وثائق إمبراطورية طوكيو تقدم النصائح التي يؤكدها العلم في الوقت الحالي: السر وراء طول العمر يكمن في الفنون اللطيفة التي تحدث داخل غرفة النوم.

نشرت مجلة «إيون» الرقمية الأمريكية التي تهتم بالأفكار العميقة والمثيرة في مجالات العلوم والفلسفة والمجتمع والفنون مقالًا للكاتب دينيس نوبلي، أستاذ فخري لفيزيولوجيا القلب والأوعية الدموية في جامعة «أكسفورد»، حول بعض الوثائق القديمة الخاصة بالإمبراطورية اليابانية عن أسرار طول العمر، موضحًا أنها تكمن في بعض الممارسات الجنسية.

في البداية، يشير الكاتب إلى أنه لما يربو على ألف عام، حافظت العائلة الإمبراطورية اليابانية وأطباؤها على كنزٍ من الطب الشرقي: مخطوطات إسينهو (Ishinhō) الثلاثين الكاملة، أو «قلب الوصفة الطبية»، وهذا الكُتيب الجامع مُستقًى من مصادر هندية وصينية وكورية وغيرها، على الرغم من أن وثائق أصلية عديدة قد فُقدت أو دُمِّرت.

الجنس: قوة الحياة

يقول الكاتب: وفي عام 2012، ذهبتُ إلى الأرشيف الإمبراطوري في قصر طوكيو وتفحَّصتُ هذه المخطوطات الثمينة، وسررتُ باكتشاف نهجٍ علاجي شامل: لم أجد علاجات عشبية أو أطعمة مغذِّية ونصائح لأسلوب الحياة فحسب، ولكن وجدتُ أيضًا، في المخطوطة رقم 28، إرشادات للحفاظ على «jingqi» أو قوة الحياة، مع التركيز على الطاقة الجنسية، وكانت هذه الوصفات، التي وُضِعت قبل ألفي عام على الأقل في شرق آسيا، على عكس الأفكار الغربية تقريبًا، لأنها تتطلب تحقيق النشوة الجنسية دون إنزال السائل المنوي.

مجتمع

منذ سنة واحدة
«فن المانجا الياباني»: كيف ساهمت قصص هزلية في تقدم اقتصاد اليابان؟

ولفت الكاتب إلى أن الفكرة تعود إلى القرن العاشر، خلال حكم هييآن، وهو العصر الذهبي للشعر والأدب في اليابان، حيث كُتِب كثير من الشعر والروايات حول الرومانسية والنهج الطبيعي للعلاقات الجنسية الشائعة في اليابان القديمة، وفي جميع هذه الأعمال الأدبية، تصف الاستعارات النابضة بالحيوية النهج المتأني والحَذِر للاستمتاع بالجماع.

يا له من كُتيب جامع رائع، ذلك الذي كتبه طبيب البلاط الياباني تامبا ياسويوري في عام 984م، وفي المخطوطة رقم 28 من رائعة تامبا، كُشِف عن سردية صينية كلاسيكية من خلال تعاليم لثلاث نسوة قيل إنهن نصحن الإمبراطور بشأن ممارسات تخص طول العمر، وعندما تمكنتُ من الاطلاع على المخطوطات مرةً أخرى في عام 2018، مع أعضاء قياديين في المؤسسة الطبية الحديثة في اليابان، تمكنتُ من تحديد أسماء النساء الثلاث، وكانت إحداهن تستخدم قصيدة شعر من أقدم القصائد عن العلاقة الجنسية، التي كُتبت من حوالي مائتي سنة:

إذا فعلتها مرة واحدة: تشتد طاقتك. 

إذا فعلتها مرتين: يصفو سمعك وبصرك. 

إذا فعلتها ثلاث مرات: يصح من الأسقام جسدك. 

إذا فعلتها أربع مرات: تسكن روحك. 

إذا فعلتها خمس مرات: يتدفق الدم بقوة في عروقك. 

إذا فعلتها ست مرات: يشتد صُلبك. 

إذا فعلتها سبع مرات: يقوى عُودك. 

إذا فعلتها ثماني مرات: يُشرق بالنور جسدك. 

إذا فعلتها تسع مرات: يطُل عمرك. 

إذا فعلتها عشر مرات: تكن من الخالدين. 

Embed from Getty Images

ويمكن تفسير كل بيت في القصيدة على أنه يشير إلى ممارسة جنسية لمرة واحدة أو لعدة مرات أو ممارسة جنسية مع امرأة واحدة أو أكثر، كما هو حال الملوك الذين لديهم عدة زوجات وخليلات، والورق النادر الذي كُتبت عليه المخطوطات هشٌّ للغاية، والنسخة الأصلية هي الآن كنز وطني محفوظ في المتحف الوطني في طوكيو.

وهذه القصيدة بالطبع، كغيرها من القصائد الصينية القديمة حول فنون الحب، تحتاج إلى تفسير مجازي، ولا تحمل كلمات مثل «تكن من الخالدين» المعنى نفسه عند استخدامها في الأديان الغربية، والهدف من القصيدة التشجيع على تحسين الصحة وطول العمر بوجه عام، والحقيقة الأعمق للقصيدة هي أن كل شيء فيها مترابط، وهذا هو بالضبط ما يكتشفه العلم الحديث عندما يوضح مدى الترابط بين الجينات والأمراض، إذ تسهم معظم الجينات في حدوث معظم الأمراض.

الجسم نظام متكامل

وأوضح الكاتب أن المخطوطات، المكتوبة كلها باللغة الصينية الكلاسيكية، تتطلب مهارة كبيرة لترجمتها إلى اللغة اليابانية الحديثة، وكان هذا هو العمل الحياتي لساشيكو ماكي، الذي عمل لأكثر من 40 عامًا لإنتاج الترجمة اليابانية الحديثة الكاملة في سلسلة من 34 مجلدًا، وتكشف النسخة اليابانية أن تامبا تأثر تأثرًا كبيرًا بالبوذية في اختياره لما يجب الحفاظ عليه من النصوص الصينية القديمة، واستبعد جميع المنتجات الحيوانية وجميع المعادن السامَّة المحتملة، وكانت العلاجات الوحيدة المذكورة في المخطوطات علاجات عشبية أو غذائية أو جنسية.

وبصفتي رائدًا في بيولوجيا الأنظمة الحديثة ونظرتها المتعددة المستويات إلى الكائنات الحية، قدَّرتُ على الفور وجهة النظر الآسيوية التقليدية القائلة إنه لا ينبغي النظر إلى أجزاء من جسم الإنسان بمعزل عن بعضها بعضًا، بل يجب النظر إليها بوصفها جزءًا من كل ( نظام متكامل).

هل يمكن إيقاف الشيخوخة؟

يقول الكاتب: وفي لقاءٍ غير مخطط له مع أكاديميي «أكسفورد» في عام 2016، بدأتُ مناقشة المخطوطات، وتحديدًا المخطوطة رقم 28، مع رائدة الأعمال ليزلي كيني، كانت ليزلي كيني تعمل مع العالمتين كاتيا سيمون وغادة الصالح من جامعة «أكسفورد» على مركَّب يسمى السبيرميدين – سُمِّي بذلك لوجوده في السائل المنوي – وعلى غير المتوقع، كانت ليزلي تتمتع بخبرة في علم الجنس في الصين، وكانت على دراية بالممارسات والمعتقدات الطاوية القديمة حول الإثارة الجنسية والعلاقة الحميمة وفوائدها الصحية.

وكانت على علمٍ أيضًا ببحوث «أكسفورد» التي توضح أن السبرميدين يتسبب في الالتهام الذاتي وقدرة الجسم الداخلية على تجديد الخلايا وإعادة تدويرها، وعملية الالتهام الذاتي مهمة للغاية؛ حتى إن العالم الياباني أوسومي يوشينوري حصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء في عام 2016 لاكتشافه آلية عملها.

Embed from Getty Images

وتساءلت ليزلي كيني هل الإثارة الجنسية مع عدم قذف السائل المنوي سيُعيد امتصاص السبرميدين لدى الرجل، ومن ثم يستفيد الرجل من تعزيز الالتهام الذاتي الخلوي ويستفيد من الآثار البيولوجية الناتجة، وتساءلتُ أيضًا عن الفوائد المحتملة لإعادة امتصاص الحيوانات المنوية لصحة الذكور، ومن أجل اختبار نظريتنا، كان من الضروري تحديد ماهية الشيخوخة، ومن ثم إثبات أن إرشادات المخطوطة رقم 28 أدَّت إلى إيقاف الشيخوخة.

ونُشرت واحدة من أكثر دراسات البحث العلمي التي يُستشهد بها حول هذا الموضوع في عام 2013 في مجلة علم الأحياء الرئيسة «Cell»، وافترضت الدراسة – التي أعدَّها عالم الكيمياء الحيوية الإسباني كارلوس لوبيز أوتين وزملاؤه في مدريد وكولونيا ولندن وباريس تسع سِمات مميِّزة للشيخوخة، وافترضت أنه من الممكن وقف عملية الشيخوخة نفسها.

وأحد العوامل المحتملة التي ذكرها كان السبيرميدين، لأنه يتسبَّب في الالتهام الذاتي، فقد كان قادرًا على منع كثير من هذه السِّمات المميِّزة للشيخوخة، بل وحمى أيضًا الحمض النووي للميتوكوندريا (أجزاء مُهِمَّة من الخلايا، لأنها تأخُذ المواد الغذائية وتصنع الطاقة التي يُمكِن أن تستخدمها باقي الخلية).

في الآونة الأخيرة، كشفت مجموعة من الدراسات الجديدة أن السبيرميدين يحمي الميتوكوندريا من الشيخوخة، وإذا كان السبرميدين يمنع الخلل الوظيفي في الميتوكوندريا، أساس الطاقة الخلوية، فمن المنطقي أنه ربما يطيل عمر الإنسان أيضًا.

وحماية الميتوكوندريا كانت مجرد بداية، إذ اكتشف العلماء مؤخرًا أن السبرميدين يمكنه منع أربع سِمات سلبية إضافية للشيخوخة: التغيرات اللاجينية التي تضر بالتعبير الجيني، وضعف صيانة البروتينات، وضعف إنتاج الخلايا الجذعية، وتعطيل الاتصال بين الخلايا، وتشير الأبحاث الناشئة إلى أنه قد يمنع الشيخوخة الخلوية أيضًا.

والمركب الآخر الوحيد الذي صُنِع لمنع ستٍّ من هذه العلامات السلبية كان عقارًا يسمى رابامايسين، والذي تسبب للأسف في التثبيط المناعي ولكن لا تعرف أي آثار جانبية للسبيرميدين، والسِّمة المميِّزة الأخرى للشيخوخة هي تآكل التيلوميرات، وهي الأطراف التي تحمي نهايات الكروموسومات من التلف؛ فهل يمكن حماية التيلوميرات نفسها بطريقة أو بأخرى من خلال وصفة «ممارسة الحب ليطول العمر»؟

واكتشفت إليزابيث بلاكبيرن، الحائزة على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب، والأستاذة الفخرية في معهد سالك للعلوم البيولوجية في كاليفورنيا، قوة التيلوميرات مع إنزيم يسمى التيلوميراز الذي يمكنه إطالة تلك التيلوميرات، ومن ثم إطالة العمر.

Embed from Getty Images

ولكن إذا كان بإمكان السبرميدين والتيلوميراز معًا إيقاف جميع علامات الشيخوخة تقريبًا، فما الغرض من بقية وصفة طول العمر في المخطوطات المترجمة؟ لقد كنتُ مفتونًا بالإعجاب الطاوي الشديد باللعاب البشري، كان الطاويون القدماء يؤدون طقوسًا يتبادلون فيها أكواب اللعاب لتحسين الصحة.

بين العلوم الغربية والطب الشرقي

يقول الكاتب، بصفتي عالمًا ومؤرخًا، قضيتُ وقتًا طويلًا في دراسة أعمال تشارلز داروين، والتوفيق بينها وبين الاكتشافات العلمية الحالية، وعلى عكس ما يعتقده كثير من علماء الأحياء التطورية اليوم، أدرك داروين أن أجسامنا يجب أن تتواصل مع الخلايا الجرثومية، الحيوانات المنوية والبويضات؛ وأحد استنتاجاتي الأخيرة هو أن العلم الحديث قد اكتشف المكونات الدقيقة التي ينطوي عليها هذا الاتصال؛ نسميها اليوم الحويصلات الخارج خلوية أو (exosomes)، وثبُت أن هذه الحويصلات الخارج خلوية تتواصل مع الخلايا الجرثومية.

وتساءلتُ هل كانت الإرشادات الخاصة بطول العمر في المخطوطة رقم 28 تعني أنه يجري تنشيط خطوط الطول أو القنوات النشطة – وهي تعريفات أساسية جدًّا للطب الشرقي التقليدي – من خلال اللمسات اللطيفة للزوجين أثناء الجماع، وإذا جرى تبادل الحويصلات الخارج خلوية الموجودة في اللعاب عند تبادل القبلات مع القنوات النشطة هذه، فقد تكون بمثابة إشارات إلى الخلايا الجذعية الصغيرة جدًّا الموجودة في كل مكان في الدم لتخبرهم أين يذهبون لإصلاح الأنسجة، بل وتغيير مستقبلات الخلايا نفسها أيضًا؛ فهل يمكن أن تكون القنوات النشطة الغامضة بعض وظائف الحويصلات الخارج خلوية؟

هل توصَّل الطاويون القدماء إلى طريقة لتنشيط إنتاج السبيرميدين والتيلوميراز عن قصد، ومن ثم تبادل الحويصلات الخارج خلوية وتفعيل القنوات النشطة أيضًا من أجل استعادة شباب الإمبراطور؟ أعتقد أنه يمكن ذلك.

وتتزامن الأنفاس والنظرات ونبضات القلوب بين العشاق أثناء المداعبة حتى يحدث الجماع الفعلي، ولكن سيكون من الضار للرجل أن يكمل ممارسة الحب حتى الإنزال، ويقترح نص (Su Nu) أن الإنزال يجب أن يحدث خلال ثلاث مرات فقط من أصل 10 مرات جماع، ومع المرأة التي ترغب في إنجاب طفل، وذلك لأن هذا يُعد إجهادًا لجسد الرجل، مما يؤدي إلى شيخوخة الجسم قبل الأوان.

وكان هذا الجانب مهمًّا للغاية لدرجة أن حكماء الأطباء أعطوا تعليمات مفصَّلة حول كيفية تجنب الرجل القذف، ويمكنه في الوقت نفسه الوصول إلى النشوة الجنسية، وبمجرد أن يتقن الرجل هذه الطريقة المعزِّزة للحياة، سيكون قادرًا على الوصول إلى هزات جماع متعددة تمامًا مثل المرأة ويتمتع بحياة طويلة وصحية.

Embed from Getty Images

وهناك نصوص مكتشفة في أوائل السبعينيات من مقابر أرستقراطية عمرها 2200 عامٍ، في موقع ماوانغدوي في الصين، وتحمل هذه النصوص الرسالة نفسها، وهي أن السر وراء طول العمر يكمن في الفنون اللطيفة التي تحدث داخل غرفة النوم، ومن المنطقي أن اليابانيين احتفظوا بهذه المعارف القديمة، على عكس الصين، حيث غالبًا ما كان الأدب الصيني يُفقد أو يُحرق عندما تخلُف إحدى السلالات سلالةً أخرى.

إن مخطوطات إسينهو البالغة من العمر ألف عام كنز وطني بالفعل، وتستحق أن تكون كنزًا عالميًّا أو «ذاكرة العالم» الثمينة، وعلى حد تعبير عالم الجيولوجيا الفرنسي في القرن العشرين، مارسيل جرانيت، كان الجنس عند الصينيين القدماء «أكثر قدسية بكثير مما هو عندنا»، بحسب ما يختم الكاتب.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد