عندما يرزق زوجان بطفل، فإنهما دائمًا ما يبحثان عن أفضل الطرق التي يمكن أن يتبعوها من أجل تربيته منذ اللحظات الأولى للولادة، مثل إنشاء غرفة خاصة له، وجعله ينام في سرير منفصل، والحصول على عربة أطفال، وأخذ القيلولة في موعد ثابت، وغيرها من أمثلة يحاول بها الأبوان توفير حياة جيدة ومستقرة للطفل.

يمكننا ملاحظة انتشار هذه العادات في مجتمعاتنا العربية يومًا بعد يوم، ورغم أن هذه العادات كلها مستمدة من الثقافة والمجتمعات الغربية، فإننا نعتبرها هي الأفضل والأنسب لأطفالنا، وأنها الممارسات الأبوية القياسية التي ينبغي اتباعها. بالتأكيد – من وجهة نظر المجتمعات العربية – فإن هذه العادات هي خلاصة دراسات وأبحاث قامت بها الدول الأكثر تقدمًا في العالم، وبالتالي هي بالتأكيد الأفضل.

لكن في الحقيقة، هناك وجهة نظر مختلفة تمامًا، وهي أن عادات التربية في الثقافة الغربية هي الشاذة أو الغريبة مقارنة بثقافات الكثير من شعوب الأرض. بكلمات أبسط، فإن عادات التربية الغربية تمثل الاستثناء للقاعدة التي تتبعها أغلب شعوب الأرض في التربية.

النوم في غرفة منفصلة ليس الأفضل!

عند النظر إلى المجتمعات الغربية، نلاحظ أن واحدة من أبرز عاداتهم في تربية الأطفال بعد الولادة مباشرة تتمثل في نومه في غرفته الخاصة. هذه العادة أصبحت متأصلة في شعوب أوروبا وأمريكا، لدرجة أن هناك اختراعات تكنولوجية مخصصة لهذا الأمر مثل كاميرات وأجهزة مراقبة الطفل التي تعمل لتنبيه الأبوين بأن طفلهما يبكي.

Embed from Getty Images

لكن النوم بعيدًا عن أطفالنا هو تطور حديث نسبيًا، وهذا التطور لم يحدث في جميع أنحاء العالم، بل في المجتمعات الغربية تحديدًا. في الثقافات الأخرى، يعتبر تقاسم غرفة، وأحيانًا تقاسم السرير نفسه مع الطفل هو القاعدة. ففي حين ينصح الآباء في الولايات المتحدة وأوروبا بأن ينام أطفالهم في الغرفة نفسها التي ينامون فيها خلال الأشهر الستة الأولى على الأقل، إلا إن الكثيرين يعتبرون ذلك بمثابة فسحة مؤقتة في الطريق إلى نوم الطفل في غرفة منفصلة.

في معظم المجتمعات الأخرى حول العالم، يظل الأطفال مع والديهم لفترة أطول. وجدت دراسة نشرت عام 2016، والتي بحثت عن الأطفال الذين لا يتشاركون غرفة فحسب، بل سريرًا مع واحد أو أكثر من والديهم، انتشارًا كبيرًا في العديد من البلدان الآسيوية. فأكثر من 70% من الأطفال في الهند وإندونيسيا، وأكثر من 80% من الأطفال في سريلانكا وفيتنام، ينامون في السرير نفسه مع الأبوين لفترة طويلة.

ورغم أن البحث عن معدلات تقاسم الأسرة في البلدان في جميع أنحاء أفريقيا غير مكتمل، إلا عن الدراسات التي تشمل دولًا أفريقية بعينها أو مجتمعات معينة في القارة، فإنه يشير إلى أن هذه الممارسة شبه عالمية.

النوم في فراش الأبوين بين الشرق والغرب

إذا أخذنا الهند على سبيل المثال، سنجد أنه رغم تأثيرات الثقافة الغربية، يظل تقاسم الأسرة تقليدًا قويًا هناك، لدرجة أنه حتى في المنازل التي يكون للأطفال فيها غرفهم الخاصة، تلاحظ أن الأطفال ينامون فعليًا في سرير الأبوين.

قد يقول البعض إن فكرة تقاسم الفراش هي إحدى الطرق لتقليل العبء الذي يحمله الأبوان بسبب استيقاظ الأطفال ليلاً. حسنًا هذا صحيح، لكنه لا يمثل الصورة كلها. فبعض الأطفال ينامون في سرير صغير بجانب سرير الأبوين في الغرفة نفسها بعد توقف الطفل عن الرضاعة وحتى سن السابعة.

وقد يقول البعض إن مثل هذه المجتمعات ذات الدخل المنخفض نسبيًا، لا تتوافر فيها رفاهية إنشاء غرفة خاصة بالطفل. ورغم أن هذا يبدو منطقيًّا نسبيًا، فإنه حتى في الأسر متوسطة الدخل والتي تقوم بعمل غرفة خاصة بطفلها الجديد، نجد أن الطفل يظل لسنوات ينام في غرفة أبويه سواء معهم على السرير نفسه أو في سرير جانبي.

Embed from Getty Images

بدلًا من أن يلجأ الآباء في المجتمعات الغربية إلى تقاسم السرير أو الغرفة مع أطفالهم، نلاحظ أنهم يتعجلون في فكرة جعله ينام في غرفته الخاصة. فالبعض لا يقبل بنصيحة أن ينام الطفل مع أبويه خلال الستة أشهر الأولى، ويجعل الطفل ينام في غرفته منذ اليوم الأول. وحتى من يقبل النصيحة، فهي فقط ستة أشهر لا غير قبل أن ينتقل الطفل لغرفته الخاص.

ليس هذا فحسب، بل يلجأ الآباء في تلك المجتمعات إلى أساليب تدريب الطفل على النوم، والتي تتضمن بعض العادات الغريبة والتي يراها البعض متطرفة، مثل ترك الطفل بمفرده ليبكي، في محاولة لتشجيع أطفالهم على النوم بمفردهم لفترات أطول دون تدخل من الأبوين، حتى يتمكن آباؤهم من الحصول على قسط من الراحة. في أستراليا على سبيل المثال، توجد مدارس نوم داخلية ممولة من الدولة يمكن للوالدين تسجيل الدخول فيها لتدريب أطفالهم على النوم.

مواعيد النوم وحَمْل الطفل.. اختلاف آخر بين الشرق والغرب

الاختلاف بين الثقافات لا يؤثر فقط في مكان نوم الأطفال، بل يؤثر أيضًا في وقت ومقدار نومهم. وجدت دراسة يابانية أن الأطفال في اليابان يميلون إلى النوم أقل من أولئك الموجودين في البلدان الآسيوية الأخرى بمجرد بلوغهم ثلاثة أشهر من العمر. قدرت الدراسة أن السبب وراء هذا ربما يعود إلى أن النوم يعتبر نوعًا من الكسل في اليابان.

لكن الأطفال في البلدان الآسيوية (وبينها اليابان) يميلون بشكل عام إلى النوم متأخرًا عن نظرائهم في البلدان ذات الغالبية القوقازية (الدول الغربية عمومًا). السبب وراء هذا يأتي من رغبة الآباء في قضاء بعض الوقت مع أطفالهم في المساء بعد عودتهم من أعمالهم، وهو ما يعكس الترابط الأسري أكثر.

Embed from Getty Images

يمكن أيضًا أن يكون السبب في ذلك هو فكرة تقاسم الفراش، والتي تعد بمنزلة قاعدة ثقافية في اليابان، ففي اليابان والعديد من الدول الأسيوية، يشعر الآباء أن طفلهم هو جزء من جسده أو جسدها.

مثال أخير هنا، وهو عربة الأطفال؛ في السابق، اعتادت كل المجتمعات على فكرة حمل أطفالهم بواسطة نوع من الحبال أو الأقمشة، مما يجعل الطفل دائم الالتصاق بأمه خلال قيامها بالأعمال المختلفة. لكن في العصر الفيكتوري (منذ عام 1837 تقريبًا)، بدأت تنتشر في المجتمعات الغربية عربات الأطفال، حتى أصبحت عادة دائمة حتى يومنا هذا.

لكن في المجتمعات غير الغربية، هناك طرق مختلفة كثيرة لحمل الأطفال دون استعمال عربة الأطفال، وكلها تشمل ربط الطفل إلى أمه مباشرة، هذا الأمر يمنح الطفل تأثيرًا مهدئًا فوريًا، فهذا النوع من الحركة الإيقاعية نتيجة تحرك الأم أثناء حمل الطفل لديه ليس فقط قوة لتهدئة الطفل، بل يمنح الطفل الاتصال الفيسيولوجي الذي يحتاجه في تلك السن المبكرة.

لماذا يلجأ المجتمع الغربي لهذا الأسلوب في التربية؟

نلاحظ أن كل أساليب التربية الغربية تصب في اتجاه واحد، تشجيع الاستقلال المبكر للطفل. يتماشى هذا التشجيع مع تركيز النموذج الثقافي الغربي على «الفردية». فالمجتمع الغربي القائم على تعظيم فكرة الفرد، وجعله هو لبنة المجتمع (وليس الأسرة) يبدو بالنسبة له أن فكرة تقاسم الفراش مع الطفل بمثابة استسلام للطفل، وتشجيعهم على البقاء معتمدين على والديهم.

Embed from Getty Images

لكن في المجتمعات ذات الطابع الجماعي والتي تركز على الأسرة بصفتها مركز المجتمع، يرون أن فكرة تقاسم الفراش مع الطفل تمنحهم بعض الثقة بالنفس وبعض الاستقلالية، فهم في النهاية سينفصلون عن آبائهم، ولن يتمسكوا بآبائهم إلى الأبد، وبالتالي ما المانع من منح الطفل ثقة وقوة الحب في السن المبكرة.

الشرق أم الغرب.. أي الطريقتين أفضل؟

في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – على سبيل المثال – تنصح المراكز المتخصصة الآباء بمشاركة الغرفة مع طفلهم لتقليل مخاطر متلازمة موت الرضع المفاجئ (الموت غير المبرر، عادةً أثناء النوم، لطفل يبدو أنه يتمتع بصحة جيدة أقل من عام). إلا أنها تحذر – في المقابل – من مشاركة السرير، لأن مشاركة الفراش مرتبطة بزيادة مخاطر هذه المتلازمة.

لكن الخبراء في الدولة الأسيوية مثل الهند لهم رأي آخر؛ فالافتقار إلى الأبحاث عالية الجودة حول هذا الموضوع يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان تقاسم الأسرة بحد ذاته يزيد من خطر الإصابة بمتلازمة موت الرضع المفاجئ، في غياب عوامل الخطر الأخرى مثل تأثيرات التدخين وشرب الأم للكحول.

صحة

منذ 3 سنوات
كيف تحمي طفلك من متلازمة الموت المفاجئ في المهد؟

تأتي الدراسات حول هذا الموضوع في الغالب من البلدان ذات الدخل المرتفع، حيث يكون تقاسم الأسرِّة أقل شيوعًا، لكن البلدان منخفضة الدخل، حيث يكون تقاسم الأسرة أمرًا تقليديًا، لديها أيضًا بعض من أدنى معدلات موت الرضع المفاجئ في العالم.

والخلاصة، لا تقم باستيراد أسلوب تربية لا يناسب حاجة المجتمع الذي تعيش فيه من جهة، وما تريد أن يكون طفلك عليه مستقبلًا. فالكثير من الأبحاث حول تربية الأطفال تنظر فقط إلى مجموعة فرعية معينة من سكان العالم، الغرب. لكن هناك اختلافات بلا شك بين الثقافات عندما يتعلق الأمر بكيفية رعاية الأطفال، كما أن هناك العديد من الاختلافات داخلها أيضًا، وبالتالي، لا تعتقد أن نوم الطفل في غرفته هو أمر مثالي، فحتى الإيطاليين يعتقدونه شيئًا غير لطيف.

المصادر

تحميل المزيد