كتب الصحافي الباكستاني، سيد رشيد حسين، تقريرًا نشرته صحيفة «داون» الباكستانية، أقدم صحيفة باكستانية ناطقة باللغة الإنجليزية وأوسعها انتشارًا، حول مناورات السعودية في اجتماع «أوبك بلس» مؤخرًا وتخلِّيها عن موقفها من أجل الحفاظ على أسواق النفط من الانهيار وسط تداعيات جائحة كورونا وتأثيرها في الاقتصاد العالمي.
ويستهل الكاتب تقريره بقوله إنه حتى وقت قريب، كانت المملكة تُصِر على أنه ليس هناك أي احتمال لخفض إنتاجها من النفط من جانب واحد حتى يوافق المنتجون الرئيسيون الآخرون في «أوبك بلس»، بما في ذلك روسيا، على تحرك منسق ومشترك يشمل مساهمة من الجميع. وعلى مدار السنوات الماضية، ظلت السعودية مُصِرة على ذلك. ولم تكن مستعدة بعد الآن للقيام بدور المنتج العالمي المرجِّح في عالم النفط. لكن كل هذا تغير – ما بين عشية وضحاها تقريبًا.
وزير النفط السعودي يصر على موقف بلاده
لفت التقرير إلى أنه في يوم الاثنين الماضي، بينما اجتمع وزراء «أوبك بلس» لاتخاذ قرار بشأن إنتاجهم في فبراير (شباط)، حذَّرت السعودية من ضخ المزيد من الإنتاج في سوق هشة. وأصر الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير النفط السعودي، على ضرورة استمرار الجهود المشتركة لتقييد الإنتاج وإدارة الانخفاض الحاد في الطلب بسبب جائحة فيروس كورونا. وقال الأمير عبد العزيز: «لا تخاطروا بكل ما أنجزناه من أجل لحظة؛ إنها منفعة وهمية». وأضاف: «مهمتنا لم تنتهِ بعد».
غير أن روسيا لم توافق على ذلك. وخلال الاجتماع، وفقًا للتقارير، واصلت موسكو إصرارها على زيادة إجمالي الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًّا. وبسبب غياب أي توافق في الآراء بشأن هذه القضية، كان لا بد من تمديد محادثات «أوبك بلس» حتى اليوم التالي.
صراع روسيا والسعودية
ويمضي الكاتب إلى أن تلك الفسحة من الوقت قدمت لأصحاب المصلحة الرئيسيين فرصة لمناقشة السيناريو بشكل أكبر على المستوى الداخلي. لكن العيون ظلت مُسلَّطة على السعودية وروسيا. وكانت الأسواق بدورها في حالة من التوتر، في انتظار النتيجة. وكانت القضية: هل سيزيدون إنتاجهم في فبراير كما طلبت روسيا؟ أم أنهم سيوافقون على إبقاء إجمالي الإنتاج عند المستويات الحالية، كما تطالب السعودية؟
لقد كانت الدعوة إلى تثبيت الإنتاج عند المستويات الحالية صعبة التنفيذ. وحتى داخل صفوف المنظمة نفسها، كانت أوبك بحاجة إلى الانتباه إلى الإنتاج المتزايد من ليبيا وإيران وفنزويلا. وفي الوقت الحالي، هذه البلدان الثلاثة معفاة من حصص الإنتاج (الدول الثلاثة مستثناة من اتفاقية خفض إنتاج النفط التابعة لتحالف أوبك بلس).
اللجنة الفنية: زيادة الإنتاج كارثية
وشدد التقرير على أن زيادة الإنتاج قد تكون كارثية، كما أكدت اللجنة الفنية لأوبك قبيل الاجتماع مباشرةً. وأكد الأمين العام لمنظمة أوبك، محمد باركيندو، قبل يوم من الاجتماع الوزاري: «وسط المؤشرات المفعمة بالأمل، فإن التوقعات للنصف الأول من عام 2021 تُعد متباينة للغاية، وما يزال هناك عديد من المخاطر السلبية التي يجب الموازنة بينها بدقة».
وقال باركيندو: «ما تزال القيود على النشاط الاجتماعي والاقتصادي مطبقة في عدد من البلدان، وهناك قلق من ظهور سلالة جديدة وخبيثة من الفيروس». وقال إن الاقتصاد العالمي قد ينتعش بقوة في النصف الثاني من عام 2021، لكن قطاعات مثل السفر، والسياحة، والترفيه، والضيافة يمكن أن تستغرق سنوات لتصل إلى مستويات ما قبل الفيروس.
إيران تقلص المستهدف من صادرات النفط
وحتى إيران بدت أيضًا مدركة لديناميكيات النفط العالمية المتغيرة. وفي الثاني من يناير (كانون الثاني)، أفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) أن البرلمان الإيراني فضَّل تخفيض معدل تصدير النفط الإيراني من 2.3 مليون برميل في اليوم إلى 1.5 مليون برميل في اليوم، واصفًا الهدف الأصلي بأنه مستحيل التحقيق في ظل الظروف القائمة. وكان هذا على الرغم من حقيقة أنه مع تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، هناك علامات متزايدة على نوع من التقارب بين طهران وواشنطن وتخفيف العقوبات.
وأشار الكاتب إلى أن إيران تتبنى موقفًا واقعيًّا؛ إذ رأت لجنة الشركات في البرلمان الإيراني – وهي اللجنة المسؤولة عن وضع اللمسات الأخيرة على الميزانية المقترحة – أن هدف التصدير البالغ 2.3 مليون برميل في اليوم غير واقعي. غير أن أساس السعر لحسابات الحكومة ظل دون تغيير عند 40 دولارًا للبرميل.
السعودية تتراجع وتخفض إنتاجها
لكن السعوديين لا يريدون تحمُّل أي مخاطرة؛ إذ كان كثير من الأمور على المحك بالنسبة لهم. وفي صباح يوم الثلاثاء، فاجأت السعودية الجميع بتعهدها بخفض إنتاجها من جانب واحد بمقدار مليون برميل يوميًّا في فبراير (شباط) ومارس (آذار). وجرى إبرام الاتفاق.
وفقًا للاتفاق، وافق معظم الحضور على إبقاء الإنتاج ثابتًا عند المستويات الحالية. وفي ضوء إصرار روسيا وكازاخستان على زيادة الإنتاج، جرى توفير وسائل حفظ ماء الوجه لهما، حيث سمح لهما بإضافة 75 ألف برميل يوميًّا من الإنتاج في كل من هذين الشهرين. ونقلت وسائل الإعلام عن وزير النفط الإيراني، بيجن نامدار زنغنه، قوله إن زيادة الإنتاج المتفق عليها لن يكون لها تأثير في السوق.
قرار ولي العهد
ولا شك أن القرار لم يكن سهلًا بالنسبة للسعودية. وأكد وزير النفط السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن قرار خفض الإنتاج السعودي قد اتَّخذه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نفسه، الحاكم الفعلي للمملكة الغنية بالنفط، من جانب واحد.
لقد اختارت الرياض تحقيق مكاسب قصيرة الأجل مع تزايد القيود النقدية عليها. ومن خلال الحفاظ على توازن الأسواق، لن تنخفض أسعار الخام أكثر. لكن في هذه العملية، اختارت الرياض أن تنحي جانبًا معركة حصص السوق – على الأقل في الوقت الحالي.
ويختتم الكاتب مقاله بأن السعودية على الرغم من عدم رغبتها في ذلك، فقد عادت إلى دورها بصفتها المنتج المرجِّح العالمي.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».