نشرت مجلة «الإنترسبت» مقالًا كتبه مرتضى حسين، مراسل المجلة الأمريكية الذي يركز على شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، عن تداعيات العقوبات الأمريكية المفروضة على أفغانستان. وخلُص الكاتب إلى أنه عند معارضة الانسحاب من أفغانستان، احتجَّ المتشددون في واشنطن على حقوق الإنسان، فهل تتسبَّب العقوبات الأمريكية في إحداث مجاعة في كابول؟
أقسى شتاء منذ عقود
يستهل الكاتب مقاله بالقول: بعد مرور أشهر على سقوط الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة في أيدي طالبان، يواجه الأفغان العاديون الآن ما قد يكون أقسى فصل شتاء يمر عليهم منذ عقود، وبسبب الانهيار الاقتصادي الذي صاحب الانسحاب العسكري الأمريكي، إلى جانب فرض العقوبات ووقْف كثير من المساعدات الإنسانية، لا مفر سيواجه ملايين الأفغان الاحتمالات الحقيقية لحدوث مجاعة، وحينها سيفقد كثيرون حياتهم، وهو الأمر الذي كان من الممكن تجنُّبه.
وعلى الرغم من الاستثناءات الإنسانية المحدودة للتجارة في الأسابيع الأخيرة، حذَّرت منظمة الصحة العالمية بالفعل من أنَّ ما يصل إلى مليون طفل أفغاني قد يلقون حتفهم نتيجة لسوء التغذية خلال هذا الشتاء إذا لم تُتَّخذ خطوات جذرية لمواجهة هذه التحديات، ويتحمَّل الأطفال بالفعل أعباء الكارثة الإنسانية، التي تتخلَّلها قصص مُروِّعة عن بيع أطفال من أجل توفير ثمن الطعام، كما سيتسبَّب الشتاء القارس في البلاد بالفعل في خسائر فادحة؛ إذ يتجمَّد الأفغان حتى الموت أثناء فرارهم من البلاد مع عائلاتهم.
ويقع اللوم المباشر على سياسة فرض العقوبات الأمريكية، ما دفع الأفغان إلى حافة الهاوية لأنهم يواجهون صعوبات بالفعل تتعلَّق بالتصدي لجائحة كوفيد-19 والاضطرابات السياسية الناجمة عن انهيار الحكومة المركزية، وكتب بول شبيجل، مدير مركز الصحة الإنسانية في كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد عودته من رحلته إلى أفغانستان نيابةً عن منظمة الصحة العالمية، قائلًا: «يمكنني القول بوضوح إنه إذا لم تُغيِّر الحكومة الأمريكية وغيرها من الحكومات الغربية سياساتها الخاصة بفرض العقوبات على أفغانستان، فسوف يسفر ذلك عن وفاة عدد من الأفغان بسبب العقوبات المفروضة أكبر من أولئك الذين سيلقون حتفهم على أيدي حركة طالبان».
قرارات سياسية مُتعمَّدَة
ويرى الكاتب أن الوفيات ستكون نتيجة لقرارات سياسية مُتعمَّدَة اتُّخِذَت في الولايات المتحدة إلى جانب فرض عقوبات جديدة على كابول بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة، كما جمَّدت الولايات المتحدة نحو 10 مليارات دولار من أرصدة البنك المركزي الأفغاني في واشنطن. وترفض إدارة بايدن الإفراج عن الأموال على الرغم من استمرار الاحتجاجات العامة التي ينظمها الأفغان.
وفي ظِل كل هذه التطورات، تلاشى صخب الأصوات التي تنتقد الانسحاب العسكري الأمريكي خلال هذا الصيف لأسباب إنسانية، وبعد الانسحاب، ردد كثير من المُعلِّقين والقادة السياسيين حججًا مفادها أن هناك ضرورة إنسانية وراء هذا الصراع، لا سيما حماية المرأة الأفغانية، واستُخدِمَ كثير من الحُجَج الإنسانية والنسوية على مدى سنوات من أجل المساعدة في تبرير الاحتلال العسكري الذي غالبًا ما كان يحتقره الأشخاص ذاتهم الذين كانوا يدافعون عنه ظاهريًّا. وعلى النقيض، قد يقدِّم إنهاء نظام فرض العقوبات الحالي والإفراج عن الأموال المملوكة للأفغان شيئًا إيجابيًّا لا لَبْس فيه للمدنيين في البلاد، ومن بينهم النساء والأطفال المُعرَّضون للخطر.
وربما يتمثَّل أفضل تأكيد على التناقض السافر في تصريحات النائب مايكل ماكول، عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية تكساس، والعضو الجمهوري المرموق في لجنة الشؤون الخارجية التابعة للمجلس، وكان ماكول قد أعرب في هذا الصيف عن شجبه لمصير المرأة الأفغانية، وقال ماكول في مقابلة: «إننا نرمق هذا الكابوس وهو يتكشَّف، والذي يُعد كارثة مكتملة الأركان وذات أبعاد رهيبة»، وأضاف: «أكثر ما يقلقني حقًّا هو النساء اللائي يعشن في أفغانستان وما سيحدث لهن». وعندما طبَّقت إدارة بايدن بعد ذلك إعفاءات من العقوبات المفروضة من أجل السماح لبعض المساعدات الإنسانية، أدان ماكول تقديم الإغاثة المحدودة، حتى عندما وصفت تقارير إخبارية الانهيار الاقتصادي بأنه نشر للخراب في ربوع حياة الأفغان، ومن بينهم النساء والأطفال.
ومع تكشُّف هذا الكابوس الجديد، تلاشى القلق الذي ظهر في أغسطس (آب) إلى حدٍّ كبيرٍ.
إخفاقات العقوبات
ووفقًا لكاتب المقال، تُعد العقوبات إحدى أكثر الأدوات القسرية فظاظة في مجموعة أدوات السياسة الخارجية الخاصة بالولايات المتحدة، فضلًا عن تفضيل صُنَّاع السياسة لها، حتى إنها نادرًا ما تُسفر عن نتائج سياسية، ولا تُمثِّل أفغانستان سوى مجرَّد مثال واحد على وجود نظام عقوبات قاسٍ وطائش يعيثُ فسادًا في حياة سكان مدنيين من دون أي مساءلة، ولا غرو، فقد تعرَّض الإيرانيون لبعض أشد العقوبات قسوة على وجه الأرض على مدى عقود، ونُصبَت العراقيل في وجه المشروعات التجارية الأبسط، ولا يستطيع الشباب الأفغان أن يضعوا تصوُّرًا لحياة مُثمرة في البلاد. وارتفعت وتيرة العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ولكنَّها استمرت في عهد الرئيس جو بايدن، بوصفها جزءًا من جهود مستميتة تهدف إلى فرض استسلام كامل بشأن برنامج إيران النووي.
ولا تزال العقوبات المفروضة خلال الحرب الباردة على بلدان مثل كوبا سارية حتى يومنا هذا، على الرغم من عدم وجود أي أسباب جيوسياسية مُقنِعَة. ومن الأمثلة الحديثة التي سلَّطت الضوء على الطبيعة الساخرة لسياسة العقوبات المفروضة على كوبا، فُرِضَت غرامة على شركة «إير بي إن بي» (المتخصصة في تأجير العقارات) بسبب ممارسة أعمال تجارية في الجزيرة والسماح للكوبيين بالحصول على خدمات الإقامة التي تقدمها.
ولا تُمثِّل هذه الحادثة سوى أنها أحدث القيود المفروضة على قدرة الكوبيين العاديين على إجراء معاملات اقتصادية أساسية أو الانخراط في التجارة مع الشركات التي يقع مقرها خارج البلاد، ومن ثمَّ فهي مُعرَّضة لخطر فرض العقوبات الأمريكية، وعلى الرغم من تطبيق العقوبات منذ سنوات وإسهامها في تكدير حياة الكوبيين، فإنها لم تبذل جهدًا يُذكَر من أجل تعزيز أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
ونقل كاتب المقال تصريح ويليام ليو جراندي، وهو أستاذ حكومي في الجامعة الأمريكية وخبير في نظام العقوبات الكوبية، الذي أوضح أن «العقوبات المفروضة على كوبا لم تجدِ نفعًا يُذكَر في تحقيق أهدافها السياسية». وأضاف: «لم تُسفر العقوبات المفروضة عن تغيير النظام، ويتمثَّل كل ما أنجزته بالفعل في إلحاق الألم بالشعب الكوبي».
بيد أنه قد يُنظَر إلى الأوضاع في أفغانستان بوصفها إحدى أكثر حالات العنف دموية ضد المدنيين بسبب العقوبات الأمريكية. وقد تشكَّلت الحكومة الأفغانية التي بُنيَت على مدى عقدين من الاحتلال الأمريكي حتى تعتمد اعتمادًا كليًّا على الدعم الأجنبي، لا سيما نظام الرعاية الصحية، وفي ظِل قطع المساعدات المفاجئ وفرض العقوبات، أصبح ملايين الأفغان، بمن فيهم النساء والأطفال، في خطر محدق الآن.
ما تداعيات اتِّباع النهج الحالي؟
ويرى الكاتب أن اتباع النهج الحالي المُتمثِّل في منع الحصول على الأموال المملوكة للحكومة الأفغانية ورفض تقديم المساعدات من المُرجَّح أن ينجم عنه مزيد من قصص الجوع والموت بسبب البرد وتفكُّك العائلات بسبب العوز الاقتصادي، ويبدو من غير المُرجَّح أن تُحقِّق هذه الإجراءات ما لم تستطع عشرون عامًا من الحرب أن تُحقِّقه: بناء حكومة مُستقرَّة تبقي طالبان بعيدًا عن السلطة.
وعلى الرغم من أن العقوبات المفروضة على أفغانستان لن تُحقِّق أهدافًا سياسية أمريكية، فإنها، كما هو الحال في عِدَّة بلدان أخرى، ستنجح في التسبُّب في تداعيات جسيمة على الفئات الأضعف، وقد دعا أعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي الرئيس بايدن إلى الإفراج عن الأموال المملوكة للبنك المركزي الأفغاني، ولكنَّ الإدارة الأمريكية لا تزال تعترض على اتخاذ هذه الخطوة حتى الآن.
وقد يتمثَّل أحد أسباب هذا الموقف في أن تغيير المسار سيكشف وحشية المبدأ لذي بنيت عليه هذه السياسة، وهو استخدام العقوبات من أجل حرمان البنوك المركزية التابعة للدول الأجنبية من الوصول إلى أموالها، وهو الإجراء الذي تستمر الحكومة الأمريكية في اتخاذه في حالات أخرى، وفي الوقت ذاته، يظل نظام فرض العقوبات الأوسع نطاقًا على أفغانستان قائمًا، ويتحمَّل المواطن الأفغاني العبء الأكبر منه.
ويختم الكاتب مقاله مستشهدًا بما كتبه جيورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت أناليتيكس «Gulf State Analytics» وهو زميل مساعد في مؤسسة «مشروع الأمن الأمريكي»، قائلًا: «إذا أردنا مساعدة أفغانستان على إحراز تقدُّم على الصعيد الإنساني، فلا يكفي ببساطة أن نقدِّم المساعدات لهم، بل يجب أن تنتهي الحرب المالية التي شنتها واشنطن ضد كابول. وأضاف: «كما ينبغي أن يهتم أولئك الذين يعيشون في الغرب، الذين أعربوا عن قلقهم الشديد إزاء افتقار النساء الأفغانيات للحرية في ظل حكم حركة طالبان، ببقائهن على قيد الحياة أيضًا خلال هذا الشتاء».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».