هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2022. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.
اجتذبت «الجامعة الأمريكية» في بغداد الأنظار منذ افتتاحها في قصر رئاسيٍّ سابق في فبراير (شباط) 2021، وأُثيرت الأسئلة حول مموِّليها وأهدافها. في هذا التقرير، نعرفكم إلى الجامعة الأمريكية في بغداد، وإلى نشاطها في واشنطن بهدف «كسب الاعتراف، وتلقِّي الدعم».
جامعةٌ أمريكية في بغداد
من موقعها المميز في أحد القصور الرئاسية السابقة للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أثارت الجامعة الأمريكية في بغداد (AUIB) جدلًا في العراق. ومنذ افتتاحها فبراير 2021، تُعرِّف الجامعة نفسها بأنَّها جامعة أهليَّة غير ربحيَّة، وتعتمد اسم «الجامعة الأمريكية» شكليًّا في المرحلة الحالية، إلى حين اعتمادها في أمريكا.
يبرز مشهد مبنى الجامعة بصورة استثنائية في العاصمة العراقية، مع مساحاتٍ خضراء واسعة، وبحيراتٍ صناعية، وملامح معماريَّة فخمة، ما دفع رئيس الجامعة، مايكل مولنيكس، للقول غداة الافتتاح بأنه يشعر وكأنه «عمدة مدينة كبيرة أكثر من رئيس جامعة».
الجامعة الأمريكية في بغداد تنظم ماراثون للطلاب وهيئة التدريب
وقبل أن يصبح مركزًا للجامعة، كان «مُجمَّع قصر الفاو الرئاسي» واحدًا من عشرات القصور والمجمعات الرئاسية الفخمة التي شيَّدها صدام حسين، ليتحول لاحقًا إلى مقرٍ للجيش الأمريكي مع سقوط النظام العراقي إبان الغزو الأمريكي عام 2003.
ويذكر تقرير وكالة الأنباء الفرنسية أنَّ افتتاح الجامعة في قصر الفاو يُمثِّل أول حالة يُمنح فيها قصر للاستثمار الخاص، فيما تحوَّل جزء كبير من القصور المتبقية لمبانٍ، ومقراتٍ للمؤسسات الحكومية والأمنية، أو مبانٍ لا تزال تعاني من الإهمال وآثار الدمار.
جنود أمريكيون متجهون نحو قصر الفاو عام 2011
ووفقًا لوكالة «أسوشيتد برس»، يعتمد نظام تمويل الجامعة على استثماراتِ الملياردير العراقي سعدي وهيب صيهود، الذي بدأ مسيرته في محل غسيل وكوي للثياب في المنطقة الخضراء ببغداد، إلى خدمة القوات الأمريكية بعد عام 2003، وانتهى به الحال ليصبح أحد أصحاب رؤوس الأموال المؤثرة في العراق، يحيطه رجال يؤثرون في المشهد السياسي مثل عَدِيلِه حسن السنيد، القياديِّ بحزب الدعوة المقرَّب من رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي.
يمتلكُ صيهود حاليًا «مجموعة شركات ربان السفينة» لصناعة المعدات الكهربائية، التي تضمُّ أكثر من 22 شركة داخلها، وتتحدث عدة جهات إعلامية عراقية عن تهم فساد تحوم حول العقود التي تبرمها الجهة مع وزارة الكهرباء العراقية. ويمتلك صيهود أيضًا مصرف الاقتصاد للاستثمار والتمويل في بغداد.
وتتحَّرك في «العاصمة» الأمريكية بحثًا عن الدعم
تبيَّن وثائق وزارة العدل الأمريكية «فارا»، لجوء الجامعة الأمريكية في بغداد لاستئجار خدمات شركة «مجموعة ألكساندريا الدولية – Alexandria Group International»، في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2020- أي قبل افتتاح الجامعة في بغداد بثلاثة شهور، ضمن عقدٍ يستمر لمدة عام قيمته 252 ألف دولار.
ومثَّل الشركة في التعاقد، الشريك الإداري مارشال هاريس، وهو خبير في القانون الدولي عمل موظفًا في السلك الدبلوماسي الأمريكي، ولديه مواقف سياسية سابقة؛ إذ كانت استقالته من منصبه في وزارة الخارجية الأمريكية احتجاجًا على تقاعس الإدارة آنذاك عن وقف الإبادة الجماعية في البوسنة في التسعينيات.
عقدٌ بين الجامعة الأمريكية ببغداد بتمثيل مايكل مولنيكس ومجموعة ألكساندريا الدولية – مصدر الصورة: وثائق وزارة العدل الأمريكية
ومن بين الأسماء المذكورة في الوثائق، المستشارة السياسية البارزة زوريكا ماريك دجوردجيفيتش، التي لعبت منذ عام 1989 عدة أدوار في مونتينيجرو (الجبل الأسود)، أبرزها منصب كبيرة مستشاري رئيس الوزراء، ومبعوثة مونتينيجرو للولايات المتحدة.
ومن طرف الجامعة، يظهر توقيع مايكل مولنيكس الرئيس المؤسس للجامعة الأمريكية في بغداد، والذي عمل سابقًا رئيسًا للجامعة الأمريكية في كردستان، وتنقل سابقًا في مناصب إدارية مختلفة، منها مناصب في الكلية التقنية الكويتية، وجامعة زايد، وكليات التقنية العليا في الإمارات.
توقيع مذكرة تفاهم بين الجامعة الأمريكية في بغداد ووزارة العدل العراقية
ضمن إطار التعاقد، قدَّمت الشركة مجموعة متنوعة من الخدمات الإعلامية، والترويجية، والعلاقات العامة، وينصُّ العقد على تواصل الشركة مع الساسة الأمريكان بهدف الترويج للجامعة، والتواصل مع أعضاء الكونجرس والمسؤولين الحكوميين المرتبطين بالعراق لتوفير التزام أكبر تجاه مهمة الجامعة وأجندتها، والتواصل مع وسائل الإعلام والمراكز البحثية والمنظمات لدعمها وإمدادها بتحليل للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن الملاحظات التي رصدناها في وثيقة تسجيل التعاقد، تلقِّي الجامعة مساهمات في التمويل من «أطراف أجنبية»، منها شركات وأفراد وعائلات من العراق ودبي وأماكن أخرى، على هيئة هِبَاتٍ خيرية بهدفِ «تعزيز الحرية والنمو الديمقراطي والازدهار في العراق».
وثيقة العقد بين الجامعة الأمريكية ببغداد ومجموعة ألكساندريا الدولية تتحدث عن تلقي الجامعة تمويلًا من «جهات أجنبية» – مصدر الصورة: وثائق وزارة العدل الأمريكية «فارا»
وتؤكد الوثيقة، أنَّ الجامعة الأمريكية ستسجل نفسها في أمريكا مؤسسة خيرية في أقرب وقت، وذلك ضمن نوعية المنظمات المعفاة من الضرائب (501 (C) (3)).
تواصل مع الكونجرس وجهات أمريكية أخرى
منذ توقيع العقد وحتى انتهاء العلاقة في يناير (كانون الثاني) 2022، بلغت المدفوعات لمجموعة ألكساندريا الدولية نحو 147 ألف دولار. وأثناء فترة التعاقد، تواصلت الشركة مع جهات كثيرة لغرض الدعم والترويج، وتاليًا بعض أبرز الأسماء والجهات الواردة في الوثائق:
- تظهر تواصلات مع مكتب النائبة الديمقراطية روزا ديلورو، التي ترأست لجنة المخصصات في ديسمبر 2020، اللجنة المسؤولة عن تنظيم النفقات المالية السنوية.
- تواصل مع مكتب النائب الجمهوري جيفري فورتنبيري، والذي استقال من منصبه في مارس (آذار) من العام الجاري بعد إدانته بتهم جنائية بسبب تلقيه تبرعات تزيد على 30 ألف دولار من جيلبرت شاجوري، الملياردير النيجيري من أصل لبناني، وفقاً لما أعلنه مكتب المدعي العام في كاليفورنيا.
- بالإضافة إلى تواصلات أخرى بغرض التقديم للجامعة مع مكاتب لنواب آخرين من الكونجرس، ومنها مكاتب النواب الجمهوريين جي ريشينثالر وجريج ستيوب وترينت كيلي ولي زلدن ودن بيكون، ومكتب النائبة الديمقراطية ميكي شيريل.
- وفي سياق التعريف بالجامعة، تواصلت الشركة مع جيمس ماكورميك، موظف في لجنة الدفاع الفرعية التابعة للجنة المخصصات في الكونجرس.
- استهدفت الشركة ضمن تواصلها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، بغرض تطوير الجامعة، وبرزت عدة أسماء مثل دانيال فوليرتون، أخصائي التعاون الدولي في الوكالة، الذي بدأ حديثًا العمل بصفته أحد كبار المستشارين التقنيين في السفارة الأمريكية بالعاصمة السودانية الخرطوم، وتظهر الوثائق تبادل رسائل البريد الإلكتروني بين فوليرتون والشركة لمسائل تتعلق بتقديم منحة للجامعة، موهيت ديال من مكتب العراق في الوكالة، والتواصلات عبارة عن اجتماعات افتراضية لشؤون تتعلق بتطوير الجامعة أيضًا.