يحط الإحباط رحاله على أعتاب صناع السلام.. مع العلم بأن هذا العجز ليس ناتجًا من نقص في المحاولات.
نشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تحليلًا حول فشل الأمم المتحدة في إنهاء الحروب في الشرق الأوسط. وترى المجلة أن الأمم المتحدة تنجح في عمليات حفظ السلام أكثر من نجاحها في صنع السلام، وتشير إلى أن الحرب في الشرق الأوسط لا تعد حربًا محلية في الواقع، بل تضم أطرافًا كثيرة لا علاقة لها بالدول التي تحتدم فيها الصراعات.
وتلفت «الإيكونوميست» أيضًا إلى أن الأمم المتحدة تعجز حتى عن حظر تسلح الدول التي توجد فيها صراعات، كما تفشل في معاقبة من ينتهكون هذا الحظر إذا ما فُرض.
بعد عقد المذابح.. العائلات السورية تتجمَّد في الشوارع
حتى بعد قرابة عقد من المذابح، ما تزال الحرب الأهلية في سوريا تسبب شعورًا بالصدمة، حيث فر أكثر من 700 شخص من الهجوم الذي يشنه النظام على إدلب، آخر جيب في البلاد تسيطر عليه المعارضة. ولأن الملاذات نادرة، ومع انخفاض درجات الحرارة إلى ما يقترب من الصفر، تضطر العائلات إلى النوم على جانب الطريق.
ولأن تركيا تسعى بشدة لمنع ملايين اللاجئين من عبور حدودها الجنوبية، نشرت الآلاف من القوات لإبطاء تقدم القوات السورية، مخاطرة بإثارة نزاع مع روسيا، التي تدعم ديكتاتور سوريا بشار الأسد، مع وجود الطائرات في السماء والمرتزقة على الأرض. وكانت النتيجة أن لقي 10 جنود أتراك على الأقل حتفهم.
وإزاء هذه الخلفية، يمضي جير بيدرسن، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، قدمًا في تشكيل لجنة تهدف إلى إعادة وضع دستور لسوريا، وهي هيئة قال الأسد إنه سيتجاهلها. ومع اقتراب النظام من إدلب، وفيما يستعد مليون مدني آخر للفرار، خاطرت الأمم المتحدة بتضييع الوقت وإراقة ماء الوجه في جهدٍ محكوم عليه بالفشل منذ البداية.
13 مبعوثًا أمميًّا فشلوا في معالجة جراح الشرق الأوسط
منذ عام 2011، حاول 13 من مبعوثي الأمم المتحدة لعب دور المعالج لجراح الحروب الأهلية التي اجتاحت الشرق الأوسط: أربعة في سوريا، وستة في ليبيا، وثلاثة في اليمن. ولم ينجح أيٌّ منهم.
لا تقترب الحرب في سوريا من نهايتها، إلا لأن النظام ذبح أعداءه. وليبيا واليمن أصبحتا دولتين فاشلتين. وفي أفضل الأحوال، كانت جهود الأمم المتحدة غير فعالة. وفي أسوأ الأحوال، في سوريا، ساعدت تلك الجهود في تعزيز زخم أحد الأطراف المتحاربة.
كيف تنتهي الحروب الأهلية؟
هناك مجموعة كبيرة من الأبحاث الأكاديمية حول كيفية إنهاء الحروب. وخلصت إحدى هذه الدراسات إلى أن إشراك النساء في المفاوضات يجعل نجاحها أكثر ترجيحًا.
وتفترض دراسة أخرى وجود صلة بين حالات فشل وقف إطلاق النار والنجاح اللاحق، وكأن الدراسة تقول بمعنى آخر: إذا لم تنجح في البداية؛ عليك أن تحاول مرة أخرى.
Embed from Getty Images
مخيم للنازحين السوريين بالقرب من مدينة إدلب، شمال البلاد.
في الغالب، تنتهي الحروب عندما يقرر طرف واحد على الأقل أن تكلفة الاستمرار فيها تفوق الفوائد المحتملة. وهذا خيار يصعب على الجانب الخاسر في حرب أهلية أن يميل إليه. فلا يستطيع المقاتلون ببساطة إلقاء أسلحتهم والعودة إلى ديارهم. ذلك أن الهزيمة يمكن أن تعني الإبادة.
في عام 1997، حللت باربرا والتر من جامعة كاليفورنيا نصف قرن من النزاعات التي رست على شاطئ الحل في النهاية. وخلصت إلى أن 20% فقط من الحروب الأهلية انتهت باتفاق سلام، مقارنة بـ55% من النزاعات بين الدول. وكتبت تقول: «الجماعات التي تخوض الحروب الأهلية اختارت دائمًا القتال حتى النهاية».
القوة ليست ضمانًا لتحقيق السلام
تقول الإيكونوميست: إذا أراد الغرباء التوسط في اتفاق، فيجب عليهم تغيير هذه الحسابات. فاتفاقات دايتون، التي تفاوضت عليها أمريكا في عام 1995 لإنهاء الحرب في البوسنة، كثيرًا ما يستشهد بها. لكن أمريكا وحلفاء الناتو لم يكونوا مجرد مفاوضين، بل كانوا أيضًا يلقون بالقنابل على أحد الطرفين المتحاربين.
ويقول بيدرسن إنه في سوريا، على النقيض من ذلك «أنا على وعي بأنني ليس لدي أي نفوذ تقريبًا». حتى عندما تحظى الجهود الدبلوماسية بدعم بالأسلحة، فإنها غالبًا ما تفشل. ولم تستطع أمريكا إحلال سلام دائم في أفغانستان ولا العراق، على الرغم من قوتها.
الأمم المتحدة تستطيع حفظ السلام لا صناعته
نجحت الأمم المتحدة في حفظ السلام في كثير من الأحيان، خلافًا لصنع السلام. فالنزاع على الأراضي في قبرص، رغم أنه لم يُحَلُّ بعد، لم يتسبب في أي وفيات منذ التسعينيات. ولكن يجب أن يكون هناك سلام لكي يجري حفظه.
ونادرًا ما سمحت الأمم المتحدة لدول خارجية بأن تستخدم القوة المسلحة لفرض السلام. وإذا فشل ذلك، مع وجود أحد المتحاربين (مثل الأسد)، فلا يوجد حافز لوقف القتال والسماح بدخول قوات حفظ السلام ذات الخوذ الزرقاء.
وبالتالي فإن الأمم المتحدة تحدد أهدافها على مستوى متدنٍ.
ماذا حدث بعد اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة في سوريا واليمن؟
تضيف المجلة: اتبع المبعوث الخاص السابق، ستافان دي ميستورا، وقف إطلاق النار المحلي – «مناطق التجميد»، كما سماها. وفي عام 2018، درس إحصاء أعده المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث، 18 هدنة من هذا النوع في ضواحي دمشق. كان الاتفاق يصمد في المتوسط لمدة 10 أيام فقط، فيما استمر ثلاثة اتفاقات فقط لفترة تزيد عن شهر.
وسمحت حالات وقف إطلاق النار للأسد بإعادة تجميع قواته. إذ لم يكن لديه ما يكفي من الرجال للقتال على جميع الجبهات، والرجال الذين كانوا لديه في كثير من الأحيان كانوا سيئين في القتال. وعلى الرغم من أن النظام لا يمكن أن يتسامح مع وجود مقاتلي المعارضة المسلحين تسليحًا جيدًا في ضواحي دمشق، فإنه لم يكن بوسعه أن يلقي بالقوات في الحرب الحضرية التي تشبه مفرمة اللحم. وبمساعدة الأمم المتحدة، أبرم الأسد صفقات في الضواحي، ثم جوع السكان ليجبرهم على الاستسلام.
ركز نهج مماثل في اليمن على الحديدة، الميناء الاستراتيجي الذي شهد الكثير من القتال. ففي ديسمبر (كانون أول) 2018، توصلت الأطراف المتحاربة إلى اتفاق في ستوكهولم يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وإعادة نشر القوات. بعد ذلك بعام، ذكرت وكالات الإغاثة أن الحديدة ما تزال أخطر محافظة بالنسبة للمدنيين اليمنيين، حيث تمثل ربع إجمالي الخسائر البشرية.
حروب الشرق الأوسط الأهلية ليست صراعات محلية
على الرغم من أن الأمم المتحدة تركز على إنشاء مناطق آمنة، فإن أيًّا من الحروب الأهلية في الشرق الأوسط لا تعد محلية في الحقيقة، بحسب «الإيكونوميست»؛ إذ تدخلت إيران وروسيا لدعم الأسد، وأرسلت دول الخليج الأسلحة والمال إلى خصومه في المعارضة، ودمروا اليمن بدعم أمريكي، والوضع في ليبيا فوضوي لدرجة أن تشاد التي تعاني من الفقر المدقع أصبحت لاعبًا فيها.
لكن الأمم المتحدة تبدو عاجزة عن وقف مثل هذا الدعم، فسوريا ليست خاضعة لحظر الأسلحة، في حين أن القيود المفروضة في اليمن لا تنطبق إلا على جماعات معينة، مثل الحوثيين (الذين يتجاهل رعاتهم الإيرانيون القرار).
ومن المحتمل أن يفشل مجلس الأمن، حيث تحتفظ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا بحق النقض، في فرض حظر شامل على التسلح في أي من الدولتين، ولا يعاني أعضاء الأمم المتحدة مثل تركيا والإمارات من عواقب لانتهاكهما حظر الأسلحة الذي تفرضه المنظمة على ليبيا.
«دواء وهمي» تقدمه محادثات الأمم المتحدة
ويقول المسؤولون إنهم يبذلون قصارى جهدهم. ففي مؤتمر عقد في روما في ديسمبر، قارن دي ميستورا نفسه بطبيب يعالج حالة مرضية مزمنة. وتساءل: «لا يمكنك علاج كل شيء. بعض الأمراض علاجها صعب، ولكن هل تتخلى عن المريض؟ إنك تحاول تخفيف الألم حتى تتوصل إلى العلاج».
غير أن الأمم المتحدة غالبًا ما تفشل في فعل ذلك، كما تؤكد الأسبوعية البريطانية. ولأنها غير قادرة على وقف تدفق الأسلحة؛ فهي تترأس محادثات مبتورة الصلة بالواقع تمامًا. إذ استغرق الأمر أكثر من عام لمجرد الاتفاق على أعضاء اللجنة الدستورية السورية. وقال الأسد: إن وفده لحضور اجتماعها الأول لم يكن هناك بصفة رسمية. وما تزال المحادثات تمضي مترنحة، ليست كمُسَكِّن وفقًا لاستعارة دي مستورا، بل أشبه بالدواء الوهمي.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».