إلى أي مدى يمكن لعقولنا وأفكارنا وقدرتنا على التخيل؛ أن تؤثر تأثيرًا ملموسًا في أجسادنا؟ من المعروف طبيًّا أن التفكير الزائد في الأفكار السلبية له القدرة على زيادة معدل ارتفاع ضغط الدم لدى الشخص الذي يعاني من هذه الأفكار، ما يعني أن تلك الأفكار قد تحرك مسار الدورة الدموية في الجسد والتأثير فيه.
مرة آخرى تخبرنا حقيقة مرض القولون العصبي، أن للعقل وافكاره المتوترة تأثيرًا سلبيًا على قولون الإنسان وأمعائه، لندرك في النهاية أن العلاقة بين أفكار العقل وما يحدث في أجسادنا هو أمر غير منفصل، ولكن هل يمكن أن نستخدم تلك الحقيقة لصالحنا؟
نسبة كبيرة من النساء في أنحاء العالم يواجهن ازمة في الوصول إلى هزة الجماع (الأورجازم) في كل مرة يمارسن فيها الجنس مع شركائهن، خاصة النساء اللاتي تعرضن للختان، فهل يمكن للمرأة؛ استخدام العقل فقط للوصول لهزة الجماع؟
العقل بوابة المتعة الجنسية!
في دراسة نشرت في ابريل (نسيان) من العام الجاري 2022، تحت عنوان «A Case of Female Orgasm Without Genital Stimulation» أو «الوصول لهزة الجماع لدى النساء دون تحفيز الأعضاء الجنسية»؛ وقد ناقشت هذه الدراسة حالة واحدة لسيدة تعاني من التشنج المهبلي، وهو مرض يصيب المهبل ويتسبب في أن تكون الممارسة الجنسية مؤلمة لمن تعاني من المرض.
كان هدف الدراسة هو الكشف عن مدى قدرة تلك المرأة على الوصول لهزة الجماع دون أي تحفيز لأعضائها التناسلية، وقد استطاعت بالفعل المرأة المشاركة في الحالة – 33عامًا- أن تصل إلى الأورجازم باستخدام عقلها فقط، وفق ما ورد في الدراسة، باستخدام ما يعرف بـ«تمارين التانترا» وهي كلها تمارين عقلية تعتمد على التخيل والتأمل.
وتمارين التانترا هي نوع من أنواع اليوجا، فكلمة «تانترا» في اللغة السنسكريتية – لغة هندية قديمة – تعني «منسوجين معًا» أو «نسيج واحد»، وهي دلالة على التناغم اثناء ممارسة الجنس بين الرجل والمرأة، حيث يتوحد الشريكان جسديًّا وروحيًّا في نسيج واحد حتى يتحولا إلي كيان روحاني واحد منسوج بدوره مع القوى الكونية العليا أو الاله، وفق مصطلح التانترا الهندي. ووفق مدربي اليوجا ومعلمي التأمل، فكل من جرب تمرينات التانترا شعر بتطور العلاقة مع شريكه، سواء في حياتهم الجنسية أو في الحياة اليومية العادية؛ إذ يشعر كل منهما بأنه يذوب في الآخر، ولكن أيضًا للتانترا تمارين يمكن أن يمارسها الإنسان وحده من خلال التخيل والتنفس السليم.
ومن أشهر هذه التمارين: أن تقوم بتصفية ذهنك تمامًا من كل مشاغل اليوم التي تغرقك بالقلق، وتمارس تمارين التنفس المعتادة الخاصة بالتأمل، وبعد ذلك ابدأ في تمرين العضلة التي تقع ما بين فتحة الشرج وعضوك التناسلي «العجان». يمكنك استخدام تمارين كيجل الشهيرة لهذا الغرض أو من خلال إرخائها وتقليصها بنفسك وأنت جالس، ومع عصر تلك العضلة خذ نفسًا عميقًا للداخل، ومع إرخائها أخرج هذا النفس من فمك وأخرج معه كل التوتر والقلق، مارس هذا التمرين حتى يبدأ شعور من اللذة والدغدغة والوخز الخفيف يغزو جسدك بالكامل. إذا مارست هذا التمرين يوميًّا قد يساعدك بعد فترة للوصول إلى النشوة الجسدية الكاملة في اثناء ممارسة الجنس مع شريكك.
لن يكون الختان عائقًا
في دراسة أخرى أقدم من السابقة بـ30 عامًا، إذ نُشرت عام 1992 تحت عنوان «Physiological Correlates of Imagery-Induced Orgasm in Women» أو «الارتباطات الفسيولوجية للصور المستحثة للنشوة الجنسية لدى النساء»، أثبت مؤلفو الدراسة أن النساء لديهن القدرة على الوصول إلى هزة الجماع من خلال تخيل واسترجاع صور مثيرة أو ذكريات جنسية سابقة دون الحاجة إلى أي تحفيز جسدي أو لمس الأعضاء الجنسية.
على جانب آخر، لا يعد الوصول إلى الأورجازم أو القذف بفعل التمارين العقلية، فكرة جديدة أو غريبة على العلم، فعلى سبيل المثال مكن للأحلام التي تدور في عقولنا أثناء النوم أن تقود الجسم – سواء لرجل أو امرأة- أن يصل للأورجازم أو القذف أثناء النوم، كمان أن هناك بعض حالات من الأورجازم التي سجلها العلم والتي يطلق عليها «هزات جماع وهمية» لمن يعانون من الشلل النصفي، والتي يكون العقل وحده هو المسئول عنها.
وقد نشرت هذه النتائج في السبيعنيات من القرن الماضي تحت عنوان
«Phantom Orgasm in the Dreams of Paraplegic Men and Women» أو «هزة الجماع الوهمية في أحلام الرجال والنساء المصابين بشلل نصفي»، مع العلم أن تلك النتائج وصل لها الأطباء عن طريق الصدفة، فلم تكن موضع الدراسة أو التجربة، بل هو أمر لاحظوه يحدث بشكل فطري لدى المرضى الذين يشاركون في دراسات أخرى تخص مرض الشلل النصفي، ووجدوا أنها نتائج مهمة وتستحق النشر بشكل منفصل، لمدى دلالتها على دور العقل في الوصول إلى المتعة الجنسية.
ووفق تصريح طبيب النساء والتوليد، د. نعمان أبو الوفا لـ«ساسة بوست»، تعد تلك رسالة واضحة لكل النساء اللاتي يجدن صعوبة في الوصول للأورجازم بسبب تعرضهن للختان في طفولتهن، فإذا كان الإنسان المصاب بالشلل النصفي قادر على الوصول لهزة الجماع بعقله فقط، وهو يفتقد الإحساس بنصفه السفلي كاملًا، فلن يكون من الصعب على المرأة التي بتر جزء من بظرها في عملية الختان، أن تصل إلى هزة الجماع من خلال بعض التدريبات الذهنية.
التحكم في العقل يحل أزمة «البرود الجنسي»
قد لا تكون المرأة تعاني من أي مشكلات جسدية أو هرمونية تمنعها من الوصول إلى النشوة أثناء ممارسة الجنس مع شريكها، وقتها يكون السبب في الأساس عقليًّا أو ثقافيًّا، أو عدم قدرة الشريك على إثارتها بالشكل الكافي قبل الإيلاج ما يجعل ممارسة الجنس مؤلمة للمرأة، ومن ثم لا تصل لهزة الجماع، وعليه، يقول د. أبو الوفا، إن بعض المعقتدات في المجتمع قد تمنع المرأة عن الشعور بالمتعة الجنسية، ولذلك ليس غريبًا أن يكون للعقل دورًا مهمًّا في وصول المرأة لهزة الجماع.
في دراسة نشرت عام 2013 تحت عنوان: «Effects of Mindfulness Training on Body Awareness to Sexual Stimuli: Implications for Female Sexual Dysfunction» أو «آثار تدريب الذهن على وعي الجسم بالمحفزات الجنسية»، أشارت هذه الدراسة إلى أن معظم المحاولات الطبية التي استهدفت علاج البرود الجنسي لدى المرأة أو ما يطلق عليها علميًّا «Female Sexual Dysfunction»؛ كانت تلك العلاجات تستهدف العوامل الجسدية والتشريحية فقط، في حين – تشير الدراسة- أن التركيز على العامل النفسي والعقلي لم يكن قويًّا.
وقد كان هدف الدراسة هو استكشاف مدى قدرة التدريبات العقلية والتأمل على علاج البرود الجنسي لدى المرأة، وشارك في هذه الدراسة 30 امرأة في مدة دراسة وصلت إلى 12 أسبوعًا انخرط فيها الباحثون في تسجيل التغيرات الجسدية للمشاركات بناءً على ممارستهن للتأمل، بغرض الوصول للأورجازم من خلال العقل فقط، وقد أثبتت الدراسة في نتائجها أن المشاركة التي كان لديها قدرة أكبر على الانفصال عن الواقع الخارجي وممارسة التأمل بشكل صحيح؛ زادت قدرتها على الوصول للأورجازم أو استشعار الإثارة بشكل أفضل.
هنا والآن!
تلك الدراسة تشير إلى نقطة مهمة، وهي مدى تأثير قدرة المرأة على التركيز في الممارسة الجنسية مع شريكها، والانغماس في اللحظة؛ على قدرتها في الوصول إلى الأورجازم خلال الممارسة الجنسية، وهو ما أشارت له دراسة نشرت في عام 2011،«Distracting Thoughts Block Women from Orgasm» أو «تشتت الأفكار يمنع النساء من الوصول لهزة الجماع».
قد تكون الأفكار المشتتة هي بعض التقاليد الاجتماعية التي قيدت خيال الأنثى وصنعت أزمة فكرية بين عقلها ومتعتها الجسدية، ربما تكون مشاغل الحياة العادية مثل العمل والأطفال والأزمات الاقتصادية، أو أي سبب آخر، وما أثبتته تلك الدراسة أن تدريب العقل على الانفصال عن تلك المشتتات في لحظة ممارسة الجنس مع الشريك قد يكون له نتائج مضمونة في وصول المرأة للأورجازم أكثر من مرة في العملية الجنسية، وهذا من خلال تدريب عقلها على أن تكون «هنا والآن» دون أي أفكار مشتتة، وهو أمر يمكن أن تتدرب المرأة عليه خارج العملية الجنسية من خلال التأمل العادي وحده.
قد يظن البعض أن وصول النساء للأورجازم هو مجرد رفاهية أو متعة مؤقتة، لكن ما يجب معرفته، هو أن لهزة الجماع فوائد جسدية كثيرة، فمن المعروف علميًّا أن هزة الجماع تحفز إفراز هرمون الإندورفين، وهو واحد من الهرمونات المسؤولة عن تحسين الحالة المزاجية، وتزيد كذلك إفراز هرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون المرتبط بالنجاح وتحسين الأداء الاجتماعي للفرد.
كما أن هزة الجماع تحفز الجسم على إنتاج هرمون الإستروجين بمستويات صحية ما يحافظ على صحة المهبل، وتحمي أيضًا من الإصابة بهشاشة العظام وأمراض القلب، ويمكن للمرأة أن تحرق حتى 200 سعر حراري خلال ممارسة تصل مدتها إلى نصف ساعة من العلاقة الحميمة التي تتضمن هزات الجماع المتعددة أيضًا.