توجد ممارسة الانتحار العسكري في الكثير من الثقافات، إلا إن مُمارسة السيبوكو (seppuku)، المقصود بها «الموت الشريف»، هي أحد الطقوس اليابانية الفريدة التي يختص بها رجال الساموراي، الذين كانوا يعتقدون أن الروح البشرية موجودة في المعدة، وكانوا يظنون أن صنع شق مفتوح في المعدة هو أكثر الطرق مُباشرة وشجاعة للموت.
لذلك، كان السيبوكو امتيازًا محفوظًا للساموراي. فقد كان العامة ينتحرون شنقًا أو غرقًا، ويمكن لنساء الساموراي قطع حناجرهم، أما السيبوكو بشق البطن فهو للساموراي الذكور.
تُعدُّ مُمارسة السيبوكو إحدى أكثر الطرق ترويعًا وألمًا لإنهاء حياة المرء. انطوت الممارسة على عملية طقسية للغاية لقتل الشخص لنفسه باستخدام خنجر أو سيف قصير، استمرت الممارسة لقرون من الزمان في الجيش الياباني، وكانت متبعة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
المعنى الحرفي لكلمة «سيبوكو»
تعني كلمة سيبوكو في اليابانية «إبعاد النفس»، والمقصود بها أيضًا «الموت الشريف»، لأنه الطريقة الشريفة التي يتخلص بها رجال الساموراي، أو الطبقة العسكرية في اليابان الإقطاعية، من حياتهم.
يُعرف السيبوكو أيضًا باسم «هارا كيري»، وهو ما يعني حرفيًّا: «قطع البطن»، لكن نادرًا ما تُستخدم هذه الكلمة، وعلى الرغم من كونها معروفة على نطاق واسع لدى الأجانب، فإن اليابانيين يُفضلون استخدام مصطلح سيبوكو.
طرق تنفيذ السيبوكو
كانت الطريقة الصحيحة لتنفيذ السيبوكو، والتي تطورت على مدى عدَّة قرون، هي غرس سيف قصير في الجانب الأيسر من البطن، لقطع المعدة ثم رفع النصل إلى أعلى لضمان جرح قاتل، كانت هذه الطريقة وسيلة انتحار مؤلمة وبطيئة للغاية؛ لذلك فُضِّلت في ظل قانون بوشيدو «Bushidō»، والذي يعني طريق المحارب، وكان عبارة عن مجموعة من القوانين الأخلاقية التي كان يتبعها المحاربون في اليابان أثناء العصور الوسطى.
فضَّل قانون بوشيدو طريقة السيبوكو لأنها طريقة فعَّالة لإثبات شجاعة الساموراي، وضبطهم الذاتي، وعزمهم القوي، وإثبات صدق هدفهم في الموت.
جرى تطوير السيبوكو لأول مرة في القرن الثاني عشر، لتكون وسيلة للساموراي لتحقيق موت مُشرف لتجنب الأسر بعد الهزيمة في ساحة المعركة، واستُخدم أيضًا وسيلةً للاحتجاج وطريقة للتعبير عن الحزن على وفاة زعيم موقر أو قائد محبوب.
ابتداء من القرن الرابع عشر، تطور السيبوكو ليصبح شكلًا شائعًا من عقوبة الإعدام للساموراي الذين ارتكبوا جرائم أو مخالفات، سواء أكانت حقيقية أو مُتصورة لدى السلطة.
وأيًّا ما كان سبب تنفيذ السيبوكو، فالثابت أنه كان يُعد عملًا يدل على الشجاعة الشديدة والتضحية بالنفس التي جسَّدها قانون بوشيدو، كان سيبوكو عملًا مهمًّا، ليس فقط لسمعة الساموراي نفسه، ولكن أيضًا لشرف عائلته بأكملها ومكانتها في المجتمع.
تنفيذ السيبوكو التطوعي والإجباري
كان هناك نوعان من السيبوكو: تطوعي وإجباري، يُمكننا استعراضهما على النحو التالي:
-
السيبوكو التطوعي:
تطوَّر السيبوكو التطوعي خلال حروب القرن الثاني عشر ليصبح طريقة انتحار المحاربين الذين هُزموا في المعركة، والذين اختاروا بمحض إرادتهم تجنب العار الناتج من الوقوع في أيدي العدو.
في بعض الأحيان، قام الساموراي بأداء السيبوكو للتعبير عن الحزن وإثبات الولاء للقائد المُتوفى باتباعه إلى الموت، أو لتكفير الساموراي عن الفشل في أداء واجباته.
ومن أمثلة تنفيذ السيبوكو التطوعي في اليابان الحديثة، تنفيذ عدد من الضباط العسكريين والمدنيين للسيبوكو في عام 1945، بعد أن واجهت اليابان الهزيمة في نهاية الحرب العالمية الثانية.
-
السيبوكو الإجباري:
يُشير السيبوكو الإلزامي إلى تنفيذ عقوبة الإعدام للساموراي لتجنيبهم خزي أن يقطع رأسهم جلاد عادي. كانت هذه الممارسة سائدة من القرن الخامس عشر حتى عام 1873، حين أُلغيت.
عادةً، كانت الطقوس تقام بحضور شاهد تُرسله السلطة التي أصدرت حكم الإعدام. كان الساموراي السجين يجلس عادة على حصيرتين من حصير التاتامي، وهي حصيرة يابانية أرضية تصنع بنسج سيقان الأعشاب، ويقف خلفه الشاهد، وتوضع طاولة صغيرة تحمل سيفًا قصيرًا أمام السجين.
وفقًا للتقاليد، عندما يشعر الساموراي بأنه جاهز، يفك ثنايا ثوبه، ويكشف عن معدته. ثم يرفع السكين بيد واحدة، ويضبط الغمد على جانب واحد. بعد تحضير نفسه ذهنيًّا، كان يُحرِّك السكين إلى الجانب الأيسر من معدته، ثم يوجهها إلى اليمين. ثم يُدير النصل في جرحه ويرفعه إلى الأعلى.
لم يضطر معظم الساموراي إلى تحمل هذا الألم الأخير؛ فقد كانت تُقطع رقبته عند ظهور أول علامة على الألم، لكن يجب أن يكون القاطع ماهرًا جدًّا في ضربة السيف لتحقيق قطع الرأس المثالي، المثالية هنا تكمن في ترك وصلة صغيرة من الجلد مثبتة في مقدمة العنق حتى يسقط الرأس للأمام ويبدو وكأنه مُحاط بذراعي الساموراي بعد موته.
يجب أن يحافظ الساموراي على رباطة جأشه حتى وهو على حافة الموت، ويُظهر القوة والتحكم الكامل على عقله وجسمه في لحظاته الأخيرة.
المثال الأكثر شهرة على السيبوكو الإلزامي هو قصة الساموراي السبعة وأربعين، الذين انتقموا لمقتل قائدهم بقتل مسؤول حكومي رأوا أنه تورَّط في قتل قائدهم، وهو ما أدى إلى إجبار السلطة لهم على تنفيذ السيبوكو، وظهرت هذه القصة لاحقًا في العديد من المسرحيات والصور المتحركة والروايات.
مكان تنفيذ طقوس السيبوكو
عادةً يكون تنفيذ السيبوكو في ساحة المعركة، ومن الساموراي الذين نفَّذوا السيبوكو في ساحة المعركة موناموتو تو يوشيتسوني خلال الحرب الأهلية عام 1189؛ الذي وجد نفسه مُطارَدًا من أعدائه، فاختار أن ينفذ السيبوكو بدلًا من الوقوع في أيديهم.
مثال آخر لتنفيذ السيبوكو في ساحة المعركة هو القائد أودا نوبوناجا الذي حاصره أعداؤه وقرر تنفيذ السيبوكو بعد أن تيقن من الهزيمة، عام 1582.
بخلاف السيبوكو الاضطراري الذي يحدث في ساحة المعركة، أو عند مُحاصرة الأعداء، كان السيبوكو المُخطط له يتميز بالطقوس المُعقدة، سواء أكان السيبوكو تنفيذًا لعقوبة قضائية أو من اختيار الساموراي نفسه.
كان الساموراي يأكل وجبة أخيرة من طعامه المُفضَل، يغتسل، ويرتدى ملابسه بعناية، ويجلس ليكتب قصيدة موت. قبل أن ينفذ السيبوكو.
أما السيبوكو المُخطط له، فكان يُؤدى عادةً أمام المتفرجين، الذين يشهدون اللحظات الأخيرة للساموراي.
طريقة انتحار نساء الساموراي
كان الموت بطريقة قطع البطن خاصًّا بالذكور بدرجة كبيرة، أما النساء من طبقة الساموراي فقد انتحرن بطريقة تُسمى جيجاي (jigai)، ويكون الانتحار بقطع الحنجرة بدلًا من تقطيع البطن، مُستخدمات سيفًا قصيرًا أو خنجرًا.
غالبًا ما تنتحر نساء طبقة الساموراي بهذه الطريقة إذا مات أزواجهن في المعركة أو أُجبروا على قتل أنفسهم. وربما يقتلن أنفسهن أيضًا إذا كانت حصونهن مُحاصرة ومُعرَّضة للسقوط في أيدي الأعداء، لتجنب الأسر والاغتصاب.
لمنع وضع غير لائق بعد الموت، كانت النساء يربطن أولًا أرجلهن بقطعة قماش من الحرير، ويستخدمن شفرة لقطع الأوردة الوداجية في رقابهن. فمثلًا في نهاية حرب بوشين، وهي حرب أهلية شهدتها اليابان، شهدت عائلة سايجو وحدها اثنتين وعشرين امرأة تُنفذ الانتحار على طريقة جيجاي، بدلًا من الاستسلام.