«أضرار السكريات على طفلك أكبر بكثير من نوبة فرط نشاط»
إذا سألت طفلًا صغيرًا ما المدينة التي يرغب في أن يعيش فيها؟ سيخبرك فورًا بلا تردد: مدينة الحلوى حيث البيوت المصنوعة من الهُلام والسحب المصنوعة من حلوى غزل البنات، وقلاع السكاكر التي تطل على بحار الشوكولاتة، حيث كل ما يشتهي من حلوى في متناول يده دون قيد أو شرط، الأمر الذي يُثير تساؤلًا عن سر حب الأطفال المبالغ فيه للسكريات ورغبتهم الدائمة في تناول هذا الكم من السكر!
مجبرون بيولوجيًّا على تناوله
يوضح جيل كاسل اختصاصي تغذية الأطفال في بلدة نيو كانان الأمريكية في مقالة منشورة على موقع «بيرنت» المعني بالتربية، أن الرغبة الشديدة في تناول السكريات تنشأ منذ وقت تكون الجنين في رحم الأم، فالسائل الذي يحيط بالجنين ذو مذاق حلو بالإضافة إلى أن حليب الأم أيضًا يتمتع بمذاق حلو، الأمر الذي يجعل الطفل يستسيغ المذاقات الحلوة بشكل فطري.
ويشير كاسل أنه بالإضافة إلى الأسباب الفطرية للميل إلى الأطعمة الحلوة؛ هناك أسباب تطورية ترجع إلى نشأة الإنسان الأول ومرحلة الاكتشاف وأيام الصيد وجمع الثمار، والتي كان المذاق الحلو فيها دلالة على أن الطعام آمن وصالح للأكل على عكس المذاقات المرة والتي تشير إلى أن الطعام سام أو ضار.
مهم خلال فترات النمو والتطور
تُشير جولى مينيلا الباحثة في مركز «مونيل كيميكال سينسز» في فيلادلفيا بأمريكا، في تقرير نشر على موقع ان «سي بي نيوز» إلى أن الأطفال ينجذبون خلال فترات نموهم المختلفة إلى تناول الأطعمة التي تمدهم بالسعرات الحرارية العالية، والتي كان مصدرها في الماضي التمر والعسل، لأنها تمدهم بالطاقة اللازمة في عمليات النمو والتطور المختلفة التي يمرون بها.
إذن أين تكمن المشكلة؟
تضيف مينيلا في التقرير السابق الذي أعدته عن استهلاك السكر في الولايات المتحدة؛ إلى أنه مع التطور والتقدم الذي شهدته صناعة الأغذية في الوقت الحالي، أصبح الطفل أكثر عرضة لتناول الأطعمة المصنعة الغنية بالسكريات المضافة أو بدائل السكر المصنعة التي تعطي إحساس المذاق الحلو نفسه، لكن بسعرات حرارية أقل، الأمر الذي جعلها أكثر تفضيلًا من الأطعمة الحلوة الصحية مثل الفاكهة والعسل، وتشير مينيلا أن المشكلة تكمن في عدم التوازن الذي يحدث نتيجة وفرة السكريات بكثرة وبين احتياجات الأطفال البيولوجية الأمر الذي يكون له تأثير سلبي على تطور ونمو الأطفال.
بشكل عام هناك تأثيرات قصيرة المدى نتيجة تناول الطفل كميات كبيرة من السكر، مثل ارتفاع نسبة السكر في الدم، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع وانخفاض طاقة الطفل بشكل ملحوظ، لكن ماذا عن أضرار السكر طويلة المدى على دماغ طفلك؟
خلل في المهارات المعرفية.. أول أضرار السكر لعقل طفلك
تُعرف المهارات المعرفية بأنها المهارات التي يستخدمها الدماغ للتفكير والتعلم والقراءة وحل المشكلات، وتشمل الانتباه والإدراك والتذكر، تتأثر هذه المهارات بصورة كبيرة عندما يفرط الطفل في تناول السكر، وذلك بحسب ما كشفت عنه دراسة بحثية أجراها فريق بحثي من جامعة جورجيا بالتعاون مع باحثين آخرين من جامعة جنوب كاليفورنيا، نُشرت نتائجها على موقع «ساينس ديلي» البحثي، عن أضرار السكر واستهلاكه المرتفع أثناء الطفولة على نمو الدماغ.
فقد تبين أن فئران التجارب التي أجريت عليها الدراسة، والتي استهلكت بشكل يومي الكثير من المشروبات المحلاة بالسكر خلال فترة المراهقة، عانت بشكل كبير من ضعف في المهارات المعرفية والذاكرة خلال مرحلة البلوغ.
وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن ارتفاع معدلات استهلاك السكر أدت أيضًا إلى ارتفاع نسبة بكتيريا «بارابكتيرويد» الموجودة في الأمعاء، والتي لها تأثير مباشر في ضعف الذاكرة والتقليل من قدرتها على تأدية وظائفها المختلفة، من تشفير ومعالجة وتخزين واسترجاع البيانات المختلفة.
مناطق التعلم والإدراك بالمخ في مرمى أضرار السكر
من أضرار السكر أيضًا أن تناول كميات كبيرة منه يتسبب في التهاب خلايا منطقة الحصين في الدماغ، والتي تعد المنطقة المسؤولة عن عمليات التعلم والذاكرة طويلة المدى، كما أنها تلعب دورًا حيويًا في تكوين خلايا عصبية جديدة وهو الأمر الهام لإتمام عملية التعلم والتذكر، إلا أن تناول كميات كبيرة من السكر يعيق عملية تكوين الخلايا الجديد فيعيق عملية التعلم.
لا تتوقف أضرار السكر عند منطقة الحصين في المخ، لكنه يمتد ليصل إلى قشرة الفص الجبهي وهي المنطقة المسؤولة عن تنظيم الوظائف الإدراكية العليا، والتي تشمل الانتباه والتحكم السلوكي والتنظيم الذاتي، وتتسم هذه المنطقة بأنها تظل في حالة نمو وتطور مستمرة، حتى أوائل سن العشرينات، لذلك فإن استهلاك السكر بكميات كبيرة يوميًا؛ يؤثر في تطور ونمو الخلايا العصبية الموجودة بها، الأمر الذي يؤثر في العمليات المعرفية المختلفة، ويصيب الطفل ببعض المشكلات السلوكية نتيجة خلل في عمليات التنظيم الذاتي.
أضرار السكر تصل إلى الأجنة!
كشفت دراسة أمريكية منشورة على موقع المكتبة الأمريكية الوطنية للطب مُعدة عن «تأثير استهلاك السكر بشكل مفرط في مرحلة الحمل على الأم والجنين وتأثير السكر على إدراك الأبناء في مرحلة الطفولة المبكرة، (الفترة من سنتين إلى خمس سنوات)، ومرحلة الطفولة المتوسطة (الفترة من 6 سنوات الى 11 سنة)» أن ارتفاع معدلات استهلاك الأمهات الحوامل لسكر «السكروز»، أدى إلى ضعف إدراك الأطفال بعد ذلك.
كما أنه أدى إلى تدن في مهاراتهم المعرفية وضعف ذاكرتهم اللفظية والبصرية وتدني مهارات التعلم والمهارات غير اللفظية لحل المشكلات، وأشارت الدراسة التي بدأت سنة 1999 واستمرت حتى سنة 2017 أن استهلاك الأطفال لسكر «الفركتوز» الطبيعي الموجود في الفاكهة أدى إلى ارتفاع في مهارات الأطفال المعرفية في مرحلة الطفولة المبكرة وارتفاع في مستوى ذكائهم اللفظي في مرحلة الطفولة المتوسطة.
ليس كل سكر ضار! اعرف عدوك أولًا
يُعد السكر هو المصدر الرئيسي للطاقة، ويقسم جين ويليامز استشاري التغذية والباحث في مجال التغذية السريرية، السكر، إلى ثلاث فئات:
- السكر الطبيعي
وهو السكر الموجود بشكل طبيعي في بعض الأطعمة مثل الفاكهة التي تحتوى على سكر الفركتوز – وهو سكر بسيط – بالإضافة إلى احتوائها على الكثير من المعادن والفيتامينات، ويرتبط سكر الفاكهة بالألياف التي تعمل على تقليل سرعة امتصاص الجسم للسكر، مما يزيد من قيمتها الغذائية.
- السكر الطبيعي المعدل
السكريات الطبيعية المعدلة، هي تلك السكريات المستمدة من مصادر طبيعية كالفاكهة، إلا أنه أجري بعض التعديلات عليها، ويؤدي تناولها إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم على عكس السكريات الطبيعية.
- السكر المصنع
هي السكريات التي يتم تعديلها ومعالجتها وتحتوي على كميات عالية من السكروز، ولا تحتوي على أي معادن وفيتامينات، وليس لها قيمة غذائية وتشكل خطورة على الصحة العامة.
فما هو الحل إذن؟
يشير الدكتور «فرانك هو»، أستاذ التغذية وعلم الأوبئة في كلية هارفارد تشان للصحة العامة في مقالة منشورة على موقع «كلية هارفرد تشان» أن السكريات المضافة، وخاصة المشروبات السكرية، تضر الصحة العامة للأطفال، كما أنها تتسبب بمشكلات في التمثيل الغذائي، وأكد على ضرورة اتباع أنظمة غذائية صحية تعتمد تطوير عادات غذائية صحية في سن مبكرة.
بعض النصائح التي تساعدك على حماية طفلك من الاستهلاك المفرط للسكر:
1- حدد ما يأكله طفلك
يأكل الأبناء ما يقدمه لهم الآباء، لذلك من الأفضل الاهتمام باتباع أنظمة صحية متوازنة، تعتمد على الفاكهة والحبوب الكاملة، وتجنب السكريات المصنعة والأطعمة السريعة والمشروبات المعلبة والغازية.
2- اقرأ المكونات
تساعدك الملصقات الموجودة على الأطعمة المعلبة على معرفة كمية السكر الموجودة بها، وتُوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، بضرورة البعد عن أي معلبات تزيد بها نسبة السكر عن 25 جرامًا أي بما يعادل ست ملاعق صغيرة من السكر المضاف يوميًا، خاصة للأطفال بعمر سنتين وما فوق، مع ضرورة تجنب تقديم الأطعمة والمشروبات المضاف إليها السكر للأطفال أقل من سنتين.
3- قدم بدائل صحية
حاول أن تجد بدائل صحية ومغذية حلوة المذاق لطفلك، مثل التمور والعسل والحبوب الكاملة والفواكه المجففة، وقدمها لطفلك باعتبارها وجبات خفيفة وبديلة عن الأطعمة المصنعة.
4- ساعد طفلك على فهم الأسباب
قدم لطفلك معلومات واضحة ومحددة عن أسبابك للحد من استهلاك السكر المصنع، إذ تُشير مقالة منشورة على موقع «ساينس ديلي» البحثي أن مرحلة المراهقة المبكرة، (الفترة من 11 سنة الى 14 سنة) هي الفترة التي يطور فيها الطفل عاداته الغذائية التي يتبناها طوال حياته، لذلك من الضروري شرح أضرار السكر وأهمية الطعام الصحي وكيف يؤثر في شكل حياتهم، وكيف يساعدهم على تطوير أجسادهم ونموهم بشكل صحى.
5- لا تنخدع ودع التكنولوجيا تساعدك
هناك بعض الأطعمة التي قد يبدو لك أنها لا تحتوى على السكر، مثل الخضروات المعلبة والصلصة، وحتى لا يختلط عليك الأمر، يمكنك تحميل بعض التطبيقات الصحية المعنية بتحديد نسبة السكر في الأطعمة المختلفة حتى تستطيع أن تقدم وجبة صحية لأطفالك بشكل سليم.