدهور اللياقة العقلية لديهم، وقد تكون العلامات خفية، وغير ملحوظة بشكل واضح، لكن ثمة علامات توضح معاناة المرء مع التدهور المعرفي مثل:
- نسيان المواعيد المهمة والمناسبات.
- نسيان المحادثات والأحداث الأخيرة.
- الشعور بالإرهاق المتزايد عند اتخاذ القرارات أو رسم الخطط.
- مواجهة صعوبة في فهم التوجيهات والتعليمات.
- فقدان القدرة على تنظيم المهام.
- فقدان الإحساس بالاتجاهات.
- يصبح أكثر اندافعًا.
- فقدان القدرة على تنظيم المهام.
- أعراض اكتئاب وقلق.
- سرعة الانفعال وسهولة تفاقم الموقف.
كيف يمكن الحفاظ على الصحة العقلية؟
إن المطلوب هو حداثة جديدة تتبنى العلم والتكنولوجيا ولا تضرب بالقيم أو بالغاية الإنسانية عرض الحائط. حداثة تحيى العقل ولا تميت القلب، تنمى وجودنا المادى ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث» *عبد الوهاب المسيري- «رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر»
بالاستناد إلى مجموعة أبحاث في مجال علم الأعصاب، تم تحديد أربع خطوات يمكن اتخاذها ليصبح المرء لائقًا معرفيًا:
1- أن تفهم كيف تساهم التجربة في نمو الدماغ
في الواقع تترك التجارب، على اختلافها، بصماتها على العقل، فحين نتعلم شيئًا جديدًا تقوم الخلايا العصبية المشاركة في التعلم بتنمية روابط وتشكيلات جديدة، حتى أن العقل يمكن أن ينتج خلايا عصبية جديدة، فضلًا عن أثر يشبه تناول مضادات الاكتئاب، وكذلك تؤدي التمارين البدنية إلى تغييرات مماثلة، والعكس بالعكس، إذ يؤدي التوتر والاكتئاب والافتقاد إلى التجارب الجديدة إلى الشيخوخة وتحلل الخلايا العصبية حتى الموت!
2- اللعب بجدية شديدة واعتبار اللعب أمرًا هامًا تمامًا مثل العمل
«اعمل بجد والعب بجد» مقولة جرى تأكيدها بشكل علمي على يد البروفيسور لوني أرسن عالم الأحياء بجامعة كوينز في كينجستون بالمملكة المتحدة، يقول: «هناك علاقة قوية بين الاثنين فالدافع للنجاح في العمل هو ذاته الذي يحرك المرء كي ينجح في اللعب، بل أن العلاقة طردية فكلما زاد الاستمتاع في أوقات الفراغ، تعاظم الإنجاز في وقت العمل».
3- البحث عن الأنماط
التعرف على الأنماط والتفكير الاستقرائي هو قدرة خاصة للدماغ البشري ليس فقط على إيجاد الأنماط، ولكن أيضًا لاكتشاف ما توحي به هذه الأنماط حول ما سيحدث بعد ذلك. تعد القدرة على التعرف على الأنماط أمرًا أساسيًا في توقع الأحداث المستقبلية، وتطبيق المنطق البسيط على الأنشطة اليومية، لذا حين يواجه المرء صعوبة في التعرف على الأنماط فإنه يعجز عن القيام بأعماله بشكل جيد، ومن ثم يجد صعوبة في اتخاذ القرارات وكذلك قطع الخطوات بترتيب معين، عامة يمكن تنمية الأمر عقب مجموعة من التمارين والمشاريع التي تثري هذه القدرة، عبر مطالبتهم بإنشاء تنبؤات حول الأحداث المستقبلية أو التطورات التكنولوجية مثال: «ارسم صورة لمدينة المستقبل، ابتكر حلًا لمشكلة ندرة المياة».
4- البحث عن التجديد والابتكار
في الوقت الذي يتجه فيه بعض الناس باستمرار نحو الفضول واستكشاف ما هو جديد، يشعر آخرون بالراحة لما هو موجود ولا يحاولون الذهاب إلى ما هو أبعد، يخضع الأمر لمعايير بيولوجية في المقام الأول، لكنه يفسر الكثير بشأن تصرف البشر في بيئات عملهم، ولكنه أيضًا يساعد المحترفين والمبدعين على فهم أنفسهم وإدارة أنفسهم بشكل أفضل، حيث تساهم مواصلة الإطلاع على كل ما هو جديد ومتقدم والانخراط فيه، المرء، على الحفاظ على لياقته العقلية والمعرفية بشكل أفضل.
أيضًا بحسب كلية الطب في هارفارد، فإن الحفاظ على صحة الدماغ ولياقته المعرفية، يتطلب ست خطوات رئيسية يجب تنفيذها والالتزام بها «معًا» لأنها تمثل أجزاء متساوية من خطة متماسكة للحفاظ على العقل، فالعناصر الستة مجتمعين يساهمون في التحفيز الذهني لتحقيق النتائج، ولكن ما هي العناصر الستة تلك؟
- نظام غذائي نباتي غني بالفواكه والخضروات والحبوب.
- تمارين رياضية بدنية منتظمة لأن العقل السليم في الجسم السليم.
- عادات نوم جيدة.
- الحد من التوتر والتحكم فيه.
- المشاركة الاجتماعية، إذ يحفز التفاعل الاجتماعي الدماغ ويتحداه بطريقة لا تستطيع الأنشطة الفردية القيام بها، ويتضمن مهارات متعددة مثل المعالجة البصرية المكانية للوجوه والإيماءات، واستنتاج دوافع الآخرين، واتخاذ القرار حول كيفية التصرف ضمن الأعراف الاجتماعية، حتى أن الأفراد ذوي الشبكات الاجتماعية الاوشع والأكثر تعقيدًا لديهم لوزة مخية أكبر وأكثر تطورًا وبنى دماغية ذات صلة.
- تحدي العقل باستمرار عبر تمارين مخصوصة لتنمية العقل مثل تلك المدفوعة المتاحة عبر موقع كلية الطب في جامعة هارفارد.