ظروف وفاة الرئيس السابق محمد مرسي خلال إحدى جلسات مُحاكمته في ضوء تعرضه لمُضاعفات صحية، نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرض له على خلفية منعه من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة، بناءً على عدد من التقارير والأدلة، أدت إلى إعادة فتح النقاش مُجددًا حول الأوضاع الصحية في السجون، وخصوصًا تجاه أشخاص بعينهم يمرون بظروف صحية متدهورة تدهورًا حادًا.
الدولة المصرية «تصم آذانها» عن نداءات مرسي
يحاول البعض تفسير وفاة محمد مرسي «قدريًّا» دون تدخل من أحد؛ فالرجل، من وجهة نظرهم، مات «طبيعيًّا» أثناء حضوره إحدى جلسات مُحاكمته، ويستندون في ذلك لعامل كبر السن (68 عامًا)، والأمراض التي أصابته قبل دخوله السجن، والانتقال بعد ذلك لتوظيف هذه العوامل السابقة من أجل تبرئة النظام المصري من ضلوعه في «القتل البطيء» لمرسي، وصرف الأنظار عن اتهامات الإهمال الطبي التي لاحقت السلطات المصرية في أعقاب حادثة الوفاة.
محمد مرسي خلال حضوره جلسة مُحاكمة سابقة له
غير أن هذه المُبررات تسقط أمام مجموعة من الحقائق والمعلومات المُثبتة التي تنتهي لنتيجة حول أدوار النظام المصري في ما انتهت إليه الحالة الصحية لمحمد مرسي، على مدار سنوات سجنه، وكذلك المُضاعفات الحادة للأمراض التي كان يتعايش معها قبل سجنه.
أول هذه الحقائق كانت مكان احتجازه في سجن انفرادي، منذ 3 يوليو (تموز) 2013، بحيث يظل محتجزًا لمدة 23 ساعة يوميًّا دون تواصل مع أحد، إلى جانب منع عائلته من زيارته، وهو الحق المكفول وفقًا للقانون لأي سجين، بصرف النظر عمن هو، أو عن حالته، أو عن انتمائه السياسي، كما تنص اللائحة الداخلية للسجون. وبينما تُلزم اللائحة الداخلية إدارة السجون بحق السجين في زيارة عائلته مرة واحدة شهريًّا، تجاهلت السلطات النص القانوني، وشددت الزيارات على مرسي، إذ لم تزره عائلته سوى أربع زيارات فقط خلال خمس سنوات من عام 2013 حتى نهاية عام 2018، كانت الأخيرة منها بعدما رفعت عائلته قضية من أجل السماح لها بالزيارة بوصفه حقًّ طبيعيًّا.
منع الزيارات من جانب السلطات المصرية امتد للجهات الدولية الحكومية كحال رفض طلب من جانب لجنة من أعضاء مجلس العموم البريطاني طالبت الحكومة المصرية، في شهر مارس (آذار) 2018، بالسماح لها بزيارة مرسي في السجن للوقوف على ظروف احتجازه، وحالته الصحية.
الواقعة الأهم في تقاعس السلطات المصرية عن توفير الرعاية الصحية الضرورية لمرسي هي المُناشدات التي صدح بها أمام القضاة الذين يُحاكمونه، مناديًا بحقه في الرعاية الصحية، وذلك في إحدى جلسات القضية المعروفة إعلاميًّا بـ«اقتحام السجون»، والتي انعقدت في يونيو (حزيران) العام قبل الماضي. حين حذر مرسي قائلًا: «أخشى من جرائم ترتكب ضدي تؤثر على حياتي»، نافيًا صحة تقرير حكومي يتحدث عن «استقرار حالته الصحية». وأوضح أنه «يتعرض لجرائم (لم يحددها) ترتكب ضده في محبسه تؤثر على حياته، ومنها تعرّضه لغيبوبة كاملة يومي 5 و6 يونيو الجاري، ويريد مقابلة دفاعه لكي يطلعهم عليها». وفي يونيو 2017، تقدم محامي مرسي ببلاغ للنائب العام لتمكين موكله من العلاج، مُتهمًا السلطات المصرية بـ«الإهمال الصحي في حقّه».
إلى جانب العوامل السابقة، ظهرت تقارير وأدلة من جانب جهات دولية، تقول: «إن غياب الرعاية الطبية اللازمة يؤدي إلى تدهور حاد في حالة مرسي الصحية عمومًا؛ مما قد يسفر عن الوفاة المبكرة». وأوضحت كذلك أن «أن مرسي لا يتلقى رعاية طبية ملائمة في محبسه، خاصة مع إصابته بمرض السكري وأمراض في الكلى».
وتحت عنوان «حياة مرسي في خطر»، نشرت صحيفة «تايمز» البريطانية تقريرًا، في مارس العام الماضي، نقلًا عن لجنة برلمانية بريطانية مُستقلة، أن مرسي يعاني من أمراض في الكبد والسكر وضغط الدم وقصور في عمل الكلى، وقد يموت في وقت مُبكر من جراء المعاملة القاسية التي يتعرض لها في سجنه الانفرادي، وعدم حصوله على الأدوية والرعاية الطبية اللازمة.
وتحدثت آنذاك كريسبن بلانت، رئيس اللجنة التي تضم محامين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، لـ«تايمز»، قائلة إن «مرسي إذا لم يتم تقديم الرعاية الصحية له، فإن الضرر الذي يترتب عن ذلك قد يكون دائمًا أو يؤدي للوفاة».
ضحايا محتملون للإهمال الطبي في سجون مصر
مرسي ليس الوحيد الذي شكلت ظروف احتجازه عاملًا أساسيًّا في وفاته، نتيجة للإهمال الطبي، إذ سبقه قبل ذلك سجناء آخرون بتهم تتنوع بين الجنائي والسياسي، كان من بينهم فريد إسماعيل، القيادي الإخواني، الذي مات بسبب جلطة دماغية نقل على إثرها إلى المستشفى، وكذلك المُرشد السابق مهدي عاكف، الذي تقدّمت أسرته، قبل وفاته، بالتماس إلى «المجلس القومي لحقوق الإنسان» ووزارة الداخلية، لنقله إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية في محبسه. ولا تزال ظروف الاحتجاز داخل السجون عاملًا أساسيًّا في تدهور الحالة الصحية لمئات من السجناء نستعرض أبرزهم، استنادًا لتقارير وشهادات ذويهم.
عبد المنعم أبو الفتوح.. محروم من العلاج ومهدد بالموت
يُعد عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب «مصر القوية»، على رأس من تدهورت حالتهم الصحية خلال فترة السجن، في ضوء افتقاره لحقوقه الأساسية من الرعاية الصحية. وتستند التقارير التي تتحدث حول التدهور الحاد للحالة الصحية لأبي الفتوح بعدما تعرض لذبحة صدرية مرتين، خلال أقل من أسبوع في أبريل (نيسان) 2018، وفق ما ذكره ابنه حُذيفة، الذي شكا وأسرته من عدم تمكينهم من تسليمه الطعام والعلاج وموادًا إعاشية.
تضم هذه الشهادات كذلك بلاغ شخصي تقدم به أبو الفتوح لإدارة السجن، بخط يده، خلال إحدى جلسات محاكمته، اتهم فيه إدارة السجن بـ«ممارسة التعذيب النفسي، ووضعه في زنزانة انفرادية»، على الرغم من أنه ما زال متهمًا ولم يصدر ضده حكم نهائي. وكان آخر شهادة وردت بشأن حالته الصحية ما كشفه نجله أحمد عن تعرض حياة والده المحبوس لخطر وشيك، نتيجة الإعمال الطبي وفقر الرعاية الصحية.
أبويا عايش فى سجن معزول عن البشر ممنوع من أى وسيلة تشعره بالحياة ،أقل الحقوق المشروعة ممنوع منها بقيت الإجابة الطبيعية…
Geplaatst door Ahmed AboulFotouh op Vrijdag 14 juni 2019
وقال أحمد أبو الفتوح في تدوينة: «في آخر زيارة لأبي (لم يحددها) قال لي إنه تعرض لذبحة صدرية اليوم اللي قبله ومرت بسلام ولولا أنه طبيب يحاول إسعاف نفسه كانت النتيجة ستكون مختلفة». وأوضح أن «هناك رفضًا مستمرًا من الأجهزة الأمنية لخروجه لإجراء الكشف وعمل فحوصات طبية»، واصفًا ذلك بأنه «قتل بطيء».
البلتاجي في مرمى انتقام السلطات
ينضم محمد البلتاجي، القيادي بجماعة الإخوان المُسلمين، لقائمة الأشخاص التي أصبحت حياتهم في خطر، بعد مُضاعفات أدت إلى تدهور حاد في صحتهم نتيجة للإهمال الطبي وضعف الرعاية الصحية. إذ كانت واقعة تعرض البلتاجي لجلطة دماغية، العامل الأهم في مسلسل التدهور لحالته الصحية منذ سجنه، وقد سبقت هذه الواقعة شكاوى مستمرة من البلتاجي أمام هيئة المحكمة التي يُحاكم أمامها من أجل اتخاذ اجراءات عاجلة طبية لتوفير الرعاية والعلاج له.
محمد البلتاجي مع مُرشد الإخوان السابق محمد بديع داخل زنزانة خلال حضورهما جلسة مُحاكمة
وفي بيان صادر عن عائلته، الممنوعة من زيارته منذ ثلاثة أعوام، بسجن العقرب، ذُكر أن «آثار الإجهاد الواضح بدت عليه، وصولًا لتأثر ذراعه بذلك وعدم قدرته على تحريكها، وقالت العائلة: «إنها تحمل النظام المصري ووزارة الداخلية ومصلحة السجون والنائب العام المسؤولية الكاملة عن حياة البلتاجي».
بالتزامن مع هذه التقارير المستندة لشهادات سجناء حالين مع البلتاجي ومحاميه، تروج الصحف المصرية لتقارير تنافي هذه الحالة كما دأبت مع مرسي، إذ عممت تقريرًا طبيًّا تقول فيه «إن المذكور واعٍ ومدرك للزمان والمكان والأشخاص والحالة الذهنية مستقرة، والحالة العامة مستقرة، وأن المذكور يتم متابعته طبيًّا بصفة دورية كسائر النزلاء بالسجن، علمًا بأن القطاع به مستشفيات مُجهزة لعلاج النزلاء، وصرف الأدوية الازمة لعلاجهم».
الموت البطيء يلاحق رئيس محكمة النقض السابق
إلى جانب الأسماء السابقة، تُشكل الحالة الصحية للنائب السابق لرئيس محكمة النقض، وأحد قيادات تيار «استقلال القضاء» محمود الخضيري، (79 عامًا) والمحبوس بسجن العقرب، واقعًا خطيرًا، خصوصًا في ظل تقدم عمره، وقد سُجن الخضيري على ذمة قضية تعذيب أحد المحامين داخل شركة سياحية بميدان التحرير، إبان ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وسبق للخضيري أن أجرى عملية قلب مفتوح في 30 يوليو 2015 بمستشفى قصر العيني.
وفي وقت سابق، شكت ابنة الخضيري من الإهمال الطبي بحق أبيها؛ إذ تم «منع الأدوية لمدة يومين كاملين عن والدها»، مشيرة إلى أن منها «أدوية للضغط ومنظم لضربات القلب؛ ما أدى إلى تدهور حالته الصحية وتم نقله إلى المستشفى للعلاج». وبعد انقضاء مدة عقوبة الخضيري في قضية التعذيب، اكتشف إدراج اسمه في قضية «إهانة القضاء»، وصدر بحقه حكم جديد، ورُفض الطعن المقدم من جانبه.