أكملت «الفياجرا» عامها الـ23 في الأسواق العالمية، بعدما اعتمدتها «هيئة الغذاء والدواء الأمريكية» عام 1998، واليوم أصبحت «الحبة الزرقاء» مهددًا حقيقيًّا لفئة لم تكن الفئة المستهدفة: الشباب.

تقبَّل الشباب «الفياجرا» مع مرور الزمن بالتوازي مع شيوع أزمة الخصوبة العالمية، وصارت الوصفة الأسهل والأضمن لتحسين الأداء في العلاقة الجنسية مع الآخر، ولكن لماذا قد يحتاج شباب في ذروة قوتهم الجنسية إلى تناول «الفياجرا»؟

الحبة الزرقاء: من أجل علاقة كالأفلام الجنسية

أصبحت «الفياجرا» أحد أكثر العقاقير استخدامًا ومن السهل جدًّا الوصول إليها، وتجارتها من الأكثر نموًّا، فبعدما كانت علاجًا مخصصًا لعلاج ضعف الانتصاب لدى مرضى السكري وسرطان البروستاتا، صار الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عامًا يشكلون فئة «المدمنين على الفياجرا» لأسباب نفسية، واعتادوا استعماله أملًا في استعادة ثقتهم المفقودة، والتغلب على عجزهم الذي يكون سببه نفسيًّا في غالب الأحيان لا جسديًّا، ولكن ما الذي ولَّد شعور العجز عند صغار السن؟

Embed from Getty Images

يقول العديد من الشباب إنهم يتناولون «الفياجرا» للتقليل من قلقهم من ضعف الأداء الجنسي، نتيجة ما تكوَّن لديهم من توقعات عالية عن أدائهم إثر مشاهدتهم للأفلام الإباحية والانتصاب الطويل للممثلين فيها. ببساطة، ترفع الأفلام من توقعات الذكور والإناث عن أدائهم الجنسي، وتُظهر قدرات لا يمكن تحقيقها في الوضع الجنسي الطبيعي، ومع هذا الضغط انتشر استخدام المنشِّط، ففي بريطانيا مثلًا يقول المدير التنفيذي لـ«هيئة الخدمات الصحية الوطنية» إن «الفياجرا» أصبحت كالمنشطات المتداولة في الصالات الرياضية، بدون وصفة طبية، ووسيلة سهلة لتعويض ضعف الانتصاب الناجم عن تناول الكحول أو المخدرات.

ولا عجب في أن كلًّا من «الفياجرا» والإنترنت ظهرا وانتشرا في العقد نفسه، وكلاهما يواصل لعب أدوار مؤثرة في ثقافة الشباب اليوم. أولًا ظهر الإنترنت قبل «الفياجرا» بثماني سنوات، وصارت الأفلام الإباحية هي المعلم الجنسي الأول لقطاعات واسعة من الشباب في العالم، وفي الوقت نفسه حفَّزت انتشار المنشطات الجنسية، ويرصد تقرير يحصي الوصفات الطبية التي صرفها الأطباء البريطانيون، منذ عام 2006 إلى 2016، أثبت تضاعف عدد الوصفات لمنشِّط «الفياجرا» وأدوية ضعف الانتصاب ثلاث مرات تقريبًا في العقد الماضي، خاصةً بعد تراجع أسعارها واعتياد الشباب عليها.

حبة «فياجرا» أسهل من مسكن للصداع

خرجت «الفياجرا» من قوائم الأدوية التي يلزم لشرائها وصفة طبية في عام 2017 لأول مرة في بريطانيا، بعد قرار وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية، وأعلنت الشركة المصنعة «فايزر – Pfizer» أن الصيادلة بإمكانهم بيع المنشط بعد تنبيه المستهلك على أعراضه الجانبية، وسؤالهم عن حالتهم الصحية، نظرًا إلى وجود عدد من الأسباب الطبية تمنع إعطاء الدواء، مثلًا إذا كان المريض يعاني من مشكلة في القلب، أو الكبد، أو انخفاض في ضغط الدم.

تبع خطى بريطانيا كلٌّ من النرويج ونيوزيلندا، حتى عام 2019، عندما ظهرت «فياجرا كونكت – Viagra connect» المتاحة للشراء عبر الإنترنت، دون الحاجة لحوار محرج مع الصيدليِّ، لترتفع مبيعاتها حتى 4.3 ملايين دولار خلال أول 12 أسبوعًا من طرحها، وتخطت مبيعاتها خلال عام واحد حاجز الـ5 مليارات دولار، والمفاجأة أن النسبة الأعلى من المستهلكين كانت بين سن 18 حتى 35 عامًا.

Embed from Getty Images

هذه النسخة من «الفياجرا» هي النوع التقليدي القديم نفسه، ولكنها تقدَّم على الإنترنت وبدون وصفة طبية، وسهَّلت هذه الطريقة على الشباب أخذ المنشِّط دون التواصل مع طبيب أو صيدليٍّ، وانتشرت إعلاناتها على مواقع التغذية الصحية، واللياقة البدنية، مستخدمةً صور شباب سعداء في محاولة لتطبيع استخدام المنشطات الجنسية من شبابٍ لا يعانون أصلًا من عجز جنسي، فقط لزيادة قدرتهم على انتصاب يدوم لنحو 36 ساعة، ومفعول فوري يبدأ بعد 10 دقائق من تناول العقار.

بالتوازي مع تضخم المبيعات على الصيدليات الإلكترونية، صارت «الفياجرا» أكثر الأدوية المزيفة شيوعًا في العالم، وحذَّرت مثلًا الوكالة البريطانية «التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية» من أن أدوية ضعف الانتصاب صارت هدفًا سهلًا لباعة الأدوية غير المرخصة والمقلدة، بعد أن صادر محققو الوكالة على مدى خمس سنوات عقاقير مزيفة تبلغ قيمتها أكثر من 67.2 ملايين دولار، والتي عادةً ما تكون ذات مخاطر أعلى من العقاقير الأصلية، وتشكل خطرًا لا يعرف به المستهلك عندما يبحث عن أرخص سعر.

ولكن موقف وقرار المنظمات الصحية الدولية والمحلية من الفياجرا لا يؤثِّر كثيرًا في انتشارها. فرغم عدم توفر «فياجرا كونكت – Viagra Connect» في الصيدليات الإلكترونية بالوطن العربي، فإن هناك عددًا من الإصدارات المختلفة تحت اسم «فياجرا» ينتشر على مواقع التسوق الكبرى والصيدليات الإلكترونية، وتعرض المنتجات دون التركيز على الآثار الجانبية وموانع الاستعمال، بل تنصح بعض المواقع الرجال بشراء الفياجرا النسائية لتستمتع الشريكة أيضًا بالمستوى نفسه، وفي التعليقات يسأل الزبائن المحتملون: «هل هذا النوع أصلي؟».

الإدمان النفسي: حيث لا أمان بدون «الفياجرا»

على عكس العديد من الأدوية الأخرى المستخدمة على نطاق واسع، فإن السيلدينافيل (العنصر النشط في الفياجرا) ليس مادة مسببة للإدمان، وينطبق هذا أيضًا على أدوية الضعف الجنسي الأخرى مثل تادالافيل (المكون النشط في السياليس)، وفاردينافيل (العنصر النشط في ليفيترا). تعمل جميع هذه الأدوية بالطريقة نفسها: توسِّع الأوعية الدموية لتزيد من تدفق الدم إلى أنسجة القضيب الرخوة لينتصب بمستوى أعلى من الوضع الطبيعي.

لا يسبِّب «الفياجرا» إدمانًا مباشرًا لأنه لا يستهدف تحفيز إشارات المكافأة في الدماغ، ومن يستخدمونه بناء على وصفة طبية لعلاج ضعف الانتصاب لا يُدمنون عليه، ولكن يحصل الإدمان النفسي لدى صغار السن بعد استخدامه بطريقة غير موجَّهة من الأطباء وبجرعات كبيرة.

وثائقي قصير يتحدث فيه شاب بريطاني عن إدمانه لمنشط الفياجرا وأثره في حياته الجنسية والشخصية

يدفع الإدمان النفسي بعض الرجال، بغض النظر عن أعمارهم، للشعور بعجز عن التمتع بحياة جنسية صحية و«خارقة»، ويشعرون بأنهم لا يقدرون على دخول علاقات جنسية دون وجود «ضمانة» أكيدة بأداء جنسي جيد، ومع الوقت يعتمدون عقليًّا ونفسيًّا على المنشطات، وغالبًا ما يحتاجون بعد ذلك لجرعات مُفرطة للتأثير في أجسادهم.

لإدمان «الفياجرا» مشكلات أبعد من المخاطر النفسية وفقط، بل يتطور عدد من أعراض الإدمان لدى مستهلك «الفياجرا» لدرجة أنه قد يستدين لشرائها، وأحيانًا يحتاج لجرعات أكبر وأقوى للوصول للتأثير الأول الذي يعطيه المنشِّط، ويفقد المُدمن التواصل العاطفي مع شريكته بسبب الشعور بالضعف والعجز في غياب الفياجرا، والبعض قد يصابون باحمرار الوجه وانسداد الأنف وتشوُّش الرؤية، والتعرق البارد والصداع.

الشرق الأوسط على خريطة ضعف الانتصاب

نشهد اليوم أزمة خصوبة عالمية بعد تراجع الأداء الجنسي للجيل الحالي من الشباب لأسباب مختلفة مثل: الهوس، والاكتئاب، والإرهاق، وإدمان الكحول والمخدرات، مما يشعر الرجال بأنهم بحاجة إلى معزز قوي لإرضاء شركائهم، الأمر الذي يقودهم إلى حل واحد، فمنذ ظهور الفياجرا (سيلدينافيل) لأول مرة على الساحة، وحتى اليوم، ارتفع عدد الرجال الذين جرى تشخيص إصابتهم بالضعف الجنسي بنسبة 250%، وفق مجلة «نيتشر – Nature».

Embed from Getty Images

منطقتنا العربية ليست بمعزل عن أزمة ضعف الانتصاب، وقلق تراجع الأداء الجنسي وما يتبعه من إدمان نفسي على عقار «الفياجرا».

قارنت «المجلة الدولية لأبحاث الضعف الجنسي» بيانات انتشار الضعف الجنسي عالميًّا عامَ 1995، والتي تجاوزت 152 مليون رجل مصاب بضعف الانتصاب، العدد يُتوقع أن يصل إلى 322 مليونًا بحلول عام 2025. استهدف البحث تقييم معدل الإصابة بالضعف الجنسي بين الرجال في بلدان ذات ثقافة مختلفة تمامًا عن ثقافة الدول الغربية، مثل: باكستان، ومصر، ونيجيريا، والمغرب.

أشارت نتائج هذا البحث إلى أن انتشار الضعف الجنسي والأمراض الأخرى المرتبطة بهذه الحالة في أفريقيا والشرق الأوسط يشبه انتشاره في الولايات المتحدة وأوروبا، وأشارت الدراسات الاستقصائية على الرجال الذين يلتمسون الرعاية الطبية الأولية إلى أن معدل انتشار الضعف الجنسي بينهم كان 57.4% في نيجيريا، و63.6% في مصر، وسببُ 2.5% من هذه الحالات أُحيل للاكتئاب، والتدخين، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب؛ ما يدعم الرأي القائل بأن الضعف الجنسي هو مشكلة عالمية، مع انتشار مماثل في البلدان النامية، إن لم يكن أعلى، من الرجال في المجتمعات المتقدمة.

للأسف يندر وجود دراسات محكمة وموثقة بالأدلة العلمية حول معدلات انتشار ضعف الانتصاب في العالم العربي، ولكن الدراسات المحلية التي أجريت عام 2011 أظهرت انتشاره بنسبة 40%، النسبة التي تقترب كثيرًا من نتيجة مسح وبائي أجراه مركزٌ أمريكي، باسم «المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية-NCBI»، عبر الإنترنت في عام 2012، لاكتشاف معدل انتشار ضعف الانتصاب بين الناطقين باللغة العربية، وكان معدل الانتشار الإجمالي لضعف الانتصاب 45%، ومن أسباب هذا الضعف ارتفاع ضغط الدم، والاكتئاب، والمخاوف بشأن حجم العضو الذكري وانحرافه.

اعتمد «المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية-NCBI» في مراجعته للأبحاث الموثقة منذ عام 2000 وحتى 2011، على حقيقة أن ما لا يقل عن خمس دول عربية في الدول العشرة الأولى في العالم التي ينتشر فيها مرض السكري بشكل كبير، ما له أثرٌ في الانتصاب، دون أن يذكر المسح عوامل الخطر الأخرى مثل السمنة والتدخين وارتفاع ضغط الدم المنتشرة بدرجة لا يستهان بها في الوطن العربي، وهي العوامل ذات الأثر الأسوأ في قوة الانتصاب.

المصادر

تحميل المزيد