في مارس (آذار) الماضي، كان الرئيس الإيراني السابق والسياسي الإصلاحي البارز محمد خاتمي، مجتمعًا مع عددٍ من نواب البرلمان الإصلاحيين، في لقاءٍ نادر. سُئل وقتها باعتباره الزعيم الروحيّ للحركة الإصلاحية الإيرانية، عن مستقبل الحركة، وهل يعتقد أن الإيرانيين سيشاركون في الانتخابات البرلمانية لعام 2020، والرئاسية 2021 أم لا؟

أجاب السيد خاتمي قائلًا: «أعتقد أنه من غير المرجّح أن تشارك الناس في أيّ انتخاباتٍ قادمة، ولا أستطيع طلب ذلك منهم، إن لم تشهد الحركة أي تطوُّر في المستقبل القريب». بالطبع كانت إجابة خاتمي صادمة للغاية خاصّة عندما تأتي من شخص يعتبره الإيرانيون الأبّ الروحيّ لحركة الإصلاح، لكن في نفس الوقت، فالإجابة تبدو منطقية، أو متوقعة خاصة في ظل الصراعات والأزمات التي يعاني منها معسكر الإصلاح.

«أيها الإصلاحي.. انتهت اللعبة»

في نهاية عام 2017، وبداية 2018 خرج الإيرانيون إلى الشارع احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية السيئة، خاصّة بعد دخول خطة العمل المشتركة الشاملة حيز التنفيذ، في البداية خرجت المظاهرات من مدينة مشهد ثاني أكبر المدن الإيرانية، ومعقل أنصار المرشح الرئاسي السابق إبراهيم رئيسي الذي خسر الانتخابات ضد حسن روحاني.

فسارع البعض خاصة المحسوبين على التيار الإصلاحي في تبنَّي نظرية المؤامرة، وفسروا المظاهرات على أنها محاولة من رجل الدين المحافظ إبراهيم رئيسي لضرب إدارة حسن روحاني بعد خسارته في الانتخابات. لكن سرعان ما امتدّت المظاهرات إلى أغلب المدن الإيرانية، وتوسّعت لتشمل المظالم الأخرى للشعب الإيراني، والتي نادى بها الإصلاحيون منذ زمن.

Embed from Getty Images

مظاهرات في كندا داعمة للمظاهرات داخل إيران

حينها خرج إسحاق جهانغيري النائب الأوّل للرئيس حسن روحاني، وأحد أعمدة الإصلاح في ايران واتّهم المتظاهرين بأنّهم حفنة من المتآمرين يستخدمون ذريعة الأحوال المعيشية الصعبة لمهاجمة إدارة روحاني. فجاءه الردُّ سريعًا من الإيرانيين الغاضبين في الشوارع، رافعين شعاراتٍ مناهضة لحركة الإصلاح بالكامل، وردد المتظاهرون هتاف: «أيها الإصلاحي.. انتهت اللعبة».

تطوّرت المظاهرات وبدأت قوات الأمن في استخدام العنف في محاولاتٍ مستميتةٍ لقمعها، فكان رد فعل المتظاهرين عنيفًا في المقابل وقاموا بحرق مقرات حكومية وسيارات تابعة للشرطة، كان الإيرانيون المؤيدون للإصلاح ينتظرون أن تتراجع الحركة الإصلاحية عن موقفها الرافض – والمناهض – للمظاهرات.

لكن السياسي الإصلاحي عبدالله رمضان زاده، والذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الحكومة في عهد الرئيس محمد خاتمي صرّح تصريحًا مقتضبًا، أغضب الجميع قائلًا: «يمكننا تحقيق الرخاء والحرية بالوسائل القانونية، دون تخريبٍ أو عنف».

إصلاحيون بلا إصلاح.. هكذا فقد الإصلاحيون سلاحهم

في خطوةٍ مُحبِطة ومثيرة للجدل أدان أغلب السياسين الإصلاحيين المظاهرات الإيرانية الأخيرة، بمن فيهم الرئيس السابق محمد خاتمي، واعتبروا تلك الاحتجاجات مؤامرة من جانب أعداء الجمهورية الإسلامية، تهدف إلى الإطاحة بالنظام.

رامين (وهو اسمٌ مستعار) واحدٌ من شباب الحركة الإصلاحية، يرى أنّ الحركة فقدت مسارها الصحيح من فترةٍ طويلة، يقول رامين لـ«ساسة بوست» إنّ «موقف الحركة الإصلاحية من المظاهرات الأخيرة موقفٌ صادمٌ للغاية، أنا اعتبره المسمار الأخير في نعش الحركة، بدلًا من الوقوف بجانب مظالم الناس، اختاروا تبنِّي نفس مواقف المعسكر المحافظ: نظرية المؤامرة وأعداء الجمهورية، دون حتى أدنى تفكير».

يرى رامين وغيره من الشباب المؤيِّد للإصلاح أنّ الحركة في سنواتها الأخيرة، اهتمّت أكثر بالعملية الانتخابية والتصويت، والمشاركة السياسية وأغفلت مشاكل ومتاعب الناس الذين ينزلون للتصويت لهم.

أمّا المحلل السياسي الإصلاحي البارز حميد رضائي بور، فيرى في منشورٍ له على قناته على تطبيق تليجرام، أنّه لا عيب أن تهتم الحركة الإصلاحية بالانتخابات رغم سوء حال الجمهور المصوت لهم، قائلًا: «نحن نتعرّض إلى الانتقام بسبب تشجيعنا الناس على التصويت في الانتخابات، المشاركة في الانتخابات أمرٌ مهمٌ للغاية، وإلا أصبحنا مثل باكستان، ومصر وسوريا». كما أكد رضائي بور في منشوره على أن أيديولوجية الإصلاحيين واضحة، وهي الإصلاح التدريجي دون الإطاحة بالنظام.

دعم حسن روحاني.. تغيير الاستراتيجية الإصلاحية

في يونيو (حزيران) 2018 قام مئاتٌ من النشطاء السياسيين الشباب في الحركة الإصلاحية بتوجيه رسالة إلى الرئيس السابق والرمز الإصلاحي الكبير محمد خاتمي، مطالبين بإنقاذ الحركة السياسية الأهم في إيران. في رسالتهم استنجد النشطاء بخاتمي لمحاولة إصلاح أخطاء الحركة في السنوات الأخيرة، مؤكّدين على أنّ الحركة تحتاج إلى هيكل سياسي جديد، بعد أن أثبت القائمون عليها بعد 21 عامًا من عمر الحركة الإصلاحية فشلهم الكبير.

دعا شباب الإصلاحيين إلى إجراء إصلاحاتٍ داخل المعسكر الإصلاحي بأسرع وقت، نظرًا لما تتعرّض له الحركة من انخفاضٍ كبير في الشعبية مقابل زيادة سيطرة المعسكر المحافظ خاصة المتشددين منه.

Embed from Getty Images

الرئيس حسن روحاني

يعرفُ المراقبون للسياسة الداخلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أنّه في السنوات الأخيرة بدأت المؤسسة السياسية في الميل أكثر وأكثر نحو اليمين، خاصة في فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. عانت الحركة الإصلاحية من الإقصاء والتهميش منذ الاضطرابات التي تلت الانتخابات الرئاسية المتُنازع عليها عام 2005، وقاد الإصلاحيون حركة الاحتجاج الكبيرة زاعمين أنّه تمّ تزوير الأصوات الانتخابية لصالح إعادة انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.

بدأ التضييق على الحركة بشكلٍ غير مباشر من قِبَل المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، فقد رفض مجلس صيانة الدستور (الهيئة المختصة بفحص أوراق المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية)، اعتماد أوراق أغلب المرشحين التابعين المعسكر الإصلاحي.

أدرك المعسكر الإصلاحي أنّه لا بدَّ من تغيير خطتهم إلى حدٍ ما، للعودة إلى الساحة السياسية مرة أخرى، وعدم ترك زمام الأمور في يد المحافظين. كان السبيل الوحيد أمام الإصلاحيين للعودة إلى المشهد السياسي، هو التحالف مع «التيار المحافظ المعتدل»، في مواجهة المحافظين والمتشددين، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى دعم الإصلاحيين لبعض الشخصيات المحافظة المتشددة.

فعلي سبيل المثال، دعم الإصلاحيون رجل الدين المتشدِّد وإمام صلاة الجمعة في طهران، آية الله محمد إمامي كاشاني في انتخابات جمعية الخبراء (الهيئة المكلّفة بالإشراف على أعمال المرشد الأعلى، وتعيينه وعزله)، المعروفة بسيطرة المحافظين عليها لعقودٍ من الزمن.

في الانتخابات الرئاسية لعام 2013، كان أمام الإصلاحيين دعم المرشح الإصلاحي المعتدل آية الله هاشمي رفسنجاني، أو إسحاق جهانغيري النائب الأوّل حاليًا للرئيس روحاني، لكن رفض مجلس صيانة الدستور أوراق ترشح رفسنجاني.

فعرفوا أنهم أمام خطة لرفض المرشحين الإصلاحيين مرةً أخرى، فما كان منهم إلا أن لجأوا إلى شخصية سياسية معتدلة تكون غير معروفة إلى حدٍ ما، فقرروا دعم رجل الدين المعتدل حسن روحاني، الذي كان بالفعل غير معروف بالنسبة إلى عددٍ كبير من الإيرانيين قبل الانتخابات الرئاسية.

كثّفت وقتها الحركة جهودها من أجل إنجاح المرشح حسن روحاني، مستغلّين الثروة الاجتماعية التي يمتلكونها في الشارع الإيراني، وساهم محمد خاتمي بشكلٍ كبير في تلك المعركة، بالرغم من أنّه ممنوعٌ من الظهور في أيّ وسيلة إعلامية، إلا أنّه اتجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي لحث الجمهور الإيراني على انتخاب روحاني.

لقد خذلنا روحاني!

نجح تغيير الاستراتيجية الإصلاحية في وصول المعتدل حسن روحاني إلى الرئاسة، واعتبر الإصلاحيّون وقتها أنه آن الأوان ليردّ روحاني لهم الجميل، ويعمل على تمكين الإصلاحيين في الحكومة. يذكر لنا الصحفي الإيراني – الذي رفض الافصاح عن هويته – وهو مؤيد للإصلاحيين: «قلنا لهم مرارًا وتكرارًا أنّ الاعتماد على شريكٍ غير موثوق به مثل المعتدلين والمحافظين أمرٌ عاقبته سيئة، وها هم الآن يجنون ثمار أخطائهم».

لكن بماذا أخطأ الإصلاحيون في دعم رئيسٍ معتدل؟

منذ تولي حسن روحاني منصبه في عام 2013، بدأ المعسكر الإصلاحي يشاهد بترقُّب علامات تقارب حسن روحاني من علي لاريجاني السياسي المحافظ ورئيس البرلمان الإيرانى، والذى يتمتّع بعلاقاتٍ جيدة هو وعائلته مع المرشد الأعلى.

لاحظ بعض المراقبين داخل إيران تعمّق العلاقة بين روحاني ولاريجاني، خاصّة بعد الجهود التي بذلها الأخير في إقناع النوّاب المحافظين بالتصويت على اعتماد الصفقة النووية أو ما يعرف بـ«خطة العمل المشتركة الشاملة».

Embed from Getty Images

حسن روحاني ولاريجاني وراء المرشد الأعلى

ازداد قلق الإصلاحيون عندما اتّفق روحاني ولاريجاني على تعيين رحماني فاضلي وزيرًا للداخلية، وهو رجل ينتمي للمعسكر المحافظ، ولا يحظى بشعبيةٍ وسط الإصلاحيين. بدأ ميزان روحاني في الميل أكثر وأكثر تجاه لاريجاني في فترة ولايته الثانية عام 2017 والتي لم يكن ليفوز فيها لولا دعم الإصلاحيين. قام البرلمان برئاسة لاريجاني في أغسطس (آب) 2018، باستدعاء ثلاثةٍ من وزراء إدارة روحاني محسوبين على التيار الإصلاحي للاستجواب، وبدأ الحديث عن سحب الثقة منهم!

حينها أدرك الاصلاحيون تمام الإدراك أنهم خسروا الرّهان على حسن روحاني تمامًا، خاصّة أن الوزراء الثلاثة من وجهة نظر الإصلاحيين لم يخطئوا إلى حدّ سحب الثقة منهم. يقول الصحفي الإيراني المذكور أعلاه لـ«ساسة بوست»: «نجح البرلمان في عزل اثنين من الوزراء الإصلاحيين، بالرغم من عدم تقديم بدائل لهما، إنها خطوة انتقامية».

توالت إجراءات عزل الوزراء الثلاثة في أقلِّ من شهر، ففي بداية شهر أغسطس 2018، صوّت البرلمان لإقالة وزير العمل علي ربيعي، واتهمه نوّاب البرلمان بتهم فساد مالي وإداري غير مسبوق. وفى 26 من نفس الشهر، صوّت 137 نائبًا برلمانيًّا ضدّ وزير الاقتصاد مسعود كاربسيان، بزعم فشله الكبير في الخروج بالبلاد من أزمة اقتصادية تسببت بها العقوبات الأمريكية. وكان وزير التعليم محمد بطحائي آخر الوزراء المعزولين في 29 من نفس الشهر، لإخفاقه في إصلاح منظومة التعليم بالكامل.

تهميش نائب الرئيس الإصلاحي

تأكّد المعسكر الإصلاحي من شكوكه حول العلاقات الوثيقة بين الرئيس المعتدل حسن روحاني، ورئيس البرلمان المحافظ علي لاريجاني، وبدات الشائعات التي تفيد بأنّ الأخير من الممكن أن يكون المرشح المحتمل في الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

من بداية شكوكهم في فترة رئاسة حسن روحاني الأولى، حاول الإصلاحيون الدفع بـ«إسحاق جهانغيري» النائب الأول لحسن روحاني، وأحد أكبر السياسيين البارزين في الحركة الإصلاحية، لكي يكون هو مرشحهم في الانتخابات القادمة.

أدرك حسن روحاني الأمر سريعًا، وبدأت عمليات التهميش لجهانجير تتمُّ على قدمٍ وساق، من قبل مدير مكتب الرئيس روحاني السيد محمود واعظي، المعروف بميوله المحافظة إلى حدٍ ما، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية مع إيران، وإعادة إدارة ترامب فرض عقوباتٍ قاسية على طهران، انهارت أحلام الجمهورية الإيرانية في بناء اقتصادٍ قويّ، والانفتاح على العالم.

فكان لا بد لإدارة روحاني من تشكيل فريقٍ اقتصاديّ متمرس لمحاولة عدم الانزلاق. اقترح الإصلاحيون أن يتولّى إسحاق جهانغيري قيادة هذا الفريق، وهو الذي يقوم بتشكيله، لكن كان لمحمود واعظي وروحاني رأيٌ آخر.

Embed from Getty Images
إسحاق جهانجيري

تم تشكيل الفريق الاقتصادي بعيدًا تمامًا عن جهانغيري بواسطة واعظي والدائرة الداخلية لروحاني. في نفس الوقت تقريبًا أثار تصريح لجهانجيرى الكثير من ردود الفعل الغاضبة لدى الإصلاحيين، ففي أحد المقابلات الصحفية معه قال «ليس لديّ صلاحيات حتّى لإقالة أو تعيين السكرتير الخاص بي».

واتهمت النخبة السياسية الإصلاحية حينها روحاني بأنّه يقوم بإقصاء كل من هو محسوب على الإصلاحيين من إدراته، وأنه بدأ في التوجُّه إلى المعسكر المحافظ المنافس أكثر.

يخبرنا حسين على أسدي الناشط الإصلاحي – في حديثه مع «ساسة بوست» – أنّ روحاني بعد فشل الصفقة النووية، أراد القفز من السفينة مبكرًا: «لم يرد روحاني خسارة أيّ شيء بعد فترة رئاسته، إنّه يطمع في المزيد من المناصب، روحاني سياسي شديد الذكاء، علم أن بعد انهيار الصفقة والصراع المتزايد مع واشنطن سيجعل ميله للتيار الإصلاحي خسارة كبيرة، فاختار الجانب الفائز».

أداءٌ برلمانيٌّ فاشل

في منتصف العام الحالي أعلن المعسكر الإصلاحي أنّه سينتهي قريبًا التحالف الإصلاحي – المعتدل في البرلمان الإيراني. ومن الصعب إعلان التعاون بينهما مرة أخرى في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وكما تضمّنت خطّة تغيير الاستراتيجية الاصلاحية سابقًا دعم مرشح رئاسي معتدل عمل الإصلاحيون على تطبيق نفس الأمر في الانتخابات البرلمانية لعام 2016، للفوز بعدد مقاعد يمكّنهم من التنافس السياسي، بعد سنواتٍ من حرمانهم من البرلمان.

توحّد الإصلاحيون مع المعتدلين، بالرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما، بهدف عدم ترك الساحة السياسية خالية أمام المحافظين المنظّمين بشكلٍ أكبر وأقوى. ونجح التحالف المسمى «تحالف الأمل» بالفعل وحصلوا على أكبر عددٍ من المقاعد في البرلمان. كان الإيرانيون ينتظرون منهم المزيد من العمل لتحسين الحياة السياسية والاقتصادية بعد السيطرة على البرلمان.

لكنّ الأمور لم تجرِ كما خُطِّط لها. يقول الناشط السياسي الإصلاحي حسين علي أسدي لـ«ساسة بوست»، «بدلًا من العمل سويًّا في البرلمان، اكتشفنا أن أعضاء تحالف الأمل لم يستطيعوا نسيان الخلافات بينهما، وبدئوا العمل ضد بعضهم».

محمد رضا عارف، سياسي إصلاحي بارز ومخضرم، وهو رئيس تحالف الأمل في البرلمان، عبّر في شهر يونيو الماضي عن صعوبة عمل الإصلاح مع الاعتدال في البرلمان قائلًا: «لا بد من انفصال الإصلاحيين عن المعتدلين، هم فقط يريدون الاستفادة من قاعدة الإصلاح الانتخابية الكبيرة، ولا يريدون التعاون».

تعرّض رضا عارف حينها لانتقاد عددٍ كبير من رجال المعسكر الإصلاحي، متّهمين إياه بأنّه سبب هذا الفشل، بقيادته الضعيفة للتحالف. أمّا الصحفي الإيراني المؤيد للاصلاح الذي تحدثنا معه سابقًا، فيقول: «محمد رضا عارف انتهى منذ سنوات، وما زال مصممًا على عضوية البرلمان، و المعسكر الإصلاحي لا يفعل شيئًا، فالرجل لا صوت له في البرلمان إطلاقًا».

كما يرى أنّ تصميم المعسكر الإصلاحي على تجاهل العيوب والأخطاء الداخلية، وعدم المصارحة والشفافية فيما بينهما هي من أهم أسباب خسارة المعسكر، وتراجع شعبيته.

خسائر متتالية

لم ينجح تحالف الأمل من الإصلاحيين والمعتدلين في فعل أيّ شيء جديد في البرلمان بالرغم من استحواذهم على عددٍ كبير من المقاعد في مقابل المحافظين، تعرّضوا للعديد من الخسائر أقربها كان ما حدث داخل الانتخابات الداخلية للبرلمان.

في مايو (أيّار) 2019 خسر تحالف الأمل منصب نائب رئيس البرلمان الذي كان يتولاه على مطهّري السياسي المعتدل المستقلّ، المعروف بشجاعته في مواجهة العديد من المسائل السياسية، ومواجهة المحافظين في نفس الوقت.

ذهب المنصب إلى عبدالرازق المسيري السياسي المحافظ والقريب من المتشددين، والذي كان وزيرًا في حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. علّق مطهري على أمر خسارته أمام المسيري، بأنّ السبب هو الخلافات والأحقاد بين رؤساء الفصيلين الإصلاحي والمعتدل، اللّذان من المفترض أنهما متحالفان.

لم يستوعب كل من الإصلاحيين والمعتدلين الدرس من خطأ تناحرهم داخل البرلمان، وبعد شهرٍ من خسارة منصب نائب رئيس البرلمان، خسروا منصب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية للبرلمان، ليحلّ محل رئيسها الإصلاحي حشمت الله فلاحت بيشه، السياسي المتشدِّد مجتبي النُّوري.

مجتبي ذوالنوري الذي طالما طالب بـ«حرق» الصفقة النووية، وإعادة تخصيب اليورانيوم، حتى أنّه قدّم للبرلمان مشروع قانون يطالب فيه بخروج إيران من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.

الطامّة الكبرى.. الإصلاحيون متورّطون في الفساد أيضًا

دائمًا ما كان ينتقد الإصلاحيون المعسكر المحافظ بالتورُّط في الفساد المالي والإداري، وسيطرتهم على الاقتصاد الإيراني، تلك السيطرة التي عانى منها القطاع الخاص. بعد تمكُّنهم من بعض الحقائب الوزارية، والسيطرة على البرلمان بشكلٍ كبير، توقَّع الإيرانيون من التيار الإصلاحي بقيادة حسن روحاني معالجة الفساد الذي طالما انتقده.

Embed from Getty Images
أحد أبرز المتهمين في القضية أخو الرئيس حسن روحاني

لكنّه فوجئ بتورُّط شخصياتٍ إصلاحية كبيرة في قضايا اختلاس على نطاقٍ واسع، واستغلال للنفوذ، في أكبر قضية نصب واحتيال في تاريخ إيران الحديث بقيمة 7 مليار دولار!

كان من ضمن المتّهمين في القضية شقيق الرئيس الإيراني حسن روحاني، وشقيق النائب الأول للرئيس إسحاق جهانغيري، وابنه وزير الصناعة السابق نعمة زاده والمحسوب على التيار الإصلاحي أيضًا.

يخبرنا مصدرنا الإيراني، الصحفي المقيم في طهران والذي عمل على عددٍ من ملفات الفساد أنّ الإصلاحيين: «أصابهم الطمع، واللامبالاة بمطالب الناس، وأصبحوا أقرب إلى المحافظين والمتشددين، أرادوا العودة إلى الحياة السياسية من أجل طموحاتهم الشخصية فقط».

فقدوا مشاركة الإيرانيين

بعد كل هذه الخيبات والهزائم التي تعرّضت لها الحركة الإصلاحية، بدأ خطر عدم مشاركة الإيرانيين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، يحاول محمد خاتمي الآن إصلاح ما يمكن إصلاحه، لكي لا تخسر الحركة الاصلاحية ثروتها من أصوات الإيرانيين.

فحاول بشكلٍ غير مباشر انتقاد حسن روحاني وإدارته، لعلّه بهذا النقد يتبرّأ من الرئيس حسن روحاني وسياساته التي فشلت في تنفيذ أغلب وعوده الانتخابية، أو ليتطهّر خاتمي من ذنب دعوة الجماهير إلى التصويت لـحسن روحاني. كما دعا خاتمي الناس للمشاركة في الانتخابات المقبلة قائلًا: «أحثُّكم جميعًا على المشاركة في الانتخابات، وأحذّركم من المقاطعة التي ستكون نتائجها وخيمة على الشعب والبلاد».

كما قال خاتمي فالمتوقّع أنّ مقاطعة الناس للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستكون عواقبه وخيمة للغاية، وستعيد الساحة السياسية الإيرانية الواقع تحت سيطرة التيار المحافظ مرة أخرى كما حدث في عام 2004 و2009.

من المفترض أن تبدأ الانتخابات البرلمانية القادمة في فبراير (شباط) العام القادم، ممّا يعني أنّه لم يتبقّ أمام المعسكر الإصلاحي ورمزه الحالي حسن روحاني سوى بضعة شهور قليلة، لمحاولة معالجة أخطاء السنوات الثلاث الماضية، لإعادة كسب ثقة الجماهير مرة اخرى، لكنّ الطريقَ وعرٌ للغاية أمام الإصلاحيين هذه المرّة.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد