هل أقلقك يومًا ما الشعور بأنك لست شغوفًا بوظيفتك؟ ربما ليس من الضروري أن تُحب وظيفتك. وفي هذا الصدد يوضح بودكاست «لايف كيت» الذي تبثه شبكة «إن بي آر» الأمريكية، لماذا ليس عليك أن تبحث عن شغفك في مجالك المهني.
نشرت الشبكة تقريرًا يستعرض أبرز ما جاء في البودكاست الذي قدمته روث تام بإسهامٍ من سيلفي دوجليس. في البداية تقول مقدمة البودكاست إن إحدى النصائح المهنية الشائعة لمن يبحثون عن عمل هي البحث عن الوظيفة التي يحبونها. وتتابع مُعدة التقرير قائلة: سواء كنت على أبواب تخرجك الجامعي، أو من الساعين لتغيير مجال عملهم، فتلك النصيحة هي «السر» المشترك الشائع لتجنب مهنة مملة، أو الانخراط في نشاط صعب، وتستدرك متسائلة: ولكن هل هذا الأمر حقًا بهذه السهولة؟
تجيب بلفي عن هذا السؤال عالمة الاجتماع إيرين إيه سيك في كتابها «متاعب الشغف: كيف يؤدي البحث عن الرضى في العمل إلى تعزيز عدم المساواة». كما تشارك إيرين بحثًا جديدًا حول ما تسميه «مبدأ الشغف»، الفكرة التي مفادها أنه ينبغي على المرء أن يجد العاطفة في حياته المهنية، قبل الأجر العادل أو الأمان الوظيفي.
وترى إيرين أنه لا حرج في البحث عن الرضى في العمل. لكن حب الوظيفة يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ إن هذا الشغف تغمره التوقعات بأنك ستفعل كل ما يتطلبه الأمر من أجل حياتك المهنية، وهو ما تقول إيرين إنه يمكن أن يؤدي إلى الاستغلال وعدم المساواة في أماكن العمل.
وتقول مقدمتا البودكاست أنهما تحدثا إلى إيرين سيك عن سبب التقدير العالي لوجود الشغف في مجالات العمل، وكيف أن السعي وراء تحقيق الشغف أكثر تعقيدًا من مجرد «حب ما تفعله».
لم يكن الشغف الوظيفي دائمًا أولوية
وتوضح إيرين أن إعطاء الأولوية لحب الوظيفة يُعد مفهومًا جديدًا نسبيًّا عندما يتعلق الأمر بالبحث عن وظيفة. ففي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، كانت المشورة المهنية تتمحور حول البحث عن الاستقرار، وكانت تلك المشورة تشجِّع العمال على الحصول على وظائف من شأنها دعمهم وعائلاتهم. ولكن خلال السبعينات، والثمانينات، والتسعينات، تجاوز البحث عن تحقيق الذات مسألة الاستقرار باعتباره الدافع الرئيس في البحث عن وظيفة.
في الوقت نفسه، وحسب ما تضيف إيرين، أصبح العمل أيضًا «أكثر تقلبًا»، ذلك أن الصناعات المعروفة باستخدامها العمالة الطويلة الأجل والمستقرة باتت تستعين بمصادر خارجية لأداء الأعمال. والآن لم يعد العمال يبقون في شركة واحدة لعقود كما كان يحدث من قبل. لقد انتهت الآن الوظائف التي تدوم لفترة طويلة، وحلَّت محلها وظائف مؤقتة. واستجابة لعدم استقرار سوق العمل، بدأ يسيطر على العاملين من خريجي الجامعات فكرة أن الشغف ينبغي أن يكون العامل الرئيس في البحث عن وظيفة، وليس الأمان الوظيفي.
عندما نمدح الشغف بالوظيفة.. فإننا نكافئ الامتياز
في عام 2005 وحسب ما توضح إيرين أكد ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي لشركة «آبل» آنذاك، على دور الشغف في العمل عندما ألقى كلمة الافتتاح في جامعة ستانفورد، والتي قال فيها: «الطريقة الوحيدة للقيام بعمل رائع هي أن تحب ما تفعله. وإذا لم تجده بعد فاستمر في البحث عنه ولا تتوقف».
وقد اشتهر جوبز، شأنه شأن العديد من أقرانه، باتباع شغفهم من خلال التسرب من جامعاتهم والسعي وراء أفكار تجارية غيرت أنشطتهم، وجعلتهم أثرياء للغاية. وقصصهم هذه تجعل السعي وراء الشغف ليس فقط أمرًا رومانسيًّا، بل محتومًا. بيد أن تحقيق النجاح بعد اتباع شغفك ليس بالأمر المضمون. تقول إيرين: «قصص مارك زوكربيرج وستيف جوبز اكتسبت أهمية على الصعيد الثقافي لأنها قصص نجاح، لكننا لا نسمع قصص الأشخاص الذين اتبعوا شغفهم ولم يحققوا النجاح المنشود».
تضيف إيرين أن احتمالية ضمان طلاب الجامعات، من ذوي الدخل المنخفض، لشبكات الأمان المالي أو الوقوف على نقطة انطلاق من شبكاتهم الاجتماعية لتحويل المجالات التي يحبونها إلى عمل يتماشى مع شغفهم ويحصلون من خلاله على راتب لائق، هي احتمالية منخفضة للغاية.
وبِناءً على بحثها تُرجح إيرين توظيف الأشخاص من العائلات الثرية في وظائف تتلاءم مع شغفهم وتكون مستقرة، يكون أعلى مقارنةً بالأشخاص من خلفيات أقل ثراءً.
وتتابع إيرين: «الأشخاص الذين يحفزهم الشغف أولًا هم على الأرجح الأكثر استعدادًا لبذل مزيد من الجهد في أعمالهم من الأشخاص الذين لا يتوفر لديهم مثل هذا الشغف بالعمل، لكنهم لا يحصلون بالضرورة على مقابل أكبر يكافئ جهدهم الإضافي».
وتشير إيرين إلى أن عدم تناسب أجورهم مع ما يبذلونه من جهد إضافي يكون مقصودًا في بعض الأحيان، لافتةً إلى أن السبب وراء رغبة العديد من أصحاب العمل في توظيف الأشخاص الذين يحبون عملهم ليس فقط لأنهم يعتقدون أنهم سيبذلون جهدًا أكبر في العمل، بل لأنهم «يتوقعون أن لا يُطالب هؤلاء المتحمسون الذي يقومون بمزيد من العمل بزيادة في أجورهم».
السعي وراء شغف الوظيفة لا يضمن في الواقع عملًا أفضل
وتنوِّه إيرين إلى أن الأشخاص الذين يعملون في مجالات التعليم والرعاية الصحية والعمل الاجتماعي والصحافة والمنظمات غير الربحية وغيرها من المجالات التي تعطي الأولوية لحب الوظيفة يشتهرون بالتفاني والعمل لساعات طويلة، لكن الخلط بين العاطفة والعمل الإضافي يمكن أن يؤدي إلى نتائج تُقوِّض تلك المهمة ذاتها، منها الإرهاق، والاستياء، والاستقالة.
توضح إيرين: إذا كنت معلمًا، «فالأمر يختلف من كوْنك لطيفًا ومراعيًا للمشاعر ومفيدًا ومهتمًا بطفل ما وبين تأديتك هذا العمل كما لو كان الجزء الأساسي من هويتك». ويمكن أن يكون الفَصْلُ بين إحساس المرء بالتفاني وعدد الساعات الإضافية التي يقضيها في الوظيفة مفيدًا للمرء ولرئيسه ولفريقه على المدى الطويل.
وتقول إيرين: «عندما نمنح الموظفين مزيدًا من الراحة، ومزيدًا من التحكم في جدول أعمالهم، وأوقات إجازة أكبر، فإنهم في الواقع يصبحون أكثر إنتاجية، ومرونة، وإبداعًا». وتضيف: «ليس من مصلحة أي مؤسسة أن تطالب بثقافة الإفراط في العمل طوال الوقت، على الرغم من أنه يبدو وجود علاقة منطقية بين توقعات العاطفة والإنتاجية».
ليس عليك تغذية شغفك من خلال العمل
وتُذكِّر إيرين بأن الشغف لم يكن دائمًا أولوية لدى العمال، فإذا كنت لا تشعر بالرضا الشخصي عن وظيفتك، فهذا لا يعني أنك غير قادر على أدائها على نحو جيد. وهذا لا يعني أيضًا أنه ليس بمقدورك أن تحيا حياة سعيدة، مفعمة بالرضا بعيدًا عن حياتك المهنية.
وتنصح إيرين في ختام البودكاست قائلة: بدلًا عن إثارة كل شغفك من مكان واحد، اسأل نفسك: ما هي الأشياء التي أحبها خارج العمل الذي أتقاضى عليه أجرًا؟ وكيف يمكنني استثمار الوقت، والطاقة، والاهتمام في تنمية الشغف بتلك المساحة؟
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».