تنامت أهمية موقع «لينكد إن- LinkedIn» بين الشباب العرب خلال السنوات الخمس الأخيرة، باعتباره الشبكة الافتراضية الأكثر استخدامًا وقدرة على ربط المهنيين حول العالم، لجعلهم أكثر إنتاجية ونجاحًا في مناصبهم الحالية، والوصول لما يطمحون إليه. مقابل ذلك أثر الموقع بطريقتين مختلفتين في حياة مستخدميه؛ فبعضهم يترددون عليه لكسب مزيد من الثقة بالنفس، وتخفيف مشاعر القلق تجاه مشاكل العمل الشائعة، بينما تتملك الآخرون حالات الاكتئاب والقلق ومشاعر الذنب، بسبب ضياع الوقت في تصفح إنجازات الآخرين، مع العجز عن تحقيق إنجازات مماثلة، ما يُعرف بـ«متلازمة الخشخاش الطويل».
يحدث ذلك على منصة يزيد عدد مستخدميها عن 774 مليون، بينهم 40 مليون مستخدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتركز النسبة الأعلى بينهم في مصر، والإمارات، والسعودية، والمغرب، وفق الإحصاء الربع سنوي الأخير لموقع «لينكدإن» لعام 2021، ومع مرور الأعوام أصبح من الصعب على هؤلاء القلقين إغلاق حساباتهم، والتخلي عن متابعة تطورات مجال العمل، وعلى الناحية الأخرى لم تزل البقية في حاجة إلى دفعة من الجرأة والثقة لكتابة منشور يعلنون فيه اجتيازهم لاختبار صعب، أو تقدير من مديريهم لإنجازاتهم ذلك العام.
«متلازمة الخشخاش الطويل» ونهج التواضع كحزام أمان
تتبع المجتمعات من حولنا نهجين في أماكن العمل؛ يعرف النهج الأول أفراده على أنهم جزء من مجموعة عمل، يولون الاهتمام لأهدافها ونجاحاتها، دون النظر إلى إنجازاتهم الشخصية، حتى يميل الأعضاء للتواضع وإنكار الذات؛ في الحين نفسه يتباهى النهج الآخر بثقافة الفردانية، ويسعى أفراده إلى التصرف بشكل مستقل، ويعلون قيمة المنافسة مقابل التضحية، ويمثل سكان قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية أغلبية هؤلاء المتنافسين.
مع قلة الدراسات التي تحدد مدى تأثير ثقافة المجتمع على مفهوم النجاح، نحن نعلم – على الأقل – متى ننجح؛ فيقيم الأوروبيون والأمريكيون نجاحهم باستخدام معايير مثل الوظيفة، أو مستوى المعيشة، أو الصحة، لكن من المرجح أن يحاول الأفراد في المجتمعات غير الناطقة بالإنجليزية الاستجابة لتصورات مجتمعهم عن النجاح للتوافق مع القاعدة، وكي لا يبدون أفضل من الآخرين؛ ما يدفعهم للتحفظ على مدى رضاهم عن حيواتهم – إذا كانوا راضين – أو العزوف عن تحسين الذات والحياة، وهو ما يعرف في المجتمعات المؤمنة بقيم التواضع باسم «متلازمة الخشخاش الطويل».
يقصد بـ«متلازمة الخشخاش الطويل» الأشخاص الناجحين المتباهين بانتصاراتهم الفردية، وهم النموذج الذي تفضله المجتمعات الغربية، وتكافئه، والنموذج الأكثر لفتًا للأنظار على مواقع التواصل الاجتماعية المهنية، مثل «لينكد إن»، بسبب طبيعة الحسابات الإلكترونية الشخصية، وحاجة صاحب الحساب لتسجيل إنجازاته الفردية لضمان الحصول على وظيفة أحلامه.
في الوقت نفسه تشير الأبحاث إلى أن المجتمعات الجماعية تقدر التواضع، وتحافظ على انسجام المجموعة، وحماية مشاعر الآخرين، وتفترض أن الإنجاز الفردي يصرف النظر بعيدًا عن قيم التضامن الجماعي؛ ما يزيد من احتمالية تعرض «الخشخاش الطويل» للعقاب المجتمعي إذا تباهى بإنجازاته.
يحمي التواضع – سرًا – الفرد الناجح من العقوبات المحتملة من زملائه، مثل التشويه، أو التنمر، أو الحسد، حتى صار التواضع إستراتيجية حماية للمصلحة الذاتية، كما أكدت دراسة مقارنة بين مجتمعات أستراليا، ونيوزيلندا، وأمريكا، واليابان، والصين، على اختلاف الثقافات؛ فسجل المشاركون من ثقافة فردية غربية درجات أعلى في تقدير الذات، وأقل في أعراض «متلازمة الخشخاش الطويل»، مقارنة بالمشاركين من الثقافات الجماعية الآسيوية، وأبلغ الكوريون عن ترددهم في مشاركة أحداث إيجابية تخصهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خوفًا من خسارة العلاقات الاجتماعية، وبالتالي مارسوا التواضع باعتباره إستراتيجية حماية.
وإنكار الذات في المجتمع العربي يعيق الإيجابية
هل مر بخاطرك الآن قول مأثور يعلي قيمة إنكار النفس أو ضرورة إخفاء نجاحاتك عن أعين الغير؟ ربما، لكن المؤكد هو شيوع ثقافة التواضع وإنكار الذات في المجتمعات العربية، ظهر ذلك عبر دراسة أُجريت في دولتي الإمارات العربية المتحدة والكويت، وتجلى في التزام وثيق وولاء للثقافة الجماعية وإنكار الذات، فعلى الرغم من تقارب القيم والمعايير المهنية في أماكن العمل في الإمارات العربية المتحدة مع معايير العمل الغربية، فإن المبحوثين استرجعوا قيمهم الشخصية خارج نطاق العمل.
جاءت الدراسة في تقرير سياسة السعادة العالمية والرفاهية، خلال التجمع السنوي السابع للمجلس العالمي للسعادة وجودة الحياة في دبي فبراير (شباط) 2019، في محاولة لقياس أثر الصحة النفسية الإيجابية على حدة التوتر والإجهاد وقيمة الفرد. كانت التجربة إعادة لتطبيق أحد برامج علم النفس الإيجابي على المجتمع العربي، بعدما جاء بنتائج متقدمة في أمريكا وكندا، ونتج عنه تحسنًا في الصحة النفسية، والعقلية، والجسدية، ومستوى أعلى من الرضا عن الحياة والاستمتاع بها.
على مدار ستة أسابيع من برنامج العلاج السلوكي الإيجابي، أبلغ المبحوثون في دولتي الإمارات والكويت عن زيادة في المشاعر الإيجابية بمرور الوقت، وقدرة على تحقيق توازن بين عواطفهم؛ ما يزيد من احتمالية انتصار المشاعر الإيجابية على السلبية على المدى الطويل، لكن لم يكن هناك أي أثر للعلاج على درجة رضا المبحوثين عن حياتهم أو مستوى الإجهاد أو الإيمان بالقدرات الفردية، مع ذلك ظهر اهتمام المبحوثين بإبراز صورة مناقضة لحالتهم النفسية السيئة لحفظ ماء الوجه؛ ما أعاده الباحثون للثقافة الجماعية، حيث تكتسب السمعة الاجتماعية للفرد أهمية، وتشكل المعتقدات والقيم الراسخة عائقًا أمام التغيرات قصيرة المدى في السلوك نحو الإيجابية.
6 حلول للتغلب على «متلازمة الخشخاش الطويل»
مع عودة الموظفين إلى مكاتب العمل بعد جائحة «كوفيد COVID-19»، ربما تفكر فيما قد تحتاجه لبدء مرحلة مهنية أكثر فاعلية، مع أعراض أقل من التوتر والاحتراق النفسي، مستفيدًا من إيمانك الأصيل بقيم التعاون والتواضع، ورغبتك الخجولة في الارتقاء بمنصبك الوظيفي بنشر إنجازاتك الشخصية، ومن أجل ذلك عليك التخطيط بإيجابية لمستقبل قريب بالخطوات البسيطة التالية:
1- تعد كتابة القوائم اليومية أحد أهم أدواتك لتعزيز رفاهيتك النفسية، عن طريق كتابة «ثلاث نِعم» كل يوم، أو «خمس نقاط قوة في الشخصية»، أو «ثلاثة أحداث إيجابية في يوم العمل»، أو تسجيل الأهداف اليومية، وخططك لمساعدة الآخرين.
2- خصص يومًا تتوقف فيه عن الشكوى وترديد الأخبار السيئة، وشارك الأخبار الإيجابية مع الآخرين، وقد تشمل تلك الأخبار إنجازًا شخصيًا، أو إنجازًا لزميل عمل، أو وصفًا لموقف إيجابي، أو حدثًا إيجابيًا سمعته في نشرة الأخبار؛ لأن مشاركة الأخبار السارة مع الآخرين تزيد من القيمة المتصورة لتلك الأحداث التي قد تراها بسيطة، خاصة عندما يستجيب الآخرون بحماس.
3- تجاهل حديثك الداخلي السلبي مع نفسك حينما يتحدث معك زملاء العمل عن إنجازاتهم، وتوقف عن مقارنة نفسك بهم، بدلًا عن ذلك حاول الإنصات بانتباه، ودعهم يحظون بالاهتمام، وتفاعل معهم بسؤالهم عن أهدافهم وأفضل نصائحهم لك.
4- نشرت «المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة (NCBI)» نتائج دراسة أكدت على استفادة الطرف المساعد والمتلقي للمساعدات في بيئة العمل، فصار الطرفان أكثر سعادة وأقل اكتئابًا بعد شهرين، كما دفع السلوك الإيجابي للمتطوع نحو مساعدة بقية الزملاء لتقديم المساعدة بنسبة 278%؛ لذا يمكنك عرض خدماتك على زميل يواجه صعوبة في بيئة العمل – حسب استطاعتك – لدعم الأهداف الفردية والجماعية معًا.
5- يؤدي الثناء إلى مزيد من الثناء، فعندما أطلق موقع «لينكد إن» برنامج «برافو» في يوليو (تموز) 2015، لتمكين الموظف من الثناء على جهود زملائه، هنأ 24% من الموظفين موظفًا آخر، وأظهرت البيانات أنه مع كثرة تعبير الموظف عن سعادته للآخرين زادت احتمالية تلقيه مشاعر إيجابية مماثلة؛ ما خلق علاقات قائمة على النجاح والإيجابية.
6- حدد يومًا للتركيز على ما يبرع الآخرون في عمله، وقدم لهم الشكر على عملهم، أو الإطراء على نجاحاتهم، والامتنان على ما قدموه لك من مساعدة، وشارك بكتابة تعليقات التهنئة على منشورات زملاء المهنة على موقع «لينكد إن».