بدءًا من قيرغيزستان ومرورًا بفيتنام ووصولًا إلى اليابان، وفَّرت جائحة كوفيد-19 أرضًا خصبة يرتع فيها الفساد من قمة وزارات الصحة إلى المواطنين العاديين الذين يحتالون على النظام، وذلك بحسب ما جاء في تقرير أعدَّته الصحافية كاثرين بوتز ونشرته مجلة «ذا دبلومات».

تبدأ مديرة تحرير المجلة الأمريكية بالإشارة إلى أن وزير الصحة ونائبه في قيرغيزستان، ورئيس بلدية هانوي الفيتنامية، ورجل ياباني هارب في إندونيسيا ألقي القبض عليهم جميعًا في الأسبوع الماضي على خلفية الفساد المرتبط بجائحة كوفيد-19. 

بيئة خصبة للفساد

وأشارت الكاتبة إلى أن الجائحة، التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية رسميًّا في 11 مارس (آذار) 2020، دمرت الاقتصادات العالمية بسبب إغلاق الحدود. وكذلك أثارت تلك الجائحة إنفاقًا عامًّا هائلًا في جميع أنحاء العالم، والذي تكثف عندما أصبحت اللقاحات متوفرة وضرورية لرسم مسار للعودة إلى نوع من الحياة الطبيعية.

العالم والاقتصاد

منذ سنة واحدة
ثنائية الثروة الفاحشة والفساد.. لهذه الأسباب لن يظهر «باتمان» بين الرأسماليين

وأوضحت الكاتبة أنه في ضوء إعطاء الأولوية القصوى للسرعة، أثبت السباق لتطوير اختبارات كوفيد-19 وتوفير لقاحاتها أن هناك بيئة خصبة يرتع فيها الفساد بدءًا من قمة الوزارات المكلَّفة بحماية الصحة العامة ووصولًا إلى المواطنين العاديين الذين يسيئون استخدام الأنظمة التي وُجدت بالأساس لمساعدة الناس والشركات على الصمود.

وفي 2 يونيو (حزيران) 2022، اعتقلت السلطات في قيرغيزستان وزير الصحة القيرغيزي أليمكادير بيشنالييف في العاصمة القيرغيزية بشكيك. وكذلك اعتُقِل ثلاثة موظفين آخرين في الوزارة، وهم نائب الوزير أولوك بيك بيكتورجانوف، ومدير المركز الجمهوري للوقاية المناعية جولبارا إيشينابيسوفا، ورئيس قسم الأدوية والمنتجات الطبية سلطان ساتاربيكوف.

التربح من شراء اللقاحات

وفقًا لمكتب المدعي العام القيرغيزي، وحسب ما أوردته خدمة قيرغيزستان التابعة لـ راديو أوروبا الحرة/راديو ليبرتي (RFE/RL)، تلقت قيرغيزستان أكثر من 450 ألف جرعة من لقاحات فيروس كورونا من الصين وروسيا وأذربيجان وكازاخستان والمبادرات الدولية في إطار المساعدات الإنسانية. وتفاوضت قيرغيزستان على نحو منفصل لتلقي 6 ملايين جرعة من الصين وروسيا مجانًا.

Embed from Getty Images

رئيس قيرغستان يتلقى جرعة من لقاح كورونا 

وبعد ذلك، وحسب ما تتابع الكاتبة، تزعم السلطات أن بيشنالييف أمر، في أبريل (نيسان)، ويونيو، ويوليو (تموز)، وسبتمبر (أيلول) 2021، بشراء أكثر من 2.4 مليون جرعة من الشركات الأجنبية الخاصة بأكثر من 1.5 مليار سوم قيرغيزي (حوالي 18.8 مليون دولار). وقالت السلطات إن الأموال ذهبت إلى حسابات خارجية، وإن زيادة المعروض من اللقاحات تعني فائضًا بنحو 3 ملايين جرعة تنتهي صلاحيتها الآن دون استخدام.

وفُصِل نائبان آخران لوزراء الصحة وواجه المحتجزون مجموعة من التُّهم، بما في ذلك الفساد والابتزاز وإساءة استخدام السلطة.

التلاعب في أسعار الاختبارات

وأضافت الكاتبة أنه بعد أقل من أسبوع في 8 يونيو، وعلى بعد آلاف الأميال، اعتقلت السلطات الفيتنامية وزير الصحة الفيتنامي ورئيس بلدية هانوي، العاصمة، في إطار تحقيق موسع في التلاعب الهائل في أسعار اختبارات كوفيد-19.

وأُقِيل وزير الصحة نجوين ثانه لونج من منصبه وفُصِل تشو نجوك آنه، وزير العلوم السابق، من وظيفته التي كان يشغل فيها رئيس بلدية العاصمة. ويخضع الآن كلاهما للتحقيق بتهمة إساءة استخدام السلطة، وطُرِدا من الحزب الشيوعي الفيتنامي.

صحة

منذ سنتين
هل يمكن أن يصل العلماء للقاح واحد سحري ضد كل متحورات كورونا؟

ووفقًا لوكالة أسوشيتيد برس، وجد تحقيق حكومي أن سوء الإدارة في وزارتي الصحة والعلوم سمح لشركة فيت إيه تكنولوجي كوربوريشن بتضخيم أسعار مجموعات الاختبارات المقدمة إلى المستشفيات والمراكز الصحية في فيتنام. وألقت السلطات القبض على حوالي 60 شخصًا أثناء التحقيق، وأفادت تقارير أن مدير الشركة، فان كووك فيت، اعترف بدفع رشاوي للمسؤولين الحكوميين الذين رتَّبوا شراء مجموعات الاختبار بأسعار مُبالَغ فيها.

الاحتيال للحصول على أموال الإعانات

وانتقلت الكاتبة إلى الواقعة الثالثة فتقول: وفي غضون ذلك، وفي إندونيسيا 7 يونيو ألقت السلطات في جزيرة سومطرة القبض على تانيجوتشي ميتسوهيرو، وهو مواطن ياباني مطلوب للشرطة اليابانية بتهمة الاحتيال. 

Embed from Getty Images

تانيجوتشي ميتسوهيرو في قبضة الشرطة الإندونيسية

وتناقلت التقارير أن تانيجوتشي ومجموعة من معارفه قدموا حوالي 1700 طلب زائف للحصول على أموال الإغاثة المرتبطة بكوفيد-19. وتعتقد إدارة شرطة مدينة طوكيو أن تلك المجموعة تلقت إعانات لأكثر من 960 من تلك الطلبات التي يقدر مجموعها بنحو 960 مليون ين ياباني (7.3 مليون دولار).

وبحسب التقارير غادر تانيجوتشي اليابان في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بعد شهرين من قيام المكتب الذي يقدم الإعانات بالتشاور مع شرطة طوكيو ومن ثم الكشف عن المخطط. وهو مطلوب من الشرطة اليابانية منذ مايو (آيار) 2022، عندما ألقت الشرطة في اليابان القبض على زوجته السابقة وولديه. وألغت طوكيو جواز سفر تانيجوتشي، مما مهَّد الطريق لاعتقاله في إندونيسيا وربما تسليمه.

وفي حين أن كل قضية مختلفة (ويجب على السلطات في كل دولة إثبات مزاعمها في محكمة عادلة)، فإن جائحة كوفيد-19 هي الخيط الذي يربطهم جميعًا. وهذه الحالات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.

وتختم الكاتبة تقريرها بالقول إن الجائحة ولَّدت اليأس وأتاحت الفرص على حد سواء، مُشدِّدة على أن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي لا يزال يتردد صداها للجائحة تجعل معاقبة الفاسدين الآن ممارسة سياسية رشيدة. وبذلك، يمكن توجيه اللوم عن أوجه القصور في استجابة أية حكومة للجائحة إلى عددٍ قليل من الجهات الفاعلة السيئة، بدلًا عن الأنظمة بأكملها. وكما قال ونستون تشرشل ذات يوم «لا تدع أزمة تمر بلا فائدة».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد