كشف تحليل لبيانات جُمِعت من أساور تتبُّع النوم في 68 دولة حول العالم أن الليالي الحارة – تعد أثرًا من آثار التغير المناخي- بصورة غير اعتيادية تجعل البشر ينامون في وقت متأخر ويستيقظون مبكرًا وينامون عدد ساعات أقل من الطبيعي. وحول هذه الدراسة، نشرت مجلة «نيو ساينتست» التي تغطي آخر المستجدات في العلوم والتكنولوجيا، تقريرًا أعدَّه آدم فوجان، مراسل الشؤون البيئية والطاقة في المجلة.

وفي مطلع التقرير، يُشير المراسل إلى أن القلق البيئي (ما يُعرف بآثار تغير المناخ على الصحة العقلية) يتسبب بالفعل في فقدان الناس للنوم نتيجةً للتغير المناخي. وفي الوقت الراهن، توصَّلت دراسة عالمية إلى أن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يُؤثر أيضًا في عدد الساعات التي يخلد فيها الإنسان إلى النوم، مشيرةً إلى أن المشكلة ستتفاقم كثيرًا في القرن الحالي، حتى وإن تمكن الإنسان من السيطرة على انبعاثات الكربون.

التغير المناخي: بيانات من 48 ألف شخص

يُوضِّح التقرير أن البشرية كانت ترى في السابق أن تأثير درجات الحرارة التي تزيد على المعدلات المتوسطة تأثير محدود في النوم أثناء الليل، نظرًا إلى اقتصار هذه التقييمات على دول بعينها أو اعتمادًا على الدراسات المختبرية فحسب، أو من خلال الإبلاغ الذاتي عن النوم المعروف بأنه أقل كفاءة. ومن أجل الحصول على صورة أفضل للعالم الحقيقي، جمع كيلتون مينور، من جامعة كوبنهاجن بالدنمارك، بيانات من أساور تتبُّع النوم والتي ارتداها 48 ألف شخص من 68 دولة حول العالم في الفترة ما بين عامي 2015 و2017.

وبعد ذلك، قرَنَ مينور وزملاؤه المشاركين في الدراسة بين بيانات النوم وبيانات الطقس المحلية، واكتشفوا أن الليالي التي ارتفعت فيها درجات الحرارة بصورة غير اعتيادية جعلت البشر ينامون في وقت متأخر ويستيقظون مبكرًا وينامون عدد ساعات أقل من الطبيعي. وبالفعل، تشير الشواهد إلى أن الناس يفقدون نحو 44 ساعة من النوم سنويًّا. وقدَّر الفريق البحثي أنه، بحلول عام 2100، سيفقد الناس 58 ساعة من النوم سنويًّا إذا استمرت الانبعاثات دون رادع. وسيقل هذا ​​الرقم إلى 50 ساعة إذا انخفضت الانبعاثات في المستقبل.

Embed from Getty Images

ويلفت التقرير إلى أن مينور وفريقه البحثي قاسوا مستويات فقدان النوم في الليالي التي ترتفع فيها درجات الحرارة بصورة غير طبيعية من خلال مقارنة البيانات بمعيار مقدار النوم الطبيعي لكل شخص. وراقبوا أيضًا التفسيرات المحتملة الأخرى المتسببة في فقدان النوم، مثل الطقس والموسم. يقول مينور إن: «هذا هو أول دليل على مستوى الكواكب على أن درجات الحرارة الأعلى من المعدلات المتوسطة ​​تؤدي إلى تآكل معدل نوم الإنسان. إننا نبين من خلال دراستنا تلك أن فقدان النوم يحدث في المقام الأول بسبب تأخير وقت النوم».

معدلات نوم الإنسان: من الأكثر تأثرًا؟

يضيف التقرير أن هناك بعض التجمعات البشرية تتعرض لدرجات حرارة أسوأ من غيرها، لذلك، وجد الفريق البحثي أن درجة الحرارة فوق معدلها المتوسط في الليل تؤثر بدرجة أكبر بكثير في الأشخاص المقيمين في الدول ذات الدخل المنخفض والنساء وكبار السن. أما هؤلاء الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر، فقد كان تأثير ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية عن الحد الأدنى أثناء الليل تأثيرًا مضاعفًا في النوم مقارنة بتأثيره في الفئات العمرية الأصغر.

البيئة

منذ 10 شهور
اضطراب «القلق البيئي».. هذا ما يفعله التغير المناخي في المهتمين بالكوكب!

وتوصَّل الباحثون إلى أن الناس لم تستطع تغيير سلوكها اليومي للتعامل مع قلة النوم، مثل أخذ قيلولة. كما لم تستطع أيضًا التأقلم مع المواسم المختلفة، على سبيل المثال، من خلال إدراك أنه من الأسهل النوم في ليلة حارة في نهاية فصل الصيف أكثر من النوم في ليلة حارة في أوائل فصل الصيف. ويوضح مينور قائلًا: «لم نجد مؤشرًا على أن الناس تتأقلم بصورة جيدة».

ويرجِّح التقرير أن بعض الناس، الذين يعيشون في البلدان ذات الدخل المرتفع، من المحتمل أن يستخدموا أجهزة تكييف الهواء، والتي يمكن عدها شكلًا من أشكال التأقلم مع درجات حرارة الصيف المرتفعة، لكن ماينور أبرز أن نتائج الدراسة لم تُتِح له تأكيد هذا الارتباط بصورة قاطعة. وعلاوةً على ذلك، تكلفة تكييف الهواء تجعله بعيدًا عن متناول كثير من الناس ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الانبعاثات بسبب استخدام طاقة الوقود الأحفوري.

منهجية الدراسة بين الدقة والتشكيك

يستشهد التقرير بما أكدَّته سوزان كلايتون، أستاذة علم النفس والدراسات البيئية في كلية ووستر بولاية أوهايو، أن المنهجية التي اتَّبعتها الدراسة سليمة وتتضمن فحصًا «دقيقًا جدًّا» للتفسيرات الأخرى. وأضافت قائلة إن: «الآثار المترتبة على ذلك واضحة: إذ تُقلل درجات الحرارة المرتفعة المرتبطة بالتغير المناخي بالفعل من معدل النوم الذي يحصل عليه الناس، ومن المتوقع أن تفعل أكثر من ذلك. ونظرًا إلى أننا نعلم أن قلة النوم يمكن أن تؤثر سلبًا في الحالة المزاجية للإنسان وسلوكه وصحته وأدائه المعرفي، فهذا أمر يثير القلق».

Embed from Getty Images

وأشارت إيفانا روزينزويج، من كينجز كوليدج بلندن، إلى أن الدراسة تعرض قوة البيانات الهائلة وتتوافق مع الدراسات السابقة التي تُظهر أنه كلما كان الجو أكثر برودة، يستغرق الناس في النوم بصورة أفضل. إلا أن إيفانا أوضحت أن: «مدى التأثير المقيس ضئيل، مجرد دقائق من النوم في الليلة، أو أقل من 3% من إجمالي وقت النوم».

ومع ذلك، قال مينور إن نوعية الأشخاص الذين يفضِّلون ارتداء جهاز تتُّبع النوم قد يكون بإمكانهم أيضًا الحصول على تقنيات أخرى من شأنها أن تُحِد من تأثير الليالي الحارة على نومهم. ولهذا السبب، يرى مينور أن تقديرات الفريق البحثي لمدى تأثير التغير المناخي في النوم من المرجَّح أن تكون أقل من المعدلات الحقيقية، وفقًا لما يختم المراسل تقريره.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد