هل يصبح اكتشاف «الخلايا الزمنية» طوق النجاة لمرضى الزهايمر؟
تخيل أنك تسير في أحد الشوارع لتجد نجمك السينمائي أو لاعبك المفضل أمامك. بالتأكيد ستهرع إليه وتلتقط صورة تذكارية لك معه أو تحصل على توقيعه. وبعد مرور ثلاثة أيام، تجد نفسك جالسًا مع أصدقائك المقربين وأنت تخبرهم بكل فخر أنك قابلت هذا الشخص المشهور منذ ثلاثة أيام. السؤال هنا: ما الذي جعلك تتذكر أنك قابلت هذا الشخص المشهور منذ ثلاثة أيام تحديدًا؟
بالتأكيد فإن أدمغتنا تملك قدرة على الشعور بالوقت ومرور الزمن وإمكانية ترتيب الأحداث التي تقابلنا طبقًا لوقت وقوعها من الأقدم للأحدث أو العكس. لكن الجديد هنا أن العلماء تمكنوا من معرفة نوعية الخلايا في الدماغ المسؤولة عن هذه الأمور بشكل دقيق، وذلك لأول مرة في تاريخ الطب.
كيف تم اكتشاف «الخلايا الزمنية»؟
أخيرًا، وجد باحثون نوعًا من الخلايا يرتبط بالزمن في دماغ الإنسان، أطلقوا عليها اسم «خلايا زمنية». هذه الخلايا تساعدنا على تذكر تسلسل الأحداث وتوقيتها، ويمكن أن تكون أهدافًا لأنواع من العلاجات في المستقبل من أجل علاج فقدان الذاكرة الناتج عن مرض الزهايمر، على سبيل المثال. وبالتالي أنت تتذكر مقابلتك مع نجمك المشهور، لأن خلية زمنية في دماغك اشتعلت وأضاءت لك هذه الذكرى بتوقيت حدوثها.
حدد الباحثون هذه الخلايا لأول مرة في الفئران بناءً على نمط نشاطها الفريد أثناء إنشاء ذكريات عرضية تساعد على تذكر أحداث معينة. لكن لم يتم التعرف على وجود هذه النوعية من الخلايا في البشر. استمر هذا الأمر حتى وصلنا للحظتنا الحالية، حيث أظهرت دراسة جديدة وجود هذه الخلايا في دماغ البشر بالفعل.
فقد وجد برادلي ليغا، الباحث في المركز الطبي لجامعة جنوب غرب تكساس وزملاؤه بالولايات المتحدة، إشارات على وجود «الخلايا الزمنية» في أدمغة 27 شخصًا كانوا يخضعون لإجراء لإزالة جزء من دماغهم علاجًا للصرع المصابين به. كانت هذه هي اللحظة الفارقة في هذا الاكتشاف الهام. تستند هذه الدراسة بالذات إلى دراسة أجريت عام 2011 على القوارض، إذ وجد العلماء ما يسمى «الخلايا الزمنية» في الحصين.
لأسباب أخلاقية، من الصعب دراسة الخلايا العصبية بشكل فردي في أدمغة الأشخاص الأحياء. لكن عملية التسجيل الكهربائي للدماغ التي تتم قبل إجراء الجراحات في مرضى الصرع يوفر رؤية نادرة للخلايا داخل الدماغ بشكل محدد. قام العلماء بوضع أقطاب كهربائية صغيرة في أدمغة المشاركين في العلاجات الخاصة بالصرع، وهو ما سمح بقياس النشاط الكهربائي من الخلايا العصبية في منطقة «الحصين».
الذاكرة والخلايا الزمنية
و«الحصين» هو بنية دماغية معقدة موجودة في مكان عميق من الفص الصدغي. له دور رئيسي في عمليات التعلم والذاكرة. ويتميز بأنه هيكل ضعيف يتضرر من مجموعة متنوعة من المحفزات، وبتأثر أيضًا بالعديد من الاضطرابات العصبية والنفسية. وأثناء وضع الأقطاب الكهربائية، أكمل المشاركون اختبارًا للذاكرة. تطلب الاختبار من المشاركين عرض سلسلة من 12 إلى 15 كلمة، ظهرت كل منها على شاشة لمدة 1.6 ثانية، ثم يقوم المشاركون بتذكر أكبر عدد ممكن من الكلمات.
وجد الفريق البحثي أنه كلما كانت الخلايا التي أضاءت في الدماغ أثناء عملية الحفظ (أثناء عرض الكلمات) أكثر اتساقًا، زاد احتمال تذكر المشاركين للكلمات الصحيحة. وكلما زاد اتساق نشاط الخلايا الزمنية أثناء عملية الحفظ، زادت احتمالية أن يتذكر المشاركون الكلمات بشكل أوثق بالترتيب الذي قدمت به. هذه النتائج كانت مشابهه للنتائج التي حصل عليها العلماء سابقًا في الفئران.
في المقابل، لم يكن هناك ارتباط بين نشاط «الخلية الزمنية» والإجابات التي جمعت الكلمات حسب معناها، بدلاً من استدعاء ترتيبها الزمني الصحيح. هذا يؤكد أن هذه الخلايا المضيئة خلال عمليات الحفظ هي الخلايا المرتبطة بالوقت والتذكر المرتبط بالزمن.
«الخلايا الزمنية».. من «أين؟» إلى «متى؟»
يقول الباحثون إن نشاط الخلايا الزمنية هذه هو ما يمكّن الدماغ من إجراء روابط بين أحداث معينة، مثل رؤية كلمة معينة في القائمة، وبين الوقت الذي حدثت به تلك الأحداث، وهو أمر حاسم لتكوين الذكريات. عرف العلماء بالفعل كيف يقوم الدماغ بتشفير مكان حدوث شيء ما، وذلك بفضل اكتشاف خلايا المكان والخلايا الشبكية، وهو الاكتشاف الذي منح أصحابه جائزة نوبل عام 2014 في علم وظائف الأعضاء أو الطب. نحن نعلم أن خلايا المكان هذه توفر المعلومات المتعلقة بـ «أين»، هذا أمر محسوم ومعروف.
لكن المشكلة كانت تلك المتعلقة بـ«متى»، أو كيف يعرف المخ زمن الأحداث التي تقابله. بالنسبة لاكتشاف «الخلايا الزمنية»، يعد هذا أوضح دليل حتى الآن على «متى» في الحصين البشري. وبمعرفة «أين» و«متى» فإن الإشارات القادمة من هذه الخلايا ستكون سقالة ذكرياتنا العرضية.
ذاكرتنا طويلة الأمد للأحداث التي مررنا بها تتكون من معلومات مختلفة، والوقت عنصر أساسي بالطبع. نحن نعلم الكثير عن كيفية تخزين الدماغ للمعلومات المرتبطة بالأشخاص أو الأشياء أو موقع أحداث معينة في تكوين ذكريات طويلة المدى، ولكن لم نكن نعرف إلا القليل نسبيًا عن كيفية معالجة الدماغ البشري للوقت. ففي حين أن هناك بحثًا يوضح كيف يعالج الدماغ ترتيب الأحداث، لم يكن هناك دليل واضح على أن «الحصين» البشري حساس على الإطلاق لمعلومات الوقت على فترات زمنية قصيرة تستغرق ثواني.
«الخلايا الزمنية» والزهايمر
تقع «الخلايا الزمنية» التي وجدها هذا الفريق البحثي في منطقة الحصين كما ذكرنا. في هذه المنطقة من الدماغ يتم تكوين الذكريات لأول مرة. هذا هو أيضًا أحد الأجزاء الأولى من الدماغ التي تتأثر بمرض الزهايمر، لذلك ستكون خلايا الذاكرة أو الخلايا الزمنية في هذه المنطقة هدفًا جيدًا لعلاج فقدان الذاكرة، أهم وأسوأ أعراض مرض الزهايمر على الإطلاق.
في دراستهم، يكتب الباحثون أن استهداف الخلايا الزمنية يمثل استراتيجية مثيرة للاهتمام لعلاج عجز الذاكرة الناجم عن حالات أخرى أيضًا، بما في ذلك إصابة الدماغ وغيرها من مسببات فقدان الذاكرة العرضية.
(الاكتشاف الجديد يفتح الباب لعلاج فقدان الذاكرة)
فيما يتعلق بالخطوات التالية، يقول الباحثون إنه سيكون من المهم اختبار كيفية تعامل هذه المنطقة من الدماغ مع جداول زمنية أطول عندما يتعلق الأمر بتشكيل ذكريات طويلة المدى، وكذلك كيفية ضغط الوقت عند تكوين الذاكرة. أمر آخر يحتاج الباحثون للنظر فيه، هو كيف يعرف «الحصين» الفرق بين الوقت الذاتي والموضوعي، بكلمات أخرى، كيف يمكن أن تكون مدة شيء ما أطول أو أقصر اعتمادًا على كيفية تغير إدراكنا للوقت.
لا يزال هناك الكثير للحصول عليه واستكشافه فيما يتعلق بالتفاعل بين الوقت والذاكرة. المهم هنا أن الباب قد فتح وفي انتظار اكتشافات تضيء لنا إمكانيات اكتشاف علاجات مرتبطة بالذاكرة.