هذا مقال يبحث، ويتقصى الحقائق لتأكيد، وإثبات أن: من يعتمد على أمريكا، وحلفائها في الغرب والشرق.. لن يحصد من وراء ذلك، إلا الذل، والمهانة، والخيبة.
وسنثبت بالأدلة القاطعة، صحة هذه القاعدة الحقيقية، الواقعية، المُرَّة.
فمنذ أن انطلقت الثورةُ السوريةُ في منتصف مارس (آذار) عام 2011، أظهرت كثيرٌ من دول العالم، ومنها أمريكا تأييدها – ظاهريًا – للثورة، على اعتبار أنها دول الحرية والديمقراطية، وتنادي دائمًا في كل آنٍ وحينٍ، بتحرير شعوب العالم من الديكتاتورية، والطغيان، والاستبداد.
ومن أجل ذلك، تنادت دولُ العالم كلها تقريبًا، إلى عقد مؤتمرات دولية؛ لبحث الطرق المناسبة؛ لمساعدة الثوار، ودعمهم لإسقاط نظام بشار، وأسمت هذا التجمع الكبير لأكثر من مائة دولة (حلف أصدقاء الشعب السوري).
وبالرغم من أن المبادرة كانت من جانب فرنسا أيام حكم ساركوزي، إلا أنها كانت بتوجيه، وتأييد، وموافقة الماما أمريكا.
لأنه في الحقيقة والواقع لا يجري أي أمر على وجه الأرض، بدون موافقة أمريكا – الحاكم الفعلي لدول العالم أجمع -.
علمًا بأن فرنسا، لها تاريخ أسود مثل القطران.
فقد احتلت سورية لمدة 26 سنة، في أوائل القرن العشرين، وأسست جيش المشرق – مكونًا من طوائف الأقليات الباطنية مثل: الدروز، والإسماعيليين، وبالتحديد من النصريين – وهي التي غيرت اسمهم إلى العلويين؛ لتضليل الأجيال المسلمة، وخداعهم، والإيحاء إليهم؛ أنها فرقة مسلمة، يتصل نسبها بآل البيت.
ثم عندما خرجت من سورية في 17 أبريل 1946، سلمت قيادة جيش المشرق، الذي أصبح فيما بعد اسمه الجيش السوري، إلى النصيريين، علمًا بأنهم كانوا يراسلون فرنسا سرًا، ويطلبون منها البقاء في سورية.
وفرنسا هذه، هي التي عملت مع بريطانيا، على تقسيم الشام، وتمزيق الدولة العثمانية، التي كانت تمتد من البحر الأسود شمالًا إلى بحر العرب جنوبًا، إلى دويلات، تحت اسم اتفاقية سايكس بيكو.
وهي التي اقتطعت أجزاءً من سورية بعد تقسيمها، وضمتها إلى تركيا، أيام حكم كمال؛ لتعويضه عن خسارة أرمينيا، وجورجيا، وأجزاء من اليونان.
مؤتمرات أصدقاء سورية
وانعقدت أولى المؤتمرات في تونس في شهر فبراير (شباط) 2012، ثم تتالت المؤتمرات في إسطنبول، وباريس، ومراكش، وعَمَّان، وروما.. حتى بلغت ستة أو سبعة مؤتمرات.
وكلها كانت تؤكدُ على دعم، وتأييد الثورة، وتأكيد أنه لا مجال لبقاء بشار في الحكم، وإلزامه بالرحيل، تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وتقديم كافة أنواع المساعدات الإغاثية – ما عدا تسليح الجيش السوري الحر حديث التشكل – للمعارضة، وشبكات التضامن المحلية السورية.
وطالبت جميع المؤتمرات تقريبًا، بضرورة تشديد العقوبات على نظام الأسد، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري..
كما عُقد في تلك الأثناء مؤتمر جنيف 1، ومؤتمر جنيف 2 ، الذي طالب بتشكيل هيئة حكم مستقلة انتقالية في سوريا، بدون مشاركة الأسد، وأعوانه في الحكم.
وفي خِضَّمِ هذه البهلوانيات، والمسرحيات، والتمثيليات، والعروض السركية الفكاهية، التي كان يعرضها تجمع أو حلف أصدقاء الشعب السوري، على خشبة مسرح الحياة، كان القتل، والذبح للشعب الثائر، وسفك دمائه يجري على قدم وساق، والدماء الزكية، المُراقة تجري على أرض سورية أنهارًا وبحارًا.
وفي خِضم هذا الهرج، والمرج، واختلاط الحابل بالنابل، والتباس الحق بالباطل، كانت هناك تصريحات إعلامية مخادعة، ومضللة، لتخدير الناس أمثال: لن نسمح بتكرار مذبحة حماة مرة ثانية، ولن يكون للأسد أي وجود، ولا مشاركة في الحكم، ويجب إسقاط نظام بشار حالًا وعاجلًا.
المجازر الكيماوية وردة فعل أمريكا
وفي خِضم هذه الغوغائية الدولية.. جرت أحداث، ووقائع على أرض المعركة، يشيب لهولها الولدان.
وقعت مذابح أشنع، وأفظع من مذبحة حماة بآلاف المرات، وجرت المذبحة الكيماوية الكبرى في 21 أغسطس 2013 في الغوطة، وذهب ضحيتها أكثر من 1500 من النساء والأطفال والشيوخ والمستضعفين.
وجاءت النخوة للرئيس الأمريكي أوباما، واستيقظت عنده الشهامة، والمروءة، فقام بإرسال أساطيله البحرية العملاقة، إلى الشواطئ السورية، مهددًا ومتوعدًا الأسد، بهجوم كاسح، لا يُبقي ولا يذر من نظام بشار وزبانيته، وشبيحته شيئًا، ويعمل على تدميره، وإزالته من الوجود نهائيًا.
غير أن النخوة المصطنعة، والهمة الأمريكية المزيفة، قد فترت بعد أيام قليلة من الجعجعة العالية، والصراخ الذي وصل إلى عنان السماء.
وخفت عزيمة ماما أمريكا على شن هجوم عسكري على النظام الأسدي، ثم ادعى بعض المسؤولين في القيادة السياسية لها، أنه: بما أنه لا يوجد تهديد مباشر لأمن أمريكا، فلا داعٍ لهجوم عسكري، ويكفي إتلاف المخزون الكيماوي لدى النظام الأسدي.
وهكذا مرت هذه الجريمة البشعة النكراء – كما مر غيرها – من قبل، دون محاسبة، ودون أي عقاب، بالرغم من أن موقع الأناضول أشار في أحد تحقيقاته، إلى ما يلي:
( أبلغت الولايات المتحدة، مجلس الأمن الدولي، الخميس، بتورط نظام الأسد في 50 هجومًا على الأقل بالأسلحة الكيميائية ضد شعبه، منذ عام 2011).
(جاء ذلك على لسان نائب المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، خلال الجلسة الدورية لمجلس الأمن، المنعقدة افتراضيا حول الأسلحة الكيميائية في سوريا).
(وقال ميلز خلال الجلسة: «تقدر واشنطن فظائع النظام (..) التي يرتقي بعضها لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بأنها تشمل ما لا يقل عن 50 هجوما بالأسلحة الكيميائية منذ بدء الصراع». 6/5/21).
كما أن فرنسا الحنونة، الودودة، طالبت بفتح تحقيق حول الهجمات الكيماوية، التي حدثت في الغوطة في عام 1013 حسب موقع أخبار أوروبا:
«أعلن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الجمعة أن قضاة تحقيق فرنسيين يحققون في هجمات كيميائية وقعت عام 2013 في سوريا ونسبت إلى نظام الرئيس بشار الأسد، كانت موضع شكوى أودعت في مارس أمام المحكمة القضائية في باريس».
(إثر هذه الشكوى مع تشكل الحق المدني، فتح تحقيق قضائي في نهاية أبريل (نيسان) بتهمة «جرائم ضد الإنسانية» و«جرائم حرب» كما أكد مصدر قضائي لوكالة فرانس برس).
وفي عهد ترامب، حصل هجوم ومجزرة كيماوية أخرى كبيرة، ومتميزة، على خان شيخون بتاريخ 4 أبريل 2017. وغضب ترامب أشد الغضب، وهاج وماج، ووصف بشار بالحيوان، وأعلن النفير العام، وأطلق صواريخه البالستية على مطار الشعيرات، الذي انطلقت منه طائرات الهجوم الكيماوي. غير أنه لسوء الحظ ، وقعت معظم الصواريخ في أرض صحراوية قاحلة، ولم تحقق أية إصابة. وانتهى ضجيج ترامب، كما انتهت عربدة سابقه أوباما، بكل هدوء وسكون، وكأن شيئًا لم يحصل.
هذا وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 217 هجمة كيماوية، نفذها نظام الأسد على المدنيين العزل في سورية، منذ بدء الثورة في 15 مارس 2011 وحتى تاريخ 21 أغسطس 2018 فقط.
وتأتي المهزلة الكبرى، والسخرية العظمى، لما يُسمى (قانون قيصر) والذي تم إقراره في الكونجرس الأمريكي في نهاية 2019، ووقع عليه ترمب، بعد مداولات، ومباحثات، ومناقشات طويلة، استغرقت سنوات عديدة، من تقديم أكثر من 50 ألف صورة، قدمها عسكري انشق عن النظام الأسدي، وأطلق على اسمه قيصر.
ويسمى هذا القانون أيضًا بحماية المدنيين، ويتضمن فرض عقوبات اقتصادية، وتقنية على نظام بشار، ويعاقب كل من يساعده – سواءً كانت دولًا أو شركات -. وبالرغم من أنه قد مضى الآن أكثر من سنتين على تطبيقه، فما الذي أضر بالنظام الأسدي؟! ولا شيء البتة!
ونستمر في سرد حوادث لها أهمية بالغة في نصرة الثورة، مثل: وصول شاب سوري يافع اسمه عمر الشغري، الذي اعتقل، وعُذب في سجون بشار، أوائل الثورة، ثم خرج منها، وتمكن بفضل الله أولًا، ثم بشطارته، ودهائه من الوصول إلى مجلس الأمن في أوائل كانون الأول 2021، وشرح بشكل مفصل عن مسالخ أقبية سجون بشار.
وكذلك تمكن بعض السوريين، من الوصول إلى الكونجرس الأمريكي، في نفس الشهر، الآنف الذكر، وتحدثوا عن جرائم الأسد، غير أن أحدهم واسمه سعد فنصة يقر بوجود تيار قوي في أمريكا، يحمي الأسد. ويقول: «ما يجري في واشنطن هو حرب أشباح». «وأي وعود يقدمها الأمريكيون هي وعود فارغة».
ثم جاءت حادثة حفرة التضامن، التي كشفتها صحيفة الجارديان البريطانية، قبل شهرين، وأحدثت ضجة إعلامية كبيرة.
وأخيرًا – وليس آخرًا – ظهر إلى الوجود حفار القبور كما تقول: «cnn العربية».
«حفار قبور» سوري يكشف للكونجرس عن فظائع.. ويحذر: الأسوأ لم يأت بعد.
وقابل الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي، وشرح بالتفصيل كيف كان يدفن مئات الجثث يوميًا.
بعد هذا السرد شبه المفصل، لموقف ماما أمريكا وحلفائها، هل بقي ثمةُ شكٍ، أو ريبٍ، بأنهم كلهم متواطئون مع نظام الأسد، ومؤيدون له، وداعمون لبقائه؟!
وأن تصريحاتهم الإعلامية لمناصرة الثورة، ليست إلا خُلبيةً، وكاذبةً، ومضللةً، ومخدرةً، وخادعةً، وأن من اعتمد على أمريكا ذَلَّ، وضَلَّ، وقَلَّ، ومَلَّ، واختلَّ..
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست