يتصدر وسم «أنقذوا مخيم الركبان» مواقع التواصل الاجتماعي، للحديث عن سوء أوضاع الآلاف من سكان المخيم، ونقص المياه المخصصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى 40 درجة مئوية.

ويعود سبب هذه الحملة إلى إعلان منظمة «عام أفضل» المسؤولة عن توزيع المياه والإشراف على ذلك في الجهة الشرقية من المخيَّم، في أواخر شهر مايو (أيار) 2022، أن منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، ستخفض حصة مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية، من المياه إلى النصف، ويأتي هذا التطور بالتزامن مع الحصار الذي يفرضه النظام السوري على المخيم منذ سنوات.

ويعاني سكان المخيم الذي يقع ضمن بقعة جغرافية تقع على المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسوريا جنوب شرق البلاد، وينحدر معظم القاطنين فيه من أرياف الرقة ودير الزور وحمص وحماة، ومعظمهم من النساء والأطفال، من نقص كبير في المياه الصالحة للشرب والاستخدام، وسط مخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض، خاصةً مع انتشار العقارب والثعابين في محيط المخيم الواقع في منطقة صحراوية.

الموت البطيء أو الخروج المحفوف بالمخاطر

بلغت ذروة عدد النازحين في مخيم الركبان منذ إنشائه بشكلٍ عشوائي عام 2014، نحو 110 آلاف شخص، لكن الحصار المفروض على المخيم وإغلاق الحدود الأردنية في وجه النازحين عام 2015 قلَّص بشكلٍ كبيرٍ عددَ النازحين على مدى السنوات التالية، حتى وصل عددهم إلى 8 آلاف شخص، إذ اضطر العديد من سكان المخيم إلى المغادرة فرارًا من ظروف الحصار، إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وذلك رغم الأخطار والممارسات الأمنية الانتقامية التي قد يتعرضون لها في تلك المناطق.

Embed from Getty Images

ففي العام الماضي، تلقى سكان المخيم وثيقةً من الأمم المتحدة و«الهلال الأحمر» السوري تفيد بدعمهم الرحيل الطوعي على عدة دفعات لمدة ثلاثة أشهر: سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وذلك لمساعدة الراغبين في مغادرة المخيم إلى المناطق التي يختارونها، وتضمنت الوثيقة بشكلٍ صريحٍ رفض توفير الحماية أو الدعم للنازحين العائدين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.

وجاء في الوثيقة وفق ما نقله «المرصد الأورومتوسطي»، أن: «مسؤولية أمن وسلامة الأفراد (النازحين) تقع على عاتق الجهات المسيطرة وحكومة الجمهورية العربية السورية، والأمم المتحدة والهلال الأحمر دائمًا يذكران الجميع بذلك»، مؤكدةً عدم وجود ضمانات سيجري توفيرها للمغادرين.

تأتي هذه الوثيقة على الرغم من تأكيد التقرير الرابع والعشرين للجنة الأمم المتحدة لتقصِّي الحقائق بشأن سوريا، الصادر في سبتمبر 2021، أن «البلاد غير صالحة لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة».

وقد علَّق أنس الجرجاوي، مدير العمليات في «الأورومتوسطي»، خلال تصريح صحفي في أبريل (نيسان) 2022، قائلًا إنه «لأمر مخزٍ أن يترك آلاف النازحين بدون طعام أو إمدادات طبية في بيئة صحراوية قاحلة وظروف مناخية قاسية، وهذا التخلي يعكس إخفاقًا أخلاقيًّا هائلًا لجميع الأطراف المعنية».

تشديد النظام للحصار

منذ عام 2018، والأوضاع الإنسانية في المخيم تتدهور بشدة، وذلك بعد أن أعلن الأردن أنه لن يسمح بإيصال المساعدات إلى المخيم عبر أراضيه، وبدأت دمشق في اتخاذ إجراءات صارمة بشأن طرق التهريب إلى المخيم، ما أدى إلى توقف تدفق البضائع، باستثناء ثلاث شحنات من المساعدات سمحت دمشق بدخولها إلى المخيم في الأعوام الثلاثة الماضية. وكانت آخر قافلة مساعدات قد أرسلتها بعثة مشتركة بين الأمم المتحدة والصليب الأحمر السوري، في فبراير (شباط) 2019، فيما لا توجد أي منظمات غير حكومية تعمل رسميًّا في المخيم.

Embed from Getty Images

من جانبه، طالب عبد المجيد بركات، أمين سر اللجنة السياسية لـ«ائتلاف قوى المعارضة السورية» – الممثل السياسي للمعارضة السورية – الأمم المتحدة بإعادة النظر في قرار تقليص إمدادات المياه الصالحة للشرب إلى مخيم الركبان، كما دعا إلى العمل بفاعلية لضمان حياة كريمة لآلاف الأسر في مخيم الركبان الواقع تحت حصارٍ مشددٍ من قبل قوات النظام السوري.

وقال بركات، في حديثه لـ«ساسة بوست»، إن «حصار نظام الأسد لمخيم الركبان للاجئين أدَّى إلى خلق أزمة غذائية وصحية تهدد الحياة وتتطلب تدخلًا عاجلًا من قبل الأمم المتحدة»، لافتًا إلى أن النظام يواصل تشديد الحصار على مخيم الركبان كما فعل في السابق مع عدة مدن وبلدات سورية بهدف السيطرة على المخيم والانتقام من سكانه.

وأشار بركات إلى أن سكان المخيم يواجهون الآن خطرين: نقص المياه والغذاء والإمدادات الطبية، واعتقال وتعذيب في حال سيطرة النظام السوري على المخيم، وقال: إن «الأمم المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة عن سلامة العائلات المحاصرة في المخيم».

عربي

منذ 10 شهور
روسيا تدعم استلام نظام الأسد كل المساعدات الدولية.. ما الذي يعنيه ذلك؟

رئيس المجلس المحلي في المخيم، محمد الدرباس، بيَّن لـ«ساسة بوست»، كيف يعيش المخيم حصارًا عسكريًّا، إذ يحد المخيم من جهة الشرق كلٌّ من العراق والأردن، فيما تقع على زاويته الشمالية قاعدة «التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية» التي تأسست عام 2016، وأغلب قواتها من الجنود الأمريكيين والبريطانيين.

ويحاصر المخيم وفقًا للدرباس، 95 نقطة عسكرية ثابتة، عناصرها من القوات الروسية تساندها قوات النظام، من الشمال الغربي حتى الجنوب الغربي للمخيم، تبعد كل نقطة عن الأخرى بمقدار اثنين إلى خمسة كيلومترات، إذ تحظر قوات التحالف على هذه القوات الاقتراب من قاعدتها بمسافة 55 كيلومترًا – وهي التي يقع فيها المخيم – وفي حين لا يُسمح لأي شخص بمغادرة المخيم نحو الدول الإقليمية، فإن المغادرة إلى مناطق النظام السوري يحتاج فيها الفرد إلى موافقة أمنية وورقة «تسوية» يستغرق صدورها نحو شهر، دون ضمانات أمنية للشخص حتى بعد إصدار الورقة.

هل الأمم المتحدة متواطئة؟

يشير الدرباس، إلى أن النظام السوري يسعى إلى تفكيك المخيم، فالتدابير المتخذة من النظام لتسهيل عودة اللاجئين إلى بلادهم، وترويجه بأن عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم تعزز الأمن في سوريا، تتنافى تمامًا مع ما يحدث في مخيم الركبان، إذ وفقًا لحديث الدرباس، فإن «الحصار يهدف إلى إجبار اللاجئين على العودة إلى مناطق سيطرة النظام، والنازحين هنا يرفضون العودة خوفًا على حياتهم، وكثير من أهالي المخيم الذين عادوا إلى مناطق النظام تعرضوا للقتل أو اعتقال أو اختفاء».

Embed from Getty Images
بعد توقف دخول المساعدات الدولية إلى المخيم منذ عام 2019، إثر رفض النظام السوري نقل المساعدات للمخيم، بات الطعام الذي جلبه المهربون إلى المخيم آخر شريان الحياة المتبقي لسكان المخيم البالغ عددهم 8 آلاف نسمة، فوفقًا لحديث الصحافي السوري المقيم في المخيم، عماد غالي، لـ«ساسة بوست»، فإن أغلب المواد الأولية كالدقيق وحليب الأطفال والخضراوات والأرز والبرغل والزيت، لم تعد تتوافر في المخيم.

ساهمت الأمم المتحدة بنقل العديد من النازحين في مخيم الركبان نحو مناطق النظام السوري منذ عام 2018، بعدما أدَّى اتفاق دولي بين روسيا والأردن، إلى الضغط على أهالي المخيم للعودة إلى مساكن مؤقتة أشبه بالمعتقلات، وفق ما وصفتها تقارير إعلامية، وقد وثق تقرير صادر عن منظمة «العفو» الدولية عام 2021، التعذيب والاختفاء القسري والعنف الجنسي الذي تعرض له عشرات اللاجئين السوريين عند عودتهم إلى مناطق سيطرة النظام.

ووفق التقرير، فقد جرى اعتقال ما لا يقل عن 10 أفراد ممن عادوا من مخيم الركبان، تعرض ثلاثة منهم للتعذيب أو سوء المعاملة، واختفى اثنان قسرًا، وقُبض على 174 عائدًا آخرين وأحيلوا إلى محاكم «الإرهاب»، على الرغم من الضمانات التي قدمها النظام وروسيا.

وقد اتهمت «الجمعية السورية لكرامة المواطن» – حركة حقوقية مدنية مقرها تركيا – مكتب الأمم المتحدة في سوريا ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على وجه التحديد بالمسؤولية عن إبلاغ السوريين بالواقع عند العودة، بدلًا من العمل بوصفهم «متواطئين» في العودة المبكرة وغير الآمنة.

وأشارت الجمعية إلى حالات متكررة لعائدين جرى تضليلهم بشأن الواقع على الأرض بمعلوماتٍ غير دقيقة، فضلًا عن تورطهم المباشر في مثل هذه الإعادة «من خلال إرسال شاحنات فارغة لنقل الأشخاص إلى مناطق سيطرة النظام في حمص».

الأردن وأمريكا يديرون وجههم لنازحي الركبان

منذ عام 2014، انهارت الجهود الدولية للتخفيف من أزمة الركبان إلى حدٍّ كبيرٍ، مما ضغط على الأردن لتحمل المسؤولية الكاملة؛ ومع ذلك، يرفض الأردن، معتقدًا أن فتح حدوده أمام سكان المخيم سيخلق مشكلاتٍ سيتعين عليه في النهاية مواجهتها بمفرده.

في البداية، بذل الأردن جهودًا كبيرةً لمعالجة أزمة الركبان المتفاقمة من خلال تقديم المساعدة، ومنح مجموعات الإغاثة وصولًا إلى المخيم في عام 2016؛ لكن هذه الخيارات كانت محدودة؛ وذلك لأن معبر الركبان لا يعد معبرًا حدوديًّا رسميًّا بموجب قرار الأمم المتحدة 2449، والجهات الفاعلة التابعة للأمم المتحدة ليست قادرة قانونيًّا على عبور الحدود إلى سوريا لمعالجة سكان المخيم.

يقول الدرباس، إن جميع المنظمات الإنسانية تحتاج إلى إذن من كلٍّ من الحكومة الأردنية والأمريكية قبل السماح لها بدخول المنطقة، نظرًا إلى أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة يسيطر على المنطقة المنزوعة السلاح التي يبلغ طولها 55 كيلومترًا والمعروفة باسم «التنف» والتي يقع فيها مخيم الركبان، كما أن الأردن لم يسمح بإيصال المساعدات إلى مخيم الركبان عبر أراضيه منذ عام 2018، إذ يعد المخيم «مسؤولية يجب أن تتحملها سوريا والمجتمع الدولي»، وفقًا لوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي.

في المقابل، ترى أمريكا أن معاناة نازحي مخيم الركبان مسؤولية النظام السوري، ومن ثم فإن الظروف القاسية هناك هي إحراج للنظام، وفقًا لوصف المبعوث الأمريكي السابق الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري.

ويوافق جيفري في الفكرة ذاتها، روبرت فورد، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا من 2011 إلى 2014، الذي قال في مارس (آذار) 2020: إن «المدنيين السوريين هم مسؤولية دمشق»، لكنه يرى أن الوجود العسكري الأمريكي هناك يفرض على واشنطن حماية المدنيين أيضًا.

من جهته، يقول رئيس «مجلس عشائر تدمر والبادية» – مجلس يضم عشائر المناطق الوسطى في سوريا تأسس عام 2017 ويعيش معظم أعضائه في مخيم الركبان ومناطق المعارضة السورية- ماهر زيد، لـ«ساسة بوست»، بينما يسعى التحالف الدولي في دعم فصيل «مغاوير الثورة» – مجموعة من المنشقين عن قوات النظام تأسس في نوفمبر (تشرين الثاني)  2015 تشرف عليه القوات الأمريكية – عسكريًّا وماليًّا، على بعد أمتار منهم مدنيون يموتون جوعًا.

فوفق وثيقة لوزارة الدفاع الأمريكية للسنة المالية لعام 2023، كشفت عن أن عدد السوريين الحاصلين على رواتب من «البنتاجون» للقتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وصل إلى 16 ألفًا، وستسعى إلى زيادة عدد المقاتلين في العام المقبل 2023 إلى 19500 مقاتلٍ.

عربي

منذ 10 شهور
«زوّار سيرحلون»: لماذا يرفض السوريون العودة للاستقرار في بلادهم؟

وطبقًا لما نشره مدير الأبحاث في مركز «العمليات والسياسات» – مؤسسة أبحاث مستقلة مقرها في تركيا – والباحث غير المقيم في معهد «الشرق الأوسط»، الدكتور كرم الشعار، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فإن إجمالي الإنفاق على البرنامج كاملًا يصل إلى 155 مليون دولار، بواقع 35 مليون دولار أمريكي، ستذهب في العام الحالي إلى تدريب هؤلاء المقاتلين وتسليحهم، كما ستنفق 120 مليونًا إضافية على رواتبهم، ودعمهم اللوجستي، إلى جانب إصلاح البنى التحتية اللازمة لعملهم، وسيُرفع المبلغ المطلوب عام 2023 إلى 184 مليون دولار.

وقال الشعار، «للمفارقة المحزنة، يذهب جزء من التمويل الأمريكي وفق هذا البرنامج إلى (قوات مغاوير الثورة) التي توجد في قاعدة «التنف»؛ وبالرغم من إنفاق عشرات ملايين الدولارات على هذه العمليات العسكرية والمقاتلين الموجودين هناك، يعيش ما يقارب الـ10 آلاف مهجر سوري ظروفًا معيشية لا تليق بالبشر على بُعد بضعة كيلومترات فقط في مخيم الركبان».

الحياة في مخيم الركبان

حاليًا وطبقًا لحديث المقيمين في مخيم الركبان لـ«ساسة بوست»، فإن المياه لا تكفي حتى لثلث المخيم، ونتيجة نقص المياه وخوف الآباء من موت أطفالهم، اندلعت معارك بالأسلحة النارية أكثر من مرة بين الناس من أجل الحصول على المياه.

تعيش العديد من العائلات في الركبان على وجبة واحدة يوميًّا، فيما يفتقر سكان المخيم أيضًا إلى الرعاية الطبية، خاصةً بعد إغلاق عيادة اليونيسف الوحيدة في المخيم عام 2020 والتي لم يُعَدْ فتحها مطلقًا، ونتيجةً لذلك، أصبح عددٌ من الأمراض والآفات متوطنةً في الركبان، وتفاقمت بسبب سوء التغذية، وفق ما قاله الدرباس لـ«ساسة بوست».

يعاني العديد من السكان بسبب عدم قدرتهم على شراء الطعام من شكلٍ من أشكال سوء التغذية، وتوفي عددٌ غير معروف من الجوع، ووفق التحديث الأخير الذي أصدرته اليونيسف في شهر مارس (آذار) 2020، فإن قرابة 100% من الأطفال دون سن الخامسة الذين ذهبوا إلى العيادة يعانون من سوء التغذية.

ويقول الدرباس، لا تتوفر خدمات عامة تقريبًا في مخيم الركبان، باستثناء المياه التي يجري توفيرها عبر خط أنابيب من قاعدة عسكرية أردنية على الجانب الآخر من الحدود تديره اليونيسيف، ومن أجل سد الفجوة في الخدمات المفقودة، لجأ السكان إلى حلول قصيرة المدى وغير صحية، على سبيل المثال، بسبب نقص الوقود، يحرق السكان القمامة والبطانيات للتدفئة أو طهي وجباتهم.

كما لا توجد شبكة كهربائية داخل المخيم، يقوم السكان الذين لديهم بطاريات سيارات بتجهيز أنظمة تحويل الطاقة منهم لشحن هواتفهم وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، وكذلك لتوفير الإضاءة في الليل، في حين يعيش 80% من سكان المخيم بلا كهرباء ليلًا.

وعلى الرغم من الظروف المعيشية السيئة والافتقار الفعلي للعلاج الطبي، يرفض معظم سكان المخيم المغادرة، لأنهم يخشون تعرضهم للاعتقال أو التعذيب من قِبل قوات النظام في حال عودتهم إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد