نشر مركز «ستراتفور» الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والأمنية تحليلًا حول مشروع قانون أمريكي لنشر نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل في منطقة الشرق الأوسط، يغطي حلفاء الولايات المتحدة ويهدف إلى حمايتهم من الهجمات التي تشنها إيران أو ميليشياتها الوكيلة بالصواريخ أو الطائرات المسيَّرة. غير أن هذا النظام يعوقه عدم موافقة بعض الدول، مثل العراق والكويت وربما قطر وعمان، على المشاركة في نظام تمثل إسرائيل جزءًا منه. ويشير المشرِّعون الأمريكيون صراحةً إلى أن القانون يهدف إلى إحراز تقدم في مساعي التطبيع العربي الإسرائيلي.
وفي مطلع التحليل، يشير المركز الأمريكي إلى أنه يمكن لخطة أمريكية للدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في جميع أنحاء الشرق الأوسط أن تساعد في نهاية المطاف دولًا في المنطقة على ردع الهجمات التي تشنها إيران ووكلائها – وهو احتمال قد يغري السعودية بتعميق علاقاتها مع إسرائيل. وفي 9 يونيو (حزيران)، قدمت مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي من الحزبين «قانون ردع قوات العدو وتمكين الدفاعات الوطنية (DEFEND)».
ويهدف قانون الدفاع هذا إلى إنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل (IAMD) عبر حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط، ويغطي إسرائيل ومصر والأردن والعراق ومجلس التعاون الخليجي. وسيتطلب التشريع من وزارة الدفاع الأمريكية قيادة الجهود المبذولة لإنشاء نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل للدفاع ضد الهجمات الصاروخية والصواريخ والطائرات المسيرِّة التي تطلقها إيران والميليشيات المدعومة منها.
ويتابع التحليل موضحًا أن عديدًا من الدول التي يهدف التشريع إلى دمجها لديها بالفعل أنظمة دفاع أمريكية منتشرة على أراضيها. وتمتلك دولة الإمارات نظام ثاد (THAAD) المتقدم. كما يمتلك كل من السعودية وقطر والإمارات والبحرين ومصر والأردن والعراق والكويت بطاريات صواريخ باتريوت التي تديرها الولايات المتحدة أو تستضيف هذه الصواريخ، بينما لا تزال دول أخرى في المنطقة تستخدم صاروخ هوك أرض-جو (HAWK) الأقدم من صنع الولايات المتحدة.
تعثر العودة إلى الاتفاق النووي ينذر بمزيد من الهجمات
ويأتي التشريع في الوقت الذي تبدو فيه احتمالات إبرام اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران قاتمة، مما قد ينذر بمزيد من الهجمات الصاروخية والصواريخ والطائرات المسيَّرة الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة. وتمتد قدرات إيران الصاروخية البالستية والصاروخية والطائرات المسيَّرة من إيران إلى لبنان عبر سوريا والعراق واليمن، مما يمنح طهران القدرة على استهداف القوات الأمريكية والإسرائيلية والخليجية من عدة مصادر.
وتشارك الولايات المتحدة بالفعل في نظام الدفاع الجوي المتكامل (NATINADS) التابع لحلف الناتو، والذي تأسس في الخمسينيات من القرن الماضي. ويهدف نظام الدفاع الجوي المتكامل إلى إنشاء نظام دفاع جوي متكامل آخر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2028 بين حلفاء وشركاء الولايات المتحدة هناك.
ويمضي التحليل إلى أنه على الرغم من أن أنظمة الدفاع الحالية موجودة بالفعل في معظم البلدان، فإن السياسات المحلية تمنع التنفيذ الكامل لنظام دفاع جوي وصاروخي إقليمي – خاصة في السعودية وقطر وعمان والكويت والعراق – لأن إسرائيل ستكون جزءًا من الشبكة.
وتتمتع السعودية وقطر وعمان بعلاقات أمنية أو اقتصادية أو دبلوماسية سرية مع إسرائيل، لكنها ليست على استعداد بعد لقبول التطبيع الكامل مع الدولة العبرية لأسباب محلية وأيديولوجية مختلفة، بحسب التقرير. أما العراق والكويت، اللذان انتخبا مجالس تشريعية ولديهما سكان يعارضون بأغلبية ساحقة العلاقات مع إسرائيل، فهما أبعد ما يكون عن التطبيع.
وبسبب النفوذ الإيراني في العراق جزئيًّا، فإن بغداد أيضًا بعيدة عن امتلاك نظام دفاع جوي أو صاروخي أمريكي متقدم. وتظل بطاريات باتريوت في البلاد تحت السيطرة الأمريكية في قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار العراقية. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن التكامل السري ممكن لدول مثل السعودية وقطر، حيث تتمتعان بعلاقات أكثر تقدمًا مع إسرائيل بالإضافة إلى علاقات دفاعية عميقة مع الولايات المتحدة.
كما تمنح الأنظمة السياسية المركزية في السعودية وقطر كلتا المملكتين مساحة أكبر لتنفيذ الأنظمة مقارنةً بدول مثل العراق والكويت، حيث تكون البرلمانات المنتخبة أكثر قدرة على كبح جماح السلطة التنفيذية، بحسب تقرير المركز الأمريكي.
معضلات التطبيع
ويشير التحليل إلى أن السعودية لا تزال تعارض التطبيع رسميًّا مع إسرائيل حتى قيام دولة فلسطينية. لكن مسار التطبيع في الرياض مع ذلك متقدم نسبيًّا.
وفي الشهر الماضي، ظهرت تقارير تفيد أن الولايات المتحدة ساعدت في التوسط في نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية من خلال إقناع إسرائيل بالتخلي عن اعتراضاتها (تقع الجزر الإستراتيجية على طول مضيق العقبة، والذي تحتاجه إسرائيل للوصول إلى البحر الأحمر. كانت إسرائيل في السابق قادرة على منع انتقال تيران وصنافير إلى السعودية من خلال الإشارة إلى الشروط الواردة في معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية لعام 1979 والتي تنص على بقاء الجزر منزوعة السلاح).
ويأتي التطور الاستثنائي الأخير بشأن نزاع تيران وصنافير أيضًا وسط تقارير عن قيام شركات إسرائيلية بإبرام صفقات في السعودية، فضلًا عن شائعات عن اجتماعات عُقِدت بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية.
عمان وقطر والحياد الإقليمي
يعارض كل من عمان وقطر رسميًّا تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل إقامة دولة فلسطينية. ولكن كليهما حريص أيضًا على الحفاظ على حيادهما الإقليمي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.
ولا تزال المشاعر المعادية لإسرائيل متقدة في العراق، حيث قتلت غارة جوية إسرائيلية على أهداف مرتبطة بإيران ما يصل إلى 47 شخصًا في عام 2019. وفي الشهر الماضي، عزز البرلمان العراقي قوانين مكافحة التطبيع في البلاد.
ولدى الكويت أيضًا قانونها الخاص بمكافحة التطبيع منذ عام 1964، والذي وسَّعه البرلمان في عام 2018 ليشمل أيضًا حظر العلاقات بين الكويتيين والإسرائيليين عبر الإنترنت.
ويوضح المركز الأمريكي أنه حتى نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل المطبق جزئيًّا سيعزز قدرة إسرائيل، و(بدرجة أقل) قدرة الدول المجاورة الأخرى، على ردع بعض الهجمات الإيرانية والهجمات التي تشنها وكلاؤها. لكن المسافة الجغرافية ونقطة انطلاق الهجمات ستحددان جزئيًّا فعالية مثل هذا النظام على الأقل.
وستزيد أنظمة الإنذار المبكر التي تقدم المعلومات، حتى لنظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل الإقليمي الجزئي، من احتمالية اكتشاف هجمات إيرانية أو هجمات بالوكالة في وقت أقرب، وسيجري تفعيل أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي على نحو أسرع لمنع مثل هذه الضربات.
وحتى لو كان قانون الدفاع يغطي إسرائيل والبحرين والإمارات ومصر والأردن فحسب، فإنه لا يزال يعطي إسرائيل إنذارًا أكثر تقدمًا بشأن بعض الضربات الإيرانية القادمة من العراق وإيران. غير أنه من دون مشاركة السعودية في نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، سيستغل الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن الفجوة الاستخباراتية حول المملكة.
كما أن نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل لن يفعل الكثير لتقليل فعالية الهجمات الصاروخية القصيرة المدى، وكذلك الهجمات الصاروخية والطائرات المسيَّرة، ضد الأهداف الإقليمية. وهذا صحيح على وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بحماية إسرائيل والسعودية من الهجمات التي تُشَن من دول مجاورة مثل لبنان وسوريا (في حالة إسرائيل) واليمن (في حالة السعودية)، حيث قد يعتمد المهاجمون في كثيرٍ من الأحيان على هجمات الأسراب القصيرة المدى وفترات الطيران الأقصر لضرب الأهداف قبل أن تتمكن الدفاعات الجوية من اعتراضها.
وتمتلك إسرائيل أنظمة رادار مختلفة مضادة للصواريخ منتشرة في البر والجو والبحر. ولكن حتى وقت قريب، اقتصر مدى هذه الأنظمة على حدود إسرائيل وقواعدها. ويبلغ مدى نظام رادار (EL / M-2080 Green Pine) الإسرائيلي، وهو نظام الرادار الأساسي المضاد للصواريخ في البلاد، حوالي 360 إلى 500 ميل، مما يجعل أجزاء من العراق، وكل إيران واليمن، خارج قدرته على الكشف. وليس من الواضح هل يشجع قانون الدفاع إسرائيل على إرسال أنظمتها إلى الدول المشاركة أم لا.
تعميق التطبيع بين إسرائيل والسعودية هدف واضح
ويلفت التحليل إلى أنه في ظل قانون الدفاع، يمكن للولايات المتحدة أيضًا الاستفادة من التكامل الوثيق مع الدفاعات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة وإمكانية الوصول إلى التقنيات العسكرية الإسرائيلية لتحفيز السعودية – وهي هدف متكرر لهجمات الحوثيين والإيرانيين – على تعميق التطبيع مع إسرائيل. وأوضح المشرِّعون الأمريكيون صراحةً أن قانون الدفاع يهدف إلى إحراز تقدم في مساعي التطبيع العربي الإسرائيلي المنصوص عليه في اتفاقيات أبراهام لعام 2020 – وهو الهدف الذي من شأنه أن يفسر إدراج إسرائيل في القانون.
ويُشاع أن السعودية مهتمة بالقبة الحديدية الإسرائيلية للمساعدة في حماية الحدود الجنوبية للمملكة والبنية التحتية النفطية من الهجمات التي تشنها إيران والحوثيون اليمنيون المدعومون منها. والوتيرة المتزايدة لهجمات الحوثيين والإيرانيين ربما تجعل الرياض أكثر اهتمامًا ببرنامج نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل الذي تقوده الولايات المتحدة إذا كان يتضمن تقنيات إسرائيلية، مثل القبة الحديدية ونظام دفاع الشعاع الحديدي الإسرائيلي المستقبلي الذي يعمل بالليزر.
ومن أجل منع المعارضة الشعبية المحلية، يمكن أن يكون لدى السعودية خيار المشاركة سرًّا في البرنامج، على غرار الطريقة التي أجرت بها الإمارات والبحرين بهدوء تدريبات عسكرية إلى جانب القوات الإسرائيلية في المناورات التي قادتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قبل وقت قصير من تطبيع البلدين العلاقات مع إسرائيل في عام 2020.
ويختتم المركز الأمريكي التحليل موضحًا أن السعودية طوَّرت بالفعل علاقات سرية أخرى مع إسرائيل، بما في ذلك العلاقات التجارية ولقاء يشاع أنه عقد بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في عام 2019. وتعكس هذه العلاقات رغبة ولي العهد السعودي في بناء علاقات مع إسرائيل حتى من دون إحراز تقدم في القضية الفلسطينية، على الرغم من أنه يفترض على نطاق واسع أن الجمهور السعودي سيعارض التطبيع.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».