يعتقد الكثير من الآباء ومقدمي الرعاية أن الوعي الجنسي عند الأطفال يبدأ عند مرحلة البلوغ ويستمر خلال مرحلة  المراهقة، إلا أن الوعي الجنسي للأطفال يبدأ في سن الرضاعة ويستمر في التعزيز طوال سنوات الطفولة المبكرة الفترة من سنتين إلى 5 سنوات، وحتى مرحلة المراهقة، إذ تُشكل مرحلة الرضاعة ومرحلة الطفولة المبكرة الأساس الذي يُبنى عليه وعي الطفل الجنسي في مراحل لاحقة من حياته.

اللمس الذاتي.. بوابة الوعي الجنسي  

يشمل نمو الطفل سلسلة من التغيرات الجسدية والنفسية والمعرفية والحسية والتي تحدث منذ الميلاد وحتى البلوغ، وخلال هذه الرحلة يكتشف الطفل طرقًا مختلفة في التعرف إلى جسده، إذ يدفعه إلى ذلك الفضول، وتقوده حواسه المختلفة وعلى رأسها «حاسة اللمس». 

Embed from Getty Images

يبدأ التطور الحسي لحاسة اللمس عند الطفل في وقت مبكر جدًّا سابق لمرحلة الميلاد؛ فالطفل داخل الرحم يبدأ في لمس جدار الرحم والحبل السري، وتستمر حاسة اللمس في التطور بعد الميلاد تدريجيًّا؛ فتصبح تلك الحاسة البوابة الرئيسة التي يكتشف بها الأطفال ذواتهم وبيئتهم، ويتعلمون عن طريقها، ويحمون أنفسهم من بعض المخاطر ويتواصلون بها مع الآخرين، وعن طريقها أيضًا يختبرون شعورهم الأول بـ«المتعة».

ويبدأ سلوك اللمس الذاتي عند الأطفال تقريبًا في عمر سبعة شهور أو أقل في محاولة منهم لاكتشاف أجسادهم، ويُشير تقرير منشور على موقع المركز الوطني للسلوك الجنسي للشباب بقسم طب الأطفال في جامعة أوكلاهوما للعلوم الصحية إلى أن هناك بعض الأجزاء من الجسم تجذب اهتمام الأطفال أكثر من غيرها لاحتوائها على الكثير من النهايات العصبية التي تجعلها حساسة للغاية للمس مثل «أطراف الأصابع، والفم، والشرج، والأعضاء التناسلية»، مما يُشعرهم بالراحة والمتعة عند لمسها.

انتصاب وإثارة جنسية.. لكن لا شيء يدعو للقلق! 

يكتشف الأطفال الأحاسيس في الأعضاء التناسلية عن طريق اللمس والاحتكاك من خلال سلوكهم الاستكشافي الطبيعي، ويشعرون بالإثارة حتى وهم رضع؛ وفي بعض الأحيان يعاني الأولاد حديثو الولادة من الانتصاب استجابةً جسدية تلقائية من اللمس المتكرر لأعضائهم التناسلية، وتختلف هذه السلوكيات كثيرًا عن النشاط الجنسي للبالغين في أنها لا تنطوي على أي خيال جنسي ولا تتعدى كونها استجابة طبيعية مريحة وممتعة، لكن ماذا عن الاستمناء في مرحلة الطفولة؟

يُعد الاستمناء سلوكًا بشريًّا طبيعيًّا يظهر خلال فترة التطور الجنسي لدى الأطفال، وترتبط عملية الاستمناء بفضول الطفل ورغبته في اكتشاف جسمه، ويُشير دكتور  كريستوفر بفليك، طبيب ومهتم بتشخيص وعلاج الاضطرابات العصبية إلى أن الموجات فوق الصوتية كشفت عن أن الأجنَّة داخل الرحم تمارس الاستمناء نوعًا من أنواع التهدئة الذاتية.

ويوضح أن سلوك الاستمناء يستمر مع الأطفال حتى يصل ذروته في سن أربع سنوات ثم ينتهي ليعاود الظهور مرة أخرى في فترة البلوغ بوصفه مرحلة طبيعية ضمن فترة التطور الجنسي للأطفال، إلا أن ما يدعو للقلق هو ألا يتجاوز الطفل هذا السلوك في مرحلة الطفولة المبكرة، ويصبح سلوكًا قهريًّا يتداخل مع أنشطته المختلفة ولا يمكنه التخلص منه، عندها يمكن وصفه بـ«اضطراب الإشباع».

الاستمناء القهري.. ما هو اضطراب الإشباع؟

يُعرف اضطراب الإشباع وفقًا لدراسة منشورة في المجلة الدولية لطب الأطفال أيضًا باسم «اضطراب الحركة مجهول السبب» أو «الاستمناء عند الأطفال»، وهو متغير سلوكي طبيعي يُلاحظ في مرحلة الطفولة المبكرة عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات.

Embed from Getty Images

ويرتبط عادة بالتوتر والشعور بالملل والتهاب الأعضاء التناسلية والرغبة في التهدئة الذاتية، وعلى الرغم من أنه سلوك شائع جدًّا في مرحلة الطفولة المبكرة ويظهر في نحو 90% إلى 94% من الذكور و50% إلى 55% من الإناث إلا أنه لا يجري تشخيصه بشكل دقيق، وسنعرف الآن لماذا. 

يمارس شريحة كبيرة من الأطفال الاستمناء، وبالرغم من ذلك عندما تظهر بعض الأعراض السلوكية المصاحبة لممارسة سلوكيات الإشباع «الاستمناء» لا يجري تشخيصها بشكل دقيق، وتُرجع دراسة لـ«المجلة الهندية للطب النفسي» منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب ذلك إلى بعض الأسباب منها:

الشعور بالوصم والعار

يظن الكثير من الآباء ومقدمي الرعاية أن أي سلوك جنسي صادر عن الطفل في مرحلة الطفولة ما هو إلا مؤشر قاطع على تعرض الطفل لاعتداء جنسي، فلا يُعرض الطفل على طبيب خوفًا من الشعور بالوصم والعار من المحيطين.

غياب الثقافة الجنسية

يفتقر الكثير من الآباء ومقدمي الرعاية الحد الأدنى من الثقافة الجنسية والمعرفة بالتطور النفسي الجنسي للأطفال، إذ يجهل الآباء السلوك الجنسي للأطفال الرضع وقدرتهم على ممارسة الاستمناء خاصة أنها تختلف عن العادة السرية التي تصاحب فترة البلوغ في أن الطفل لا يمارسها عن طريق التلاعب باليد، فعادة ما يمارس الأطفال هذا السلوك بفرك أجسادهم في الأرض أو بالاحتكاك بجسم صلب مثل المقاعد والدمي القطنية.

تشابه أعراضه مع بعض الاضطرابات الأخرى

تتشابه الأعراض السريرية لاضطراب الإشباع مثل «احمرار الوجه والتعرق وإصدار الأصوات والتشنجات والحركات الإيقاعية المتكررة» مع الاعراض السريرية لبعض الاضطرابات الأخرى مثل اضطراب الصرع وبعض الاضطرابات في الحركة واضطرابات الجهاز الهضمي، فيُشخص الطفل بشكل خاطئ.

ولماذا يتحوَّل سلوك طبيعي إلى اضطراب؟

يبدأ سلوك الاستمناء عند الأطفال بوصفه تطورًا طبيعيًّا للنمو النفسي الجنسي للطفل بدافع الفضول، فيكتشف أعضاءه التناسلية مثلما يكتشف باقي أجزاء جسمه، وتلعب الصدفة دورًا كبيرًا في اختباره للمتعة إلا أن هناك بعض العوامل التي تساهم في تحفيز هذا السلوك وتحوله إلى سلوك قهري يتداخل مع أنشطة الطفل العادية ولا يستطيع السيطرة عليه ومنها:

الحرمان العاطفي

يحدث الحرمان العاطفي في مرحلة الطفولة المبكرة عندما يفشل الآباء ومقدمو الرعاية في  تلبية احتياجات الطفل النفسية والعاطفية، وقد ربطت دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب، بين الاستمناء في مرحلة الطفولة المبكرة وبين الحرمان العاطفي في هذه المرحلة، إذ يحاول بعض الأطفال تخفيف بعض المشاعر السلبية المصاحبة للحرمان العاطفي مثل القلق والتوتر عن طريق ممارسة الاستمناء للشعور بالتهدئة الذاتية والاسترخاء.

صدمة الفطام 

تعد الرضاعة هي أول علاقة انفعالية في حياة الطفل، ويطلق فرويد على هذه المرحلة «المرحلة الفمية» ويشعر فيها الطفل بالإشباع عن طريق الرضاعة، وينعكس أي خلل نفسي في هذه المرحلة على سلوك الطفل، خاصة الآثار النفسية التي تتسبب فيها طرق الفطام الخاطئة التي تتبعها بعض الأمهات، وأشارت بعض الدراسات إلى أن هناك علاقة بين اضطراب الإشباع وصدمات الفطام التي يتعرض لها الأطفال.

الشعور بالسعادة

تُشير دراسة لـ«مجلة الصحة النفسية الجنسية» التابعة لأكاديمية كارناتاكا للعلوم الجنسية بالهند، إلى أن الأطفال المصابين عادة بالتهابات المسالك البولية أو بالطفح الجلدي نتيجة استخدام الحفاضات تتكون لديهم رغبة لمس هذه المنطقة للتخفيف من آلام الالتهابات، فيشعرون بالمتعة نتيجة اللمس والاحتكاك المتكرر في هذه المنطقة، ويعزز هذا الشعور ارتفاع معدلات هرمون الدوبامين «هرمون السعادة» التي تفرز بعد ممارسة الاستمناء فتزداد رغبة الطفل في تكرار هذا السلوك .

المحاكاة والتقليد 

ظهور بعض التغيرات السلوكية المفاجئة خاصة ذات الطبيعة الجنسية، قد يكون في بعض الأحيان مؤشرًا على تعرض الطفل للاعتداء الجنسي، ووفق شيرينا مقطان الباحثة الرئيسية في الدراسة السابقة، فإن تعرض الطفل لمواد إباحية صريحة أثناء فترة الطفولة المبكرة من شأنه أن يعزز سلوكيات الإشباع والرغبة في ممارسة الاستمناء. 

كيف تساعد طفلك إذا ظهرت عليه أعراض اضطراب الإشباع؟

تكمن مشكلة اضطراب الإشباع في صغر سن الأطفال – خاصة الرضع منهم – وعدم تمتعهم بالقدر الكافي من الإدراك  الذي يساعدهم على معرفة خصوصية أجسادهم وتوعيتهم بالمناطق المحظورة في أجسادهم لذلك يعتمد العلاج بشكل كبير على قدرة الآباء في التعامل مع هذا السلوك وفيما يلي مجموعة من الآليات التي قد تساعد الأطفال في تجاوز هذا السلوك:

التثقيف الجنسي للآباء

رفع الوعي الجنسي للآباء وتثقيفهم بشأن تطورات النمو النفسي الجنسي لأطفالهم يساعد إلى حد كبير في تجاوز سلوكيات الإشباع.

العقاب يزيد الأمور تعقيدًا

إحراج الطفل وتعنيفه على ممارسة العادة السرية يساعد على تعزيز هذا السلوك ويدفع الطفل إلى تكراره بعيدًا عن الأنظار خوفًا من العقاب، لذلك من الأفضل اعتماد أساليب الإلهاء كلما مارس الطفل هذا السلوك . 

الختان جريمة 

تنتشر في بعض الثقافات مجموعة من المعتقدات الخاطئة التي عادة ما تربط أي سلوك جنسي عند الأطفال – خاصة الإناث- بالشهوة الجنسية، فيشجعون على إجراء عمليات الختان للإناث للحد من شهوتهن واعتقادًا منهم أن الختان سيحد من سلوكيات الإشباع، في حين تُشير  دراسة بعنوان «الاستمناء في فترة الطفولة والهرمونات الجنسية» إلى انتفاء العلاقة بين الهرمونات الجنسية وبين سلوكيات الإشباع عند الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة.

العلاج السلوكي 

يساعد العلاج السلوكي بشكل كبير في علاج وتجاوز الكثير من السلوكيات والاضطرابات التي قد تضر الصحة النفسية للأشخاص وأشارت العديد من الدراسات إلى فاعليته في التخلص من سلوكيات الإشباع.

العائلة

منذ 5 سنوات
من المهد حتى المراهقة.. دليل التربية الجنسية المناسبة للمجتمعات العربية

العلاج النفسي

قد يحتاج بعض الأطفال إلى الدعم النفسي نتيجة تعرضهم لبعض الأحداث السيئة التي تضر بصحتهم النفسية وتدفعهم لممارسة سلوكيات الإِشباع للشعور بالتهدئة الذاتية، لذلك من الأفضل طلب المساعدة المهنية المتخصصة من الأخصائي النفسي.

ويبقى أن نشير إلى أن اضطراب الإشباع على الرغم من كونه ظاهرة طبيعية في التطور النفسي الجنسي للأطفال، فإنه قد يكون مؤشرًا على تطوير سمات لبعض الاضطرابات الأخرى مثل اضطراب فرط الحركة، و«متلازمة ريت» إلا أن الأبحاث العلمية ما زالت غير كافية لإثبات هذه العلاقة بشكل حاسم.

المصادر

تحميل المزيد