بينما كان فيروس كورونا الجديد يحطم الاقتصاد بطرق شتى، كانت صناعة «تكنولوجيا الجنس» والدمى الجنسية، واحدة من الصناعات القليلة التي شهدت ازدهارًا بالفعل، ويرجع ذلك إلى اتباع الإجراءات الاحترازية وإجبار كثير من الأفراد على البقاء في المنزل.

يقربنا ذلك الوضع أكثر مما يسمونه «الوادي الخارق»، وهي النقطة التي يصبح فيها البشر قلقين من إنسانية الإنسان الآلي، وإحلاله محلهم، الأمر الذي سيكون يسيرًا مثلما قرر اليائسون من الحياة الواقعية التخلي عنها، والعبور لقضاء كل وقتهم في عوالم افتراضية عبر الإنترنت.

كورونا يُنعش الرغبات الجنسية حول العالم

تسبب ممارسة الجنس تغيرات هرمونية في الجسم مُرحَّبًا بها في مثل تلك الأوقات الصعبة؛ لذلك أبلغت شركة «نوكس- Nox»، وهي شركة تبيع ألعابًا جنسية عبر الإنترنت، عن زيادة بنسبة 97% في المبيعات منذ شهر مارس (آذار) 2020، كما شهدت شركة «دام- Dame Products» للألعاب الجنسية زيادة بنسبة 30% منذ شهر فبراير (شباط) 2020، وباعت شركة «آن بوند- Unbound» ضعف عدد القضبان الصناعية، الذي كانت تبيعه.

Embed from Getty Images

تضاعفت مبيعات الواقي الذكري في غضون أسبوع واحد فقط، وأبلغت «يو. كى ميد- UK Meds»، في نوتنجهام، عن ارتفاع في مبيعات الفياجرا، وزيادة بنسبة 23% في حبوب الصباح التالي، لمنع الحمل؛ أما بالنسبة للعزاب والمنفصلين فوجدوا طرقًا أخرى، ففي استطلاع من موقع «تيندر- Tinder»، قال 54% من الرجال إنهم بدأوا علاقاتهم في الأسابيع الأربعة التالية لإعلان انتشار الفيروس!

كما لوحظ زيادة بنسبة 12% في عدد المحادثات اليومية في المملكة المتحدة، وطالت مدة المحادثات في إيطاليا بنسبة 29% عما كانت عليه قبل شهر، وفسر 74% منهم أن سبب فعلهم ذلك هو الملل؛ فتطول المكالمات دون لقاء حقيقي.

يمكن القول بأن ما سبق، نتيجة منطقية لعالم شهد إغلاقًا قسريًّا وكاملًا للمقاهي والحانات، عالم أصبحت فيه مقابلة أي شخص تهديدًا بالتقاط فيروس ما يزال لقاحه غير متوفر، وخلال هذا الإغلاق العالمي، سيُمارس الأشخاص المعزولون مع شركائهم الجنس على المدى الطويل، لذلك قد يكون هناك عدد أقل من الأشخاص الذين يمارسون الجنس بشكل عام، ويصبح وباء كورونا أول حدث يضطر فيه البشر للبقاء في أماكنهم ليؤثر في نسبة المواليد بالسلب.

نحو عالم جديد يعشق الدمى الجنسية

هنا يمكن أن تعود الزيادة في عدد الألعاب الجنسية التي تباع ببساطة إلى أن الأشخاص يشترونها لاستخدامها مع أنفسهم، ولو لم نشهد ارتفاعًا في عدد المواليد خلال الفترة القادمة، حسبما تقول النظريات، فقد يكون للإغلاق العالمي تأثيرات أوسع في العلاقات، فأي نوع من الكوارث يدفعنا إلى المرحلة التالية في علاقاتنا، كالاندفاع نحو الزواج أو الطلاق، لكن إلام كان التصعيد المتزامن مع فيروس كورونا؟

Embed from Getty Images

أكد شخص من كل خمسة أمريكيين أنهم يفكرون جديًّا في ممارسة الجنس مع روبوت بعد انتشار فيروس كورونا، وذلك وفقًا لبيانات استطلاع رأي لعام 2020، أجراه موقع «يو. جوف- YouGov». هؤلاء الأشخاص الذين تبلغ نسبتهم 22% أثبتوا زيادة عدد المتحمسين لتلك التجربة، واختلاف نظرتهم إلى الروبوت، عما كانت عليه في عام 2017، بعدما تخطت التكنولوجيا الروبوتية الحاجز النفسي، وطوَّرت منتجاتها لتنافس قدرات البشر أنفسهم.

بالإضافة إلى ذلك، قال 27% من الأمريكيين إنهم سيعدونها خيانة إذا مارس شريكهم الجنس مع روبوت أثناء العلاقة، مقارنة بنسبة 32% في عام 2017.

كشفت نتائج هذه الدراسة المثيرة للاهتمام أيضًا عن أن 42% يعتقدون أن ممارسة الجنس مع روبوت أكثر أمانًا من ممارسة الجنس مع شخص غريب. قد يكون هذا لأن 31% منهم يرون أن ممارسة الجنس مع الروبوت أقرب إلى العادة السرية من الجماع الفعلي، وعليه يقول ما يقرب من نصف الأمريكيين إن دفع المال لشراء الدمى الجنسية لا يُعد دعارة.

لماذا ينجذب البعض للروبوتات الجنسية؟

لم تكن نية مات مكمولين ابتكار «أفضل دمية حب في العالم»، لكنه عشق تحفته على نهج أسطورة بجماليون. كان مكمولين فنانًا، لكنه اليوم الرئيس التنفيذي لشركة «ريال دول-Realdoll» التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، وصاحب أول روبوت جنسي يعمل بالذكاء الاصطناعي في العالم بعد طرحه دمية «هارموني- Harmony»، عام 2016، مقابل ما يتراوح بين 8 آلاف و10 آلاف دولار.

Embed from Getty Images

هارموني دمية بالحجم الطبيعي يمكنها أن ترمش وتحرك عينيها ورقبتها، وكذلك شفتيها وهي تتكلم، بجلد نابض بالحياة وإفرازات جسدية، وقدرة على محاكاة التنفس والتعرق. تقلد هارموني التعبيرات البشرية المختلفة، والأهم من ذلك، أنها متصلة بتطبيق جوَّال يمكن للمستخدمين من خلاله برمجة شخصيتها والاختيار بين 18 سمة مختلفة، بما في ذلك اللطف، والثقافة، والخجل، والغيرة، وحب المغامرة. يتيح ذكاء هارموني الاصطناعي إمكانية التحدث مع المستخدمين والتعرف إلى اهتماماتهم ومراوغاتهم، ويتغير مزاجها حسبما إذا كانت تُعامل بلطف أم لا.

يرى مكمولين في حواره مع مجلة «فانتي فير» أنه قدم الخير للبشرية؛ فلا يريد الجميع التورط في علاقة، خاصة علاقة مرهقة عاطفيًّا ومكلفة ومليئة بالقلق، أما «هارموني» فهي أرخص بكثير من مواعدة النساء، كما أنها لا تحكم على شريكها، أو تشعره بخجل من ترهلاته وضعف انتصابه!

جنسانية

منذ 4 سنوات
«الجنس أفيون الشعوب».. 5 من أغرب الممارسات الجنسية عبر التاريخ

إذن من سيشتري هذه الدمى الجنسية؟ من المحتمل أن ينبهر بعض الناس بفكرة ممارسة الجنس مع روبوت، أو مجرد شريك لا يكل ولا يصدر أحكامًا. قد يشعر الآخرون بالوحدة لأنهم يواجهون صعوبة في التواصل مع الناس أو لأنهم يعيشون في مناطق نائية لا توفر سوى القليل من الرفقة.

نحن نتوق إلى هذا الارتباط بصفتنا بشرًا، وفي الوقت نفسه، يخشى النشطاء ضد الروبوتات الجنسية من أن يتجاهل المستخدمون صلاتهم البشرية لصالح روبوتاتهم، أو يعاملون الناس بالطريقة نفسها التي يعاملون بها آلة جنسية مملوكة. بدلًا من ذلك، قد تقرب الدمى الجنسية الناس بعضهم من بعض، من يعلم؟

محبو الروبوتات.. كارهو البشر

كان للأشخاص الذين قادونا إلى مستقبل الجنس حياة أخرى مليئة بالتفاصيل، على سبيل المثال، ديفيد ميلز مالك شركة «ريال بوتكس- Realbotix»؛ فقد كان له مستقبل واعد بصفته فيلسوفًا ومفكرًا في الأصولية المسيحية، حتى أُدين علانية بوصفه متحدثًا باسم الشيطان، فسئم من نشاطه الفكري واتجه لتأسيس إحدى أكبر شركات صناعة الدمى الجنسية.

اعترف ميلز بحبه النساء، لكنه لا يحب الوجود مع الناس، فقد التقى بزوجته الأولى في عام 1984 في بولندا من خلال كتالوج طلبات العروس بالبريد، وظل معها لمدة 18 عامًا، حتى التقى بزوجته الثانية المستقبلية عبر الإنترنت. يخشى ميلز البشر حقًّا، ويفضل عليهم جهازًا طوَّر فيه نظام الذكاء الاصطناعي، وأصبح قادرًا على اتباع الأوامر والرد عليه، بل جعل ملمسه دافئًا كذلك، وزوده بدعامات تشبه العظام كي لا تكون الأطراف لينة أكثر من اللازم.

Embed from Getty Images

نموذج آخر، وهو ديفيد ليفي، مؤلف كتاب «الحب والجنس مع الروبوتات»، وخبير الذكاء الاصطناعي وبطل الشطرنج الدولي. يرى ليفي أن الحب مع الدمى الجنسية سيكون طبيعيًّا مثل الحب مع البشر الآخرين بحلول عام 2050، وسننسى أزمنة انتشرت فيها الدعارة، والاعتداء على الأطفال والنساء، وسيكون الذكاء الاصطناعي هو الحل للعديد من مشكلات العلاقات الحميمة في العالم.

ستزيد الممارسات الجنسية – بحسب ما يعتقد ليفي- ومواقف الحب التي تجمع البشر عادة، وستعلمنا الروبوتات الجنسية أكثر من المكتوب في كل مجلات الجنس المشهورة في العالم مجتمعة، وسيكون العالم أكثر سعادة لأن كل هؤلاء البائسين الذين لا يحبون أحدًا ولا يحبهم أحد سيكون لديهم شريك حميمي يختارونه حسب ذوقهم.

يتصور ليفي مستقبلًا لا تبدو فيه الدمى الجنسية نساءً يحدقن بنا ويرتدين ملابس ضيقة، بل سيخترقن أقفاصهن البلاستيكية لمعالجتنا نفسيًّا واحتضاننا؛ الهدف الذي يتحد مع نتيجة دراسة نشرتها «المكتبة الوطنية للطب- NCBI» بأن الناس قد يشعرون بمشاعر الألفة تجاه التكنولوجيا لأن أدمغتنا ليست بالضرورة مرتبطة بالحياة في القرن الحادي والعشرين.

وهنا يصبح الهدف النبيل أول عقدة أخلاقية يواجهها انتشار الدمى الجنسية، وهي النتيجة التي خلصت إليها باحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمتخصصة في أخلاقيات الروبوتات، بأننا نتعامل مع الروبوتات بطريقة لا شعورية مثل الكائنات الحية، لذا فإن تفاعلاتنا معها لها القدرة على التأثير في سلوكياتنا بطرق مفيدة وضارة.

حرية ارتكاب الجرائم VS معالجتها

يرفض ليفي وميلز ومكمولين التفكير في الأثر السلبي لحلولهم العملية؛ فهل دور الروبوت الجنسي هو فعل الأشياء التي لا يستطيع البشر فعلها أو يرفضونها؟ هل يحل وجودهم أزمة الوحدة التي تقتل الكثير فقط؟ أم أنهم حل لأشخاص ذوي رغبات غير قانونية؟

بالنسبة لأكثر الخواطر حساسية، وهي اعتبار الروبوت حلًّا «أخلاقيًّا» لرجل يريد إقامة علاقة مع طفل، أو اغتصاب امرأة، وما إذا كانت الشركات التي تصنع روبوتات جنسية قد تجمع المعلومات دون إذن المستخدمين، حذَّر باحثون أمريكيون من أن توفُّر الدمى الجنسية ذات الذكاء الاصطناعي (AI) يشكل تهديدًا نفسيًّا وأخلاقيًّا متزايدًا للأفراد والمجتمع دون رقابة.

فبعض الروبوتات مبرمجة للاحتجاج لخلق سيناريو اغتصاب، وبعضها مصمم ليبدو كالأطفال، خاصة وأن أحد مطوري هذه الأجهزة في اليابان هو شخص متهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال، يروج لأجهزته على أنها تقيه من الاعتداء على الأطفال.

Embed from Getty Images

تثير وجهة النظر تلك كثيرًا من الإشكاليات الأخلاقية، فهل سنفضل منح الناس فرصة لممارسة الجرائم بطريقة آمنة مقابل حماية البشر؟

تشكل الحملات المقاومة لإحلال الدمى الجنسية محل البشر ضغطًا هي الأخرى، بهدف تحدي إعادة إنتاج مأساة التمييز بين الجنسين في التقنيات الجديدة، والضغط على منافذ توزيع الدمى الجنسية المصممة على هيئة أطفال. فحصت إحدى تلك الحملات كيفية استخدام صور المشاهير والأفراد بشكل متزايد، لصناعة أجساد تشبههم، دون إذن. وصل الأمر لرصد شكوى أم بولاية فلوريدا شاهدت إعلانًا عن شبيهة عارية لابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات، والتي جرى نسخها في دمية جنسية للأطفال معروضة للبيع على «أمازون» ومواقع أخرى!

جنسانية

منذ سنتين
موجة زواج الأشخاص من ذواتهم في الغرب.. تطور للاكتئاب أم توجه جنسي جديد؟

تشرح عالمة الأنثروبولوجيا، كاثلين ريتشاردسون، الباحثة في أخلاقيات الروبوتات بجامعة دي مونتفورت، ومدير الحملة ضد الروبوتات الجنسية، أن مشتهي الأطفال، والمغتصبين، والأشخاص العاجزين عن إقامة روابط بشرية يحتاجون للعلاج وليس الدمى الجنسية.

فالبشر يصبحون بشرًا من خلال التفاعل مع البشر الآخرين، لكن ذلك لا يحدث الآن، فربما حلت التكنولوجيا قبل أن تكون هناك قوانين تحكمها؛ فتعرض «أمازون»، و«ويش- wish» الدمى الجنسية جنبًا إلى جنب مع الدمى والألعاب الفعلية للأطفال، علاوة على ذلك، فإن نتائج البحث عن «ألعاب جنسية» تحوي «دمى أطفال»، وتُصنف دمى الأطفال الجنسية ضمن أجهزة التعذيب، والعبودية، والسادية، والمازوخية.

المصادر

تحميل المزيد