نشرت وكالة «بلومبرج» الأمريكية تقريرًا أعدَّته فيفيان نيريم وزينب فتاح رصدتا فيه حالة الترقب الحذِر التي تُخيِّم على بعض الدول الخليجية بسبب عودة حركة طالبان لقيادة المشهد في أفغانستان، وتداعيات الانسحاب الأمريكي على شركاء الولايات المتحدة في المنطقة.
تشير الكاتبتان في مطلع التقرير إلى موقف المفتي العام لسلطنة عُمان من التطورات الأخيرة في أفغانستان؛ فمن جهة قدَّم المفتي العام أحمد الخليلي تهانيه للشعب الأفغاني على «انتصاره على الغزاة» بعد أن أدَّى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى استيلاء طالبان السريع على السلطة هذا الأسبوع.
ومن جهة أخرى، امتنع الخليلي عن الاعتراف بالجماعة الإسلامية المتشددة التي تسيطر على أفغانستان، بل إنه تجنَّب في واقع الأمر ذِكرها على الإطلاق.
نكسة كبيرة
وترى الكاتبتان أن الثغرات الأيديولوجية التي أبرزها موقف مفتي عمان، أي قبول وجود طالبان في كابول دون الاعتراف صراحة بسلطتها، سوف تتكرر على الأرجح في مختلف دول الخليج العربي، وآية ذلك أن الدول الخليجية، ومن بينها المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والإمارات العربية المتحدة، يتعين عليها الآن أن تتوصل إلى تسوية بين الحاجة إلى تطوير علاقات عملية مع الحركة الأصولية في وقتٍ تخوض فيه معاركها الخاصة ضد «التطرف الإسلامي».
ونقلت الوكالة الأمريكية عن فواز جرجس، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، قوله إن دول الخليج منزعجة، ولا شك في ذلك، مضيفًا أن ما حدث «يُمثل نكسة كبيرة للحكومات التي حوَّلت الإسلاميين إلى عدو لدود، مثل الإمارات والسعودية ومصر، لأن ما حدث يُلهم النشطاء الدينيين ويُحفِزهم في جميع أنحاء العالم ويُثبت أن الولايات المتحدة لا يمكن التعويل عليها لتقديم العون لحلفائها».
وبحسب التقرير، سيكون لعلاقات دول الخليج مع طالبان تداعياتٍ كبيرة على الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقواعد عسكرية كبيرة في المنطقة، وستعتمد على تلك الدول بوصفها قواعد أمامية تقف ضد أفغانستان بمجرد اكتمال الانسحاب الأمريكي من هناك. لقد تغيرت المنطقة تغيرًا كبيرًا منذ أن استولت طالبان على السلطة في أفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001، عندما كانت السعودية والإمارات من بين ثلاث دول فقط اعترفت بالجماعة.
واليوم، تنظر الممالك الخليجية إلى أي حركة إسلامية شعبية بوصفها تهديدًا لأمنها القومي ولأولويتها في المنطقة. وينطبق هذا على الجماعات المتشددة مثل داعش والقاعدة، فضلًا عن الحركات الأيديولوجية التي تدعو إلى إقامة ديمقراطية دينية، مثل جماعة الإخوان المسلمين.
الاستثناء الأبرز
وأوضحت الكاتبتان أن الاستثناء الأبرز يتمثل في قطر، التي استضافت قادة طالبان في المنفى، وساعدت في تحويل الجماعة إلى جهة سياسية فاعلة لها مقعد على طاولة المفاوضات. وقد أتاح هذا للولايات المتحدة مسارًا أكثر اتساقًا للتواصل مع خصم لم يكن يمكن الوصول إليه. ويرى التقرير أن قطر قد تبنَّت هذا الدور على أمل رفع مكانتها وليكون لها رصيد قيِّم لدى القوى العالمية القادرة على حمايتها.
ومنذ استيلاء طالبان على السلطة، تلقَّت قطر اتصالات من كبار الدبلوماسيين في جميع أنحاء العالم، وزار وزير دفاعها نظيره الأمريكي في البنتاجون يوم الخميس. والتقى عبد الغني بردار، ممثل طالبان الرئيسي، حاكم قطر يوم الثلاثاء الماضي، قبل وقت قصير من عودته إلى أفغانستان قادمًا من الدوحة، حيث كان يقيم منذ عام 2018.
وقال جرجس: «لقد برزت قطر بوصفها أحد أصحاب المصلحة الأساسيين في هذا النقاش العالمي مع طالبان، وكان الأمريكيون يعتمدون على قطر في توصيل ما يريدونه من رسائل إلى طالبان».
تَوَجُّس وحذر
ولفت التقرير إلى التَوَجُّس الذي يسود المنطقة وخارجها في الوقت الحالي؛ مَخافةَ أن تتحول أفغانستان إلى ملاذ للمتطرفين الدينيين مرةً أخرى مع ترسيخ حركة طالبان لأقدامها في السلطة في كابول.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، سافر عديد من المواطنين السعوديين إلى أفغانستان للقتال إلى جانب المتشددين المحليين في محاولة ممولة من الولايات المتحدة لصد الاتحاد السوفيتي. وسيطرت طالبان على كابول في عام 1996 وأصبحت أفغانستان تحت وصايتها بوصفها أرضًا للتخطيط لشن هجمات مسلحة في دول أخرى، بما في ذلك السعودية نفسها.
كذلك لا تزال أفغانستان أيضًا تؤوي القاعدة. وقد يؤدي تكرار تفجيرات القاعدة كما حدث في السعودية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، والتي ضربت أهدافًا غربية وسعودية على حد سواء، إلى عرقلة خطة التحول الاقتصادي التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان حذِر يوم الاثنين: «تأمل السعودية أن تعمل طالبان وجميع الأطراف الأفغانية على حماية الأمن والاستقرار والأرواح والممتلكات». أما الإمارات التي وصفها التقرير بالأصغر والأضعف، والتي تقدم نفسها على أنها وسيط إقليمي، فقد تبنَّت لهجة أكثر ودية، حتى إنها استقبلت الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي فرَّ من البلاد يوم الأحد.
ووصف أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لحاكم الإمارات، التصريحات المعتدلة الأخيرة لمتحدث باسم طالبان بأنها «مشجِّعة». وغرَّد قرقاش على «تويتر» قائلًا: «أفغانستان تحتاج إلى علاقات جيدة مع المجتمع الدولي لضمان مستقبل مزدهر».
ووسط تحسُّن العلاقات، التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي يوم الأربعاء بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انهارت خططه لتأمين المطار الدولي الأساسي في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة مع سيطرة طالبان. وعلى النحو نفسه، عَدَّت حكومة أردوغان الرسائل القادمة من طالبان إيجابية، بينما قالت إنها لن تتسرع في الاعتراف بنظام الجماعة واستقبال المسؤولين الأفغان الفارِّين.
وكتب الأمير طلال الفيصل، رجل الأعمال السعودي وأمير صغير من العائلة المالكة، على «تويتر»: «الرسالة المدوية التي وصلت إلى شركاء الولايات المتحدة في المنطقة هي أن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها أبدًا». واختتم التقرير بالإشارة إلى عبد الله جابر، رسام الكاريكاتير والسياسي السعودي، الذي صوَّر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في صورة طائرة مغادرة تسحب الدبوس من قنبلة يدوية تاركة البلاد وراءها لتنفجر.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».