عادت فكرة إنشاء تحالف عسكري شبيه بحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط على رأس المحاور التي توليها الولايات المتحدة أهمية كبيرة، وقد كانت الولايات المتحدة أول من عمل من أجل إنشاء تحالف عسكري شرق أوسطي، حين أعلن رئيسها السابق دونالد ترامب عن سحب الولايات المتحدة يدها من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، ليعلن بعدها عن نيته إنشاء تحالف جديد يسمى «ناتو الشرق الأوسط»، تكون إسرائيل فيه الدولة ذات الأهمية الأكبر والأقوى، بهدف صد التحركات الإيرانية في المنطقة.

يأتي هذا الاهتمام لدى الولايات المتحدة بإنشاء تحالف كهذا من أجل تمهيد السبيل الأنسب لإسرائيل لمواجهة إيران التي تزداد قوة يومًا بعد يوم، وتشعر أمريكا بصعوبة مواجهة إسرائيل «والتي تواجه العديد من الأزمات الداخلية والخارجية» لإيران وحدها، فتسعى بطريقةٍ أو بأخرى إلى الضغط على دول الشرق الأوسط من أجل مساندة إسرائيل في هذه المهمة الصعبة.

تحاول أمريكا في الوقت نفسه تخفيف الضغط الخارجي عليها، فانشغالها في الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع حدة مناوشاتها مع الصين، ناهيك عن الأزمات الداخلية التي تعيشها،  شكل لديها حالة من التشتت على صعيد سياستها الخارجية، ولهذا فهي تسعى إلى تفويض بعض مسؤولياتها لإسرائيل بمساعدة الدول العربية الحليفة.

تواصل إسرائيل من ناحيةٍ أخرى جهودها الحثيثة من أجل التوصل لاتفاق فيما يتعلق بإنشاء تحالف عسكري شرق أوسطي تلعب فيه دورًا رئيسًا، ولعل أهداف إسرائيل من إنشاء هكذا تحالف، لم تعد تقتصر على إثبات وجودها في المنطقة أو على تقوية أواصر التطبيع مع الدول العربية، بل إن توتر العلاقات الإيرانية-الإسرائيلة بشكل ملحوظ في الفترات الأخيرة، بجانب التهديدات المباشرة التي يشكلها حزب الله على أمنها دفعت إسرائيل للجوء إلى الولايات المتحدة من أجل الضغط على الدول العربية للموافقة على إنشاء تحالف عسكري يقف حائلًا أمام الصعوبات التي تضعها إيران في منطقة الشرق الأوسط.

من ناحيةٍ أخرى، أعاد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إبراز هذه الفكرة في تقييماته لقناة «سي إن بي سي» الأمريكية في 24 يونيو (حزيران)؛ إذ قال إنه سيؤيد تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن تكون الفكرة من التحالف وطريقة إنشائه واضحة ومدروسة، وإلا فإن المنطقة ستصل لوضعٍ كارثي.

وبحسب الخبراء ، فإن العاهل الأردني يريد تشكيل تحالف شرق أوسطي جديد بهدف تضييق نطاق نفوذ إيران وقواتها المتحالفة في جنوب سوريا، والحد من أنشطة تهريب المخدرات والأسلحة التي تعمل بها الميليشيات الشيعية في سوريا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وبالنظر إلى تصريحات الملك الأردني، نرى أن إدارة عمان تعد الوجود الروسي في سوريا عنصرًا إيجابيًّا ومصدرًا للاستقرار، وأن الميليشيات على الحدود الأردنية تعد تهديدًا للأمن القومي.

التوازنات المتغيرة في المنطقة

لم تثمر الجهود الأمريكية لتشكيل تحالف عسكري تحت مسميات مختلفة، مثل حلف الناتو العربي أو تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي؛ بهدف كسر نفوذ إيران في المنطقة، ولا يبدو أن المبادرة التي أطلقها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كانت أكثر حظًّا من المبادرة الأمريكية، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن العلاقات بين التحالفات الإقليمية والدولية ومعظم الدول النشطة في المنطقة، لم تكن كما كانت قبل أن يتولى جو بايدن الرئاسة في يناير (كانون الثاني) 2021، لذلك فإن مبادرة وتوقيت العاهل الأردني تواجه نكسات موضوعية تعيق إقامة هذا التحالف.

على سبيل المثال، جددت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا علاقاتها مع سوريا، مما يجعلها أول دولة عربية يزورها بشار الأسد منذ عام 2011، وكونها دولة نشطة إقليميًّا، فقد أعلنت الإمارات رسميًّا موقفها الرافض لإنشاء تحالف عسكري إقليمي مع إسرائيل في 26 يونيو (حزيران)، وهذا ما يدلل على جهود الولايات المتحدة لإنشاء تحالف عسكري مع دول الشرق الأوسط وإسرائيل بهدف مواجهة التهديدات الإيرانية لها، وهذا ما تطرق له جو بايدن إلى هذه التهديدات في خطابه عندما تحدث عن الغرض من حضور القمة في جدة التي عقدت منتصف الشهر الحالي يوليو.

وبالمثل، فإن قطر بدأت بلعب دور الوساطة بهدف حل الأزمة وتخفيف الاختناق الناجم عن الخلافات بين إيران والولايات المتحدة في المفاوضات النووية التي بدأت في فيينا، وقد استطاعت قطر عقد اجتماع ثلاثي مع طهران وواشنطن في الدوحة إلا أنه لم يسفر عن نتائج ملموسة ليتوجه بعدها وزير خارجية قطر إلى طهران، بهدف استكمال جهود إحياء الاتفاق النووي.

كما وأظهر التقارب على خط الرياض-طهران أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يمكن استئنافها بعد وقت قصير من زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية يومي 25 و26 يونيو، وقد توجه رئيس وزراء العراق «الذي استضاف محادثات مباشرة بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين منذ أبريل 2021» إلى إيران بعد السعودية خلال جولته الإقليمية والتقى بالرئيس إبراهيم رئيسي.

علاقات إيران مع دول المنطقة تجعل فكرة التحالف صعبة

تكشف تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عن جدية إدارة تل أبيب في إقامة تحالف عسكري يضم دولًا عربية وخليجية تلعب فيه إسرائيل الدور الأهم، وبحسب تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس وتقارير إعلامية إسرائيلية ، فإن «تل أبيب وضعت أنظمة رادار متطورة في دول الخليج لمراقبة أنشطة إيران في الأسابيع الماضية»، وأن إسرائيل تعمل على إقامة تحالف دفاعي إقليمي بقيادة الولايات المتحدة.

ويشير الخبراء إلى أن الزيارات المتبادلة والمكثفة لدول الشرق الأوسط على مستوى القادة تمت في وقت تصاعدت فيه التوترات بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة مرةً أخرى في المنطقة، مع ملاحظة انخفاض شدة التوترات بين الدول العربية وإيران، وتظهر هذه التطورات أن إسرائيل وحدها هي التي تمارس الضغط على مثل هذه التحالفات الإقليمية، حتى وإن كان ذلك تحت رعاية الولايات المتحدة.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، فقد عقدت إدارة واشنطن، في مارس (آذار) مارس الماضي، اجتماعًا سريًّا في شرم الشيخ بمصر، حضره قادة من دول عربية وخليجية وقادة أميركيون وإسرائيليون، وقد تم مناقشة إمكانية إنشاء تحالف شرق أوسطي بهدف صد التهديدات الإيرانية في المنطقة.

وبالنظر إلى علاقات إيران مع دول المنطقة، ستشكل عُمان وقطر والعراق عائقًا أمام تشكيل حلف عسكري أو سياسي ضد إيران، بسبب علاقات هذه الدول القوية مع إيران على الصعيد السياسي والعسكري، وعبَّرت السعودية عن استعدادها لبدء صفحات جديدة مع إيران من خلال الاتفاقات والمفاوضات الرسمية كما جاء على لسان وزير خارجيتها، كما أن مصر لا تعد إيران خطرًا على أمنها القومي.

لذلك، يبدو أن التغيرات في المنطقة والعلاقات بين الدول تلعب دورًا فاعلًا تترك إسرائيل وحدها في التعامل مع التهديدات الإيرانية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد